د.عبدالقادر القيسي
ظهر على قناة البغدادية مؤخرا وهي بصدد تغطيتها للمظاهرات، خبر منع سفر السيد المالكي وعرضت القناة مكالمة هاتفية مزعومة تشير الى وجود منع سفر، وبعدها بيومين سافر السيد المالكي الى إيران، وطيلة هذه الأيام تكرر قناة البغدادية طلبها من السيد العبادي منع سفر المتهمين بالفساد، وتطلب من القضاء تشكيل محكمة لمحاربة الفساد، بالرغم من ان هذه المحكمة مشكلة بعد تشكيل هيئة النزاهة في عام 2005، حيث كانت المحكمة الجنائية المركزية مختصة بنظر القضايا المحالة من محكمة تحقيق النزاهة والان المحكمة التي تنظر القضايا موجودة في محكمة استئناف الكرخ، ومن تدقيق فعالية هيئة النزاهة طيلة مدة تشكيلها نجدها هيئة او مفوضية؛ تكون فعالة حسب معطيات المشهد السياسي، وابتعدت عن المهنية المطلوبة،
ولم تكون منتجة في مكافحة الفساد حيث يتصدر العراق طيلة السنوات الماضية اسفل عشر دول فاسدة؛ وهذا خير دليل على عدم أهلية هذه الهيئة في محاربة الفساد، وقد ارهقت الدولة بكثرة مفاصلها الإدارية وعدد موظفيها ومفردات ميزانيتها العالية جدا؛ مع العلم ان القوانين ذات العلاقة والمحاكم العراقية تحقق محاربة الفساد بفعالية لو اخذت دورها الحقيقي ومعها الادعاء العام الذي كان من الموجبات ان يكون هو المتصدي الرئيسي في محاربة الفساد، وعودا لعنوان مقالنا، كان رئيس الوزراء حيدر العبادي في 11/8/2015 قد ذكر في بيان "وجهنا هيئة النزاهة برفع أسماء المتهمين بقضايا تتعلق بسرقة المال العام والتجاوز على ممتلكات الدولة والشعب لمنعهم من السفر وإحالتهم الى القضاء"، وقال رئيس الهيئة بالوكالة حسن الياسري في بيان 14 آب، 2015"عممنا قوائم بأسماء المتهمين بقضايا الفساد على المطارات والمنافذ الحدودية لمنعهم من السفر"، وأكد الياسري:
"منع سفر المتهمين بقضايا فساد الذين مازالوا قيد التحقيق والذين صدرت بحقهم أحكام غيابية".
ومن قراءة التصريحين يتضح الاتي:
أولا: ان هيئة النزاهة ليس لها سلطة اصدار قرارات منع السفر وانما تعرض القضية على المحكمة المختصة بقضايا النزاهة والمحكمة لها السلطة التقديرية في اصدار منع السفر من عدمه.
ثانيا: ان قرار منع السفر ساري المفعول فقط بحق المقامة عليهم دعاوى جزائية وقضاياهم منظورة امام المحكمة ومنهم من صدر بحقه احكام غيابية.
ثالثا: ان المنع من السفر الذي يطلب السيد رئيس الوزراء اصداره بحق الذين عليهم اتهامات بالفساد؛ لم يتم اتخاذه لحد الان لان القضاء لم يباشر تحقيقاته معهم حتى يتم صدور امر منع بالسفر، ولان قضاياهم اما مركونة لدى لجنة النزاهة البرلمانية او المفتشين العمومين او مخفية لدى جهات أخرى والان سيتم تحريكها بسبب المظاهرات.
قرار منع السفر قرار قضائي وليس اداري:
ان حرية التنقل والسفر رواحا ومجيئا بما تشمل عليه من حق مغادرة البلاد هو حق لكل مواطن، وأيضا حقه في اختيار الجهة التي يقيم بها، وقد اعتبرها الدستور من عناصر الحرية الشخصية، فنصت المادة 44 الفقرة الأولى على حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه؛ ومنع السفر يعد من القيود المحضورة ويجب تقنين استخدامه؛ باعتباره خروجاً على المبدأ الدستوري الراسخ لحرية التنقل واستئناء عليه، فقد استلزم المشرع العراقي عدة شروط لاستصدار الأمر بمنع السفر لكونه إجراء من أخطر القيود التي يتعرض لها الشخص، وقد اكدت المادة 46 من الدستور العراقي، على انه لا يجوز تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه، وقد ورد النص عاما دون تمييز ومن ثم تنسحب أحكامه على جميع المخاطبين بالدستور دون تمييز تمشيا مع ما جاء في المواثيق الدولية ومنها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعراق صادق عليه بموجب القانون (193) لسنة 1970.
إن قرارات منع السفر تصدر من المحاكم الجزائية والمدنية المختصة في بعض القضايا الجزائية او المدنية، وله عدة اوصاف واعتبارات ومبررات، منها:
أولا: قرار منع السفر مرتبط بالتحقيقات التي تجريها المحكمة الجزائية المختصة، ويعد عملا من أعمال التحقيق ذات الطبيعة القضائية، وبالتالي هو قرار قضائي، لاسيما أن القرارات والإجراءات التي تتخذها المحاكم الجزائية بحكم وظيفتها القضائية تعتبر من صميم الأعمال القضائية والمتعلقة بإجراءات التحقيق والاتهام مثل إجراءات القبض والتفتيش والتصرف في التحقيق إلى غير ذلك من الإجراءات والاختصاصات المخولة لها قانوناً.
ثانيا: قرار منع السفر من القرارات الجوازيه ويتخذ غالبا بعد صدور أوامر إلقاء القبض.
ثالثا: منع السفر اجراءا تحفظياً يتم إيقاعه لضمان مثول المتهم أمام المحكمة وتلجأ إليه عندما توجد خشية من مغادرة المتهم البلاد مع الاحتفاظ بنية عدم العودة، هروباً من الامتثال للقرارات القضائية.
رابعا: أن المنع من السفر يصدر كإجراء احترازي ووقائي لدعوى جنائية تارة، وقد يصدر لحماية دين أو حق مدني تارة أخرى (وله سند بالقانون).
خامسا: تعتبر المحاكم الجزائية في العراق قرارات منع السفر مغطاة بمبررات قانونية ولمصلحة التحقيق الجزائي او الجنائي الذي تجريه (حسب ما سار عليه القضاء العراقي) التي تتطلب إبقاء المتهم قريبا من السلطة التي تباشر التحقيق للمحافظة على أدلة الاتهام.
سادسا: قرار المنع من السفر هو صورة من صور الإجراءات الاحتياطية ضد المتهم تتخذها محكمة التحقيق المختصة لمصلحة التحقيق وهو أخيراً يخضع لتقديرها أي متى ما استلزمت ضرورة التحقيق ذلك، سواء بالحجز أو التوقيف أو منع السفر أو حجز الأموال.
سابعا: محاكم التحقيق تبرر اتخاذ قرار منع السفر كونه من وسائل الاجبار للحضور امام المحكمة المختصة وساعد في القبض على العديد من المطلوبين لا سيما المتورطين بملفات الفساد.
لذا فان قرار المنع من السفر يمليه المنطق القانوني، باعتباره قراراً قضائياً وليس إدارياً، ما دام صادراً من القاضي في نطاق وظيفته القضائية وبمناسبة التحقيق والاتهام، ولا علاقة لرئيس الوزراء او مجلس الوزراء او هيئة النزاهة بإصداره، الا في تنفيذه ولا يحق للسلطة التنفيذية الامتناع عن تنفيذه؛ لان الامتناع عن التنفيذ يضع الجهة الممتنعة تحت طائلة المادة 229 من قانون العقوبات العراقي.
ولا بد من الإشارة ان قرار منع السفر لا يجوز إصداره بصورة عشوائية؛ وقرار منع السفر قرار تعسفي ومخالف للدستور، فلا يوجد نص أعرفه يقرر هذا الحق بشكل واضح لمحاكم التحقيق، وقانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ المرقم 23 لعام 1971 وتعديلاته خلا من أي نص يسمح باتخاذ اجراء منع السفر؛ وان قرارات منع السفر في العراق يتم اتخاذها كعرف جرى عليه القضاء الجزائي كأجراء احترازي؛ وكأحد طرق اجبار المتهم للحضور امام الجهات التحقيقية، مع العلم ان منع السفر ليس من ضمن الإجراءات التحفظية التي يذكرها قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي في أي من نصوصه، ويعتبر عقوبة، لكن منع السفر لم يرد كعقوبة أصلية أو فرعية أو إضافية في قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لعام 1969 وتعديلاته، سواء أكانت الجريمة ذات صفة جنائية أم جنحية، ولم يرد كتدبير احترازي أو إصلاحي في القانون ذاته، ولا عقوبة الا بنص؛ ويتفاجأ الكثير من المواطنين عند توجهم للمطار بقصد السفر بصدور أوامر منع من السفر ضدهم، وتكون هذه الأوامر صادرة غالباً في غيبتهم وفي ظل عدم تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم.
وقد ورد اجراء منع السفر في قانون المرافعات المدنية وقانون التنفيذ وقانون الجوازات وبعض القوانين المالية كأجراء لاستحصال الديون خاصة الحكومية، وفي قانون الأحوال الشخصية كإجراء لمنع المرأة من السفر مع اطفالها بدون الاب.
وأخيرا: نحي قناة البغدادية في تصديها لملف الفساد، وسأناقش في مقالة لاحقة ان سمحت الظروف بان إجراء منع السفر فاقد لسنده الدستوري والقانوني، وعدم وجود تنظيم تشريعي لاختصاص بمنع السفر لمصلحة التحقيق.
1434 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع