مسؤولية رئيس الجمهورية في الإصلاحات ورسالة قناة البغدادية

                                          

                         د.عبدالقادر القيسي

كنت قد عقدت العزم على كتابة هذا المقال قبل سبعة أيام؛ لكن الارتباطات واعتلال الصحة منعني من ذلك، لكن ما ان سمعت رسالة البغدادية وبعدها خطاب السيد رئيس الجمهورية، تلك الوقائع حفزتني لان أكمل مقالي هذا، وأقول:

حذر آية الله علي السيستاني في 20/8/2015 من خطر “تقسيم” العراق ما لم تمضي حكومة حيدر العبادي في تنفيذ “إصلاح حقيقي” لمكافحة الفساد، وإصلاح القضاء وذلك في رد على اسئلة لوكالة فرانس برس.
رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن بالنص الدستوري ويجسدها بتمثيله لكافة المكونات الأساسية للشعب، وهو الذي أقسم اليمين دون غيره من المسؤولين على سلامة الوطن وتطبيق أحكام الدستور، والمحافظة على استقلال العراق ووحدته وسلامة أراضيه ويحرص على ضمان السيادة والكرامة والوحدة والسلامة وفقا لما يمليه عليه الدستور وتستوجبه القوانين وموجبات الشعب.
فعلى رئيس الجمهورية بموجب تحذيرات المراجع الكرام؛ ان يهب وينتفض لأجل المحافظة على البلاد من خطر التقسيم، ومن تدقيق خطاب السيد رئيس الجمهورية في 26/8/2015 لم نجده الا تأملات وتوصيات وارشادات، لم ترقى الى مستوى الالزمات، وبإمكان أي مسؤول بسيط ان يطلقها، خصوصا ان الامر تعدى الان محاربة الفساد، وأصبح العراق في خطورة بالغة بعد تحذير المرجعية ويرافق ذلك هناك خطورة بالوضع الاقتصادي، لاسيما ان برميل النفط في هبوط حاد وإذا وصل سعر البرميل الى دون 45 دولار فان الإيرادات لا تكفي لسد الرواتب، وبالتالي سنكون امام خطر داعش لان الميزانية العراقية ستصبح غير قادرة على تغطية نفقات الحرب.  
ان ما يحـــدث من تطورات وأحداث متسارعة في العراق يدعو للتساؤل عن ســــر عدم فعالية رئاسة الجمهورية عموما وتحديدا الرئيس العراقي عن تفاعلات واحداث المشهد العراقي؟
ونحن نرى بحكم معايشتنا الميدانية في رئاسة الجمهورية لأكثر من ست سنوات، ان مسؤولية رئيس الجمهورية فيها صعوبة، عندما يقوم بالمسؤوليات التي حمله اياها الدستور في دولة تتنازعها قوى سياسية متفلته من الدستور والقوانين ومرتبطة بقوى اقليمية ودولية متصارعة؟
والصراع السياسي على السلطة خارج الضوابط التي نص عليها الدستور والروحية التي انطوى عليها، أوصل الدولة الى ما هي عليه، لكن يبقى رئيس جمهورية العراق مرجعية دستورية وسياسية لها من الصلاحيات ما يمكنها عند الضرورة من اخراج العراق والمؤسسات الدستورية من الازمات والمآزق التي تعاني منها بفعل الصراعات السياسية، وذلك من اجل مصلحة الوطن والمواطنين جميعا.
منذ احتلال داعش للموصل والرمادي وصلاح الدين وما جاورها وما تلاه من هروب وانسحاب مشين لقوات الجيش العراقي، لم يصدر عن الرئيس العراقي تصريح أو موقف مهما كان شكليّا إزاء ما حدث، وما تشهده الان الساحة العراقية من مظاهرات واعتصامات، لم نلمس موقف حقيقي من الرئيس يؤكد ملامسته لمظاهرات الشعب العراقي، صحيح أن الدستور العراقي جعل مهام الرئيس العراقي شرفية ومحددة في بعض الصلاحيات؛ الا أن هذا الدستور ومع كل ثغراته ونقائصه لم يفرض على العراقيين القبول برئيس غير حاضر وليس له فعالية تجاه ما يحدث بالبلاد من فساد وما يتهدد الدولة العراقية من خطر التقسيم، وحرب داعش.
ان رئيس العراق يعد صمام الأمان، لذا كان من المفترض ان يكون له موقف منذ بداية التظاهرات متفقا ومتناسقا وخادما لمطالب المتظاهرين، وان يطرح مبادرة او خطة استراتيجية حقيقية لإصلاح المؤسسات الإدارية والقضائية لا ان يتأمل، أن المناصب ليست تشريفا أو مفاخرة وأن منصب رئيس الجمهورية يرتبط بسيادة ومصداقية وصورة بلد وشعب في العالم، وهو الرئيس الإداري الأول (رئيس دولة العراق)، وهناك ضرورة ان يكون له موقف عندما حذرت المرجعية من خطر التقسيم الذي قد يتعرض له العراق، ولا نريد ان تكون المواقف ممزوجة بالصبغات السياسية التي أدت ان تقف رئاسة الجمهورية موقف المتفرج من المتظاهرين في سنة 2013 ولم يكن لها موقف تلزم به الحكومة على تنفيذ مطالب المتظاهرين، ولو كان لها موقف حقيقي مسؤول عن المتظاهرين السابقين الذين ثاروا من الظلم والتعسف والمتظاهرين الحاليين الذين تظاهروا نتيجة الفساد والفساد هو الذي يولد الظلم، فلو كان هناك موقف في الاستجابة لطلبات المتظاهرين السابقين لما وصل العراق الى ما وصل اليه الان.
وفي ضوء ما يحصل الان من تطورات عاصفة على صعيد التحركات الاحتجاجية الشعبية العارمة، التي تطرح نفسها كممثله لشرعية الشعب، وحتى يتمكن رئيس الجمهورية من ممارسة هذه المسؤولية (على جسامتها) نرى ضرورة تدخله؛ إذا ما تهددت وحدة البلاد، أو تهدد أمنها بحرب كحرب داعش أو إذا لم تستطع الحكومة السيطرة على الأوضاع العامة في البلاد، وإدارة شؤون الحكم بطريقة توقف فيها المظالم والمفاسد نقول حتى يمكن لرئيس الجمهورية وضع حد للانهيار الوطني، خاصة اننا امام إجراءات ترقيعيه تخديريه لا ترتقي الى مستوى التغيير الجذري، كالتي طرحها الدكتور العبادي، الذي لا زال يتحرك في نفس مسالك ودهاليز السلطات الفاسدة، ويكتسب منها شرعية زائفة لا تناسب رجل التغيير المنشود المفعم ثقة بالنفس وبالشعب الذي يمنحه ثقة وتخويل، دون ان يجرء الى النزول الى الشارع ليلتحم بمطالب الجموع المنتفضة ويكتسب منها المصداقية والمشروعية، ولكي يبقى رئيس الجمهورية المرجعية الوطنية، عليه ان يلتقي المتظاهرين في ساحات التظاهر، وان يقدم ورقته الإصلاحية الشاملة وفق رؤية رئاسة الجمهورية، وللتذكير هناك ورقة قدمتها(كاتب المقال) في سنة 2008 او 2009عن اصلاح القضاء وتطويره من 40 صفحة في مؤتمر بروكسل يتعلق بالقضاء وتطويره لدى زيارة احد نواب رئيس الجمهورية لبروكسل، وهي ورقة جيدة بالإمكان الاستفادة منها وتكون جزء من الورقة الاصلاحية ويعلم بها السيد رئيس الدائرة القانونية الحالي لديوان رئاسة الجمهورية ولديه نسخة (لكنه لم ولن يكن فعالا الا في الموضوع الذي يحقق مصالحه ومصالح أبناء عشيرته المقربين وهذا ديدنه دائما).
ووفق المادة 67 من الدستور العراقي فان رئيس جمهورية العراق هو أعلى منصب إداري في الهيكل الحكومي للدولة العراقية ويمارس السلطة السامية في الحدود المثبتة في الدستور.
وتقوم وتتسم العلاقة بين رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء بالانسجام والتكامل على رأس بلد في حجم بلاد الرافدين وموقعه الاستراتيجي، ويتحدد دور رئيس الجمهورية بالصلاحيات المنوطة به في الدستور.
ووفق هذا الاساس فان رئيس الجمهورية يتشارك في تكوين هيكل السلطة التنفيذية، وهو بهذا يكون جزءا اساسيا منها المادة(66من الدستور)، وهناك من ينتقد تلازم رئيس الجمهورية مع مجلس الوزراء، باعتبار ان الرئيس يشكل وحدة رمزية رفيعة لا تنسجم مع مهام السلطة التنفيذية، الا ان الدستور العراقي منح رئيس الجمهورية صلاحيات ومهام لا تشكل مهاما رمزية فقط، فقد أناط به مثلا، تكليف مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال 15يوم من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، ويقوم رئيس الجمهورية مقام رئيس الوزراء عند خلو المنصب لأي سبب كان.
الحقيقة ان الشكل العام للمواد 60/ اولاً و66 و73 / عاشراً و126/ اولاً، من الدستور النافذ، يمنح رئيس الجمهورية قيادة «السلطة التنفيذية» برمّتها، ويضعه موضع المساواة في هذا الجانب مع مجلس الوزراء كمؤسسة، ويفترض ان تخضع بكل منظوماتها الى التنسيق مع رئيس الجمهورية للتكفل بمهمة تقديم مشروعات القوانين الى البرلمان، واتخاذ القرارات الكبيرة مثل حل البرلمان او تعديل الدستور.
ان الدستور العراقي، ذهب دائماً باتجاه تدعيم سلطات رئيس الوزراء، والاخير ليس من مصلحته تقديم نصوص قانونية تقوض سلطته؛ إلا عبر رئيس الجمهورية، الذي في امكانه ان يستثمر معطيات الدستور لمصلحة اقتسام الصلاحيات مع مجلس الوزراء، لكن حصول ذلك سيعتمد بالدرجة الاساس على شخصية الرئيس وتوجهاته، ورغبته في ممارسة صراع سياسي طاحن لإعادة تعريف موقعه في الدولة.
إن القول بتجريد الدستور لرئيس الجمهورية من الاختصاصات التنفيذية، يتناقض مع الوصف الذي أسداه الدستور لرئيس الجمهورية في المادة 67منه، حيث نجد إن الدستور أوكل إلى رئيس الجمهورية أن يسهر على ضمان الالتزام بالدستور، ولكن لم يسند الدستور لرئيس الجمهورية أي اختصاص يمكنه من فرض الالتزام بالدستور، كما اسند الدستور في المادة 67 منه إلى رئيس الجمهورية اختصاص (المحافظة على استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه وفقا لإحكام الدستور)، ولكن عندما نفتش عن أحكام الدستور التي تمنح رئيس الجمهورية صلاحية اتخاذ التدابير اللازمة للقيام بهذه المهمة لا نجد سوى تقديم طلب مشترك مع رئيس مجلس الوزراء إلى مجلس النواب بالموافقة على إعلان الحرب، أما إدارة الحرب فان الدستور أوكلها حصرا لرئيس مجلس الوزراء دون الرجوع إلى رئيس الجمهورية في أي شان من شؤون الحرب.
ان الصلاحيات والسلطات المقررة لرئيس الجمهورية ليست بالقليلة وهي تفوق بكثير الصلاحيات والسلطات المقررة لرئيس الجمهورية في الانظمة الدستورية البرلمانية المماثلة للنظام الدستوري البرلماني العراقي.
نحن الان امام مفرق طرق وامام لحظات تاريخية لتغيير جذري جدي وشامل في مجمل مسارات حياة الشعب العراقي، وعليه تغدو الاصلاحات الاخيرة عملية عقيمه ومضيعة للوقت، بل تعني المراوحة والانكفاء باتجاه الانكسار على طريقة الترقيعات والحلول الجزئية لامتصاص النقمة او ذر الرماد في العيون، بل يجب ان تكون لرئيس الدولة موقف يدفع الامور الى امام واستثمار الزخم الشعبي المتصاعد، باتجاه فرض المطالب الشعبية بسقفها العالي وبناء منظومة جديدة في تشكيل الحكومات على اساس الهوية الوطنية المخلصة الحقة بتنوعاتها المهنية والكفاءات التكنوقراطية.
ان رئيس الجمهورية وهو بصدد الدفاع عن الدّستور، عليه حماية الحرّيات والحقوق الأساسية للإنسان والمواطن، وان يسعى جاهدا في سبيل تحقيق المثل العليا للعدالة والحرّية والسّلم في العالم.
لذا فإن إحدى المهمات التي يضطلع بها رئيس الدولة، بِاسمِ الدفاع المشروع عن المواطنين، هي محاسبة الفاسدين والمجرمين وعصاةَ القانونَ والمسيئين إلى النظام العام ومحاكمتُهم وإدانتُهم، من خلال اصلاح المؤسسة القضائية.
ان غياب الفاعلية الإجرائية لرئيس الجمهورية، يجب ان يعوضه رئيس الجمهورية الحالي كما عوضه السيد الطالباني، حيث في مناسبات مختلفة لعب دور الراعي للتوافق السياسي بين الاطراف، معتمداً على ثقله السياسي الشخصي او الحزبي، اكثر من اعتماده على صلاحيات المنصب نفسه.


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1152 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع