نـــزار ملاخـا
لكل إنسان مناسبات فيها الأفراح والمسرات (راجين من الله أن يديمها عليكم ) وفيها المحزنة ( أبعدكم الله عنها وابعدها عنكم ) وهذا الأسبوع كان أسبوعاً مثالياً بالنسبة لي تصادف فيه أكثر من مناسبة مفرحة.
قبل خمسة وستون عاماً وفي مثل هذه الأيام ولدتُ أي في العام 1950 وبهذا أكملتُ اليوم الخامسة والستين من العمر، وفي تقليدنا أنه يتم الإحتفال بعيد الميلاد الخامس والستون، وكانت مناسبة مفرحة فيها جانبين، الجانب الأول هو الإحتفال بالعمر المديد وإستذكار المسيرة العمرية الماضية بأحداثها المحزنة والمفرحة، واستذكار المواقف الطريفة والمواقف الصعبة والتي أصبحت جميعها في باب الذكريات، كما تم إستذكار التجارب القاسية والمريرة والتي زادتني خبرة وقمتُ بقصّها على أولادي لتكون لهم عبرة وخطوط عريضة يعرفون من خلالها كيف يدخلون معترك الحياة ويستنبطون منها الدروس والعِبَر في كيفية إجتياز المواقف الصعبة التي ستصادفهم ( أبعدهم الله عنها ) في مسيرة حياتهم اليومية، وكيف يتعاملون معها ويجدون أو الحلول لما يصعب منها، والجانب الثاني هو أن هذه المسيرة العمرية بدأت بالعد التنازي من مسيرة الحياة، فما مضى كان كثيراً ولم يبقَ سوى القليل من سنين العمر حسب ما يقدره الله عز وجل، كذلك فإن هذه الماكنة البشرية بدأت تضعف قليلاً قليلاً، فالسمع لم يعد بحالته الشبابية، والعينان أجريت لهما العمليات اللازمة لتقوية النظر ، أما الأرجل فلم يعد بإستطاعتها حمل ذلك الجسم الذي حملته طوال السنين الخمس والستون الماضية فبدأت تتعب لذا يتوجب الإستراحة في كل مسير عدة مئات من الأمتار، أما الشعر فحدث ولا حرج، والحمد لله أن الأسنان ما زالت تقاوم تعريات الزمن وصعوباته، ولكن السُكّر والكوليسترول والضغط وجدا لهم موطئ قدم في هذا الجسد، المهم الحمد لله على كل النِعَم التي منحنا إيّاها ووهبنا هذه المواهب.
وبمناسبة إكمالي هذه المسيرة العمرية الطويلة أشعرتني بلدية المنطقة بأنني ( شايب) وذلك من خلال قرارها بإحالتي على التقاعد وذلك لبلوغي السن القانونية الإعتيادية، فكانت المناسبة الثانية المفرحة بعد إستذكار عيد الميلاد هي الحصول على التقاعد وهذا يعني بأنه لم يعد هناك متابعة لي من خلال البلدية وتمت إحالة أوراقي إلى قسم التقاعد الذي بدوره سيمنحني بعض الإمتيازات في سعر الدواء وفي بطاقات السفر على القطارات ولربما الطائرات والباصات، كما أن هناك إمتيازات متعددة أخرى للمتقاعدين في هذه البلدان، المناسبة المفرحة الثالثة هي في مثل هذه الأيام وتحديداً في عام 1978 أقترنت بزوجتي العزيزة الغالية بشرى حنا أبونا رفيقة دربي وشريكة حياتي " لزگة جونسون هههههههههههه " وأثمر هذا الزواج عن ورود عطرة وزهور يانعة الكبير نبراس متزوج وله ولد وبنت والأصغر منه فادي يعمل في السويد ويليه سرمد طالب جامعي في كلية الهندسة في الدنمارك ثم آخر العنقود ريتا وهي في السنة الثانية من دراستها الجامعية في جامعة أولبورگـ في الدنمارك، وفي هذه الأيام وتحديداً في الرابع والعشرين من هذا الشهر تصادف ذكرى زواجنا السابع والثلاثون ونحن نحتفل بها جميعاً وزوجتي تطبق المثل الشعبي القائل " من ها الدكّة ماكو فكّة " يعني " أمْچَلْبَه ابْياخْتي ههههههههههههههه" لقد رافقتني هذه العزيزة الغالية وشاركتني في كل مفاصل حياتنا بمختلف مراحلها، كما كان لها الفضل الكبير في تهيئة الأجواء المناسبة لإكمال دراستي الجامعية والحصول على شهادة الماجستير بدرجة إمتياز، واليوم أنا في مرحلة التحضير لإطروحة الدكتوراه وما زالت مستمرة في عطائها لي في توفير الأجواء المناسبة لإكمال دراستي، والحدث الرابع المفرح هو حصولي على شهادة الماجستير، هذه الأحداث الأربعة التي تزامنت وتتزامن مع بلوغي الخامسة والستين من العمر حفّزت ولدي العزيز فادي بأن يستغلها ويقدم لنا هدية متواضعة هو قراره بحجز فندق في المانيا – برلين لمدة أربعة أيام، لقضاء فترة من الراحة والإستجمام هناك بعيداً عن ضوضاء الكومبيوتر وعما تسببه من شد أعصاب وتوتر، لذا كنتُ بعيداً عن الرد على رسائل الإخوة أو المشاركة في ردود أو كتابة بعض المقالات والمواضيع، أثناء وجودنا في برلين زرنا الكثير من المواقع الأثرية منها جدار برلين ونقطة السيطرة بين برلين الشرقية وبرلين الغربية والأهم من كل ذلك هو زيارتنا لمتحف برلين ومشاهدتنا لآثار بلدنا العزيز الغالي العراق وتراثنا التاريخي بما فيه الحضارتين التاريخيتين الكلدانية والآشورية كما شاهدنا جناحاً لروائع الفن الإسلامي العراقي والعربي،
خلال تجوالنا في قسم الآثار ترافق وجود بعض العوائل العراقية الصديقة هي الأخرى كانت في زيارة للمتحف، أستذكرنا تاريخنا كما أستذكرنا حياتنا الماضية في العراق ومقارنة بسيطة بين عراق الأمس وعراق اليوم فهاجت الذكريات وماجت، وقطع سلسلة الذكريات تلك الكم البشري من زوار المتحف من مختلف الأجناس والقوميات والشعوب، ولما كنتُ أشرح لولدي وزوجتي زقورة اور ومسلة حمورابي وغيرها من الآثار رايتُ الدموع تترقرق في عيني زوجتي ، ولما سالتها تقطعت في الحديث وخنقتها العبرة عما شاهدناه من تاريخ تمكن الأجانب من أن يحفظوه في الوقت التي كانت معاول البعض من أبناء العراق العُصاة تساعد معاول الغرباء لتقضي على ما تبقى من تلك الآثار التي كانت بين ايدينا وعلى اراضينا، آثارنا الحقيقية التي شاهدناها في صغرنا عندما كنا نرتقي ظهر أسد بابل أو نأخذ صوراً تذكارية لباب شمش في نينوى أو الثور المجنح الحقيقي، فإن الأجانب اليوم لا يسمحون لك بالتقرب من النماذج غير الحقيقية لتلك الآثار، وبعد أن كنا نزورها متى شئنا وبدون أي مقابل فاليوم تدفع المبالغ لكي تدخل وتزور تلك الآثار، لذلك حفاظاً على مشاعر زوجتي قطعنا الزيارة وبقينا نعيش تلك اللحظات إلى ما بعد فترة العشاء.
المهم في ذلك أن الأسبوع المبارك المفرح نتمناه للجميع وعسى أن تكون كل ايامكم أفراحاً وأن يمن الله عز وجل على العراق العزيز الغالي بالأمن والأمان والخير واليُمن والبركة وعلى شعب العراق العظيم بالخير والموفقية وأن تتم المصالحة العامة بين جميع أطياف الشعب ليعودوا كما كانوا
وما التوفيق إلا من عند الله .
نزار ملاخا في 21-08-2015
1272 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع