عبد العزيز الكحلوت
هذا السؤال الكبير منا من يعرف إجابته ومنا من تجاهل إجابته ومنا من ظل يقول إن العراق يعيش في عهد الرخاء والديمقراطية، وأن أمريكا قد خلصته من الديكتاتورية والإرهاب وجلبت له الخير في ركابها لكن الرئيس الأمريكي وضع يوم الأربعاء 5/8/ 2015 النقاط على الحروف وقال لنا من دمر العراق ومن أفسد الحياة فيه فقد وقف في كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأمريكية في واشنطن مدافعاً عن الاتفاقية النووية مع إيران ليعلن في خطابه على رؤوس الأشهاد أن ما قامت به بلاده في العراق في سنة 2003 لم يكن انتصاراً للديمقراطية وحقوق الإنسان ولا تصديا للديكتاتورية والإرهاب ولا بحثاً عن أسلحة دمار شامل كما زعم جورج بوش الابن وحليفه الكذوب بلير وإنما كان غزواً بكل ما تعنيه الكلمة افتقدت فيه أمريكا لصوت الحكمة فخدعت الشعب وبددت الأموال وقتلت الرجال وسلمت العراق بقضه وقضيضه وشحمه ولحمه لجمهورية إيران الإسلامية ولمن والاها ونفذ في العراق سياساتها..
هكذا وبكل جرأة وصراحة وبعد أن بلغ السيل الزبى وطفح كيل أوباما من معارضي اتفاقه النووي قال لهم الحقيقة وزاد فيها أبياتا حين اعترف أن إيران دولة ثيوقراطية دينية (theocracy ) وليست دولة مدنية وأنها المستفيد الأكبر والوحيد (the single greatest beneficiary) من الغزو الأمريكي للعراق وأنها أي إيران كرست الطائفية في العراق وتبنت ميليشياتها في العراق وخارجه ووصف هذه الأحزاب والميليشيات بصراحة وحسم بأنها وكيلة لإيران في العراق تأتمر بأمرها وتنفذ أوامرها بما يعني تحريك إيران لها من وراء حجاب فلا خطب زعمائها الرنانة من بناة أفكارهم ولا خططهم من إبداعهم فما صنعوه لا يمت لرخاء ووحدة وسلامة العراق بصلة ويمضي أوباما قدما فيعترف أن المجاميع الإرهابية العراقية المؤتمرة بأمر إيران قتلت العراقيين وقتلت الأمريكيين فيقول "ليست لدينا أوهام حول الحكومة الإيرانية أو مكانة الحرس الثوري وفيلق القدس فإيران تدعم منظمات إرهابية مثل حزب الله.. وهي تدعم مجموعات وكيلة تهدد مصالحنا ومصالح حلفائنا، بما في ذلك مجموعات وكيلة لها قتلت جنودنا في العراق"..
الغزو الأمريكي للعراق الذي أصل للطائفية وكرس لها والوصاية الإيرانية عليه ودخول القاعدة ثم ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية على الخط أدى إلى مقتل أكثر من 85000 من السكان المدنيين في عام 2007، وشرد حتى أبريل 2008 نحو 4.7 مليون عراقي انساحوا في جهات الأرض الأربع يمثلون (حوالي 16% من سكان العراق) وفر من العراق إلى دول الجوار طلبا للنجاة من إيران وميليشياتها ووكلائها نحو مليوني عراقي وهم الآن حسب تصريحات الصليب الأحمر الدولي في حالة إنسانية سيئة، وقدر البعض عدد الأشخاص الذين قتلوا خلال الحرب وما بعدها وبسببها بــ 1.3 مليون شخص، وهذه الأرقام هي بازدياد عوضا عن أن تتقلص كما أكدت دراسة أجرتها الأمم المتحدة ومراكز أبحاث أخرى أن عدد اليتامى في العراق تجاوز 7 ملايين وأن عدد الأرامل قد بلغ نحو3 ملايين امرأة وذكرت وزارة التخطيط العراقية أن نحو 83 الف أرملة فقط يتلقين إعانات شهرية بواقع 50 دولار للأرملة الواحدة .
إصلاحات حيدر العبادي التي جاءت بعد مظاهرات واحتجاجات وبعد الضوء الأخضر من المرجع الشيعي على السيستاني لا تسمن ولا تغني من جوع لوحدها فهي لا توفر على الخزينة العراقية سوى 100 مليون دولار أمريكي بينما قدر المتشائمون الهدر والخراب الذي لحق بالعراق بتريليون دولار وقدره المحايدون بــ 300 مليار دولار وبسبب احتلال داعش لمحافظات عراقية فإن العراق يخسر 150 مليون دولار أمريكي يومياً وتعطلت الحياة الاقتصادية في نحو 33% من أراضيه بسبب نزوح أعداد كبيرة من سكان المحافظات الشمالية والغربية وتقدر إيرادات النفط منذ عام 2004 حتى عام 2015 بـتريليون دولار، وهي تشكل الإيرادات الأساسية في الموازنات السنوية.
لكن كل تلك الموازنات لم ير منها العراقيون خيرا لأسباب عديدة منها الفساد المستشري في كل الوزارات وآلاف الوظائف الوهمية وارتفاع الكلفة العسكرية لمواجهة داعش ونهب إيران وأمريكا لجزء منها ومن العجب العجاب أن العراق الذي يمكن أن يصدر 3.6 مليون برميل يوميا والذي يعد بذلك ثالث بلد مصدر للنفط في العالم بعد السعودية وروسيا لا يجد مواطنوه سوى 8 ساعات كهرباء في اليوم الواحد فالفساد ابتلع كل شيء حتى تخطى معدل الفقر (أقل من دولارين في اليوم) 30% من العراقيين وتجاوزت نسبة البطالة 25% وتدنت كافة المعايير والمؤشرات من الشفافية والديمقراطية إلى أبسط حقوق الإنسان بسبب الفساد.
ولا يستبعد بعض المحللين أن هذا الفساد جزء من خطة موضوعة تستهدف إضعاف العراق توطئة لتقسيمه وضم إيران لجزء هام منه ويستشهدون بالصراع الذي كان قائما بين العراق والشاه ثم بينه وبين الجمهورية الإسلامية على الحدود فتفتيت وتقسيم العراق لا يعجل به إلا الفساد ومؤسساته ورجاله من أمثال المالكي الذي نكل بالعراقيين وكرس الفساد والطائفية وكون جيشا من أتباعه وأزلامه على غير الأسس المعمول بها في دول العالم.
الفساد السياسي والمالي والإداري الذي يدمر العراق ويجعله منهوباً ومستديناً وعاجزاً لا يمكن مقاومته إلا بوحدة شرفاء العراق شيعة وسنة وبعملهم المخلص الدؤوب من أجل عراق واحد مستقل آمن ومزدهر الانتماء فيه للعراق لا لغيره تعلو فيه مصلحة الوطن على مصلحة الفرد وكذلك لا بد من إيجاد نظام قضائي نزيه وعادل فإذا غاب القضاء العادل استشرى الفساد والتهم الأخضر واليابس فلم تنهض أمة من الأمم وتزدهر وتعمر على مدار التاريخ بغير قضاء عادل ينصف المظلومين ويرد الحقوق ويحافظ على المال العام وكذلك إيجاد أجهزة رقابية حكومية خالية من الطائفية والإثنية وقائمة على الكفاءة والنزاهة ومعززة برقابة شعبية فاعلة وقوية وربما كانت قرارات حيدر العبادي الأخيرة التي صادق عليها مجلسا الوزراء والنواب خطوات على هذا الطريق تتبعها حزمة قرارات وإجراءات فهل سينجح العبادي وشرفاء العراق ومحبيه في خط سياسة مستقلة للعراق تؤكد انتماءه إلى محيطه العربي وهل سينجحون في إقصاء المفسدين وإقامة الدولة المدنية وهل سينجحون في استكمال المسيرة نحو قطع دابر الطغيان وهدم إمبراطورية الفساد أم ستلقى قراراته وإجراءاته المتوقعة صدا وإعراضا يؤسس لفوضى ذلك ما ستكشف عنه الأيام ..
1425 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع