د. منار الشوربجي
عشية التصويت الذي سيجريه الكونجرس بخصوص الاتفاق الدولى المبرم مع إيران يتغير الموقف باستمرار فى واشنطن. ولكنه تغير يدور حول ثابت رئيسى هو الحسابات الرقمية اللازمة لنجاح استخدام الإجراءات والحيل التشريعية المتاحة لكل فريق ضد الآخر.
وعمليات الضغط السياسى المحموم التى تمارسها الأطراف المختلفة هي في جوهرها من أجل تجميع أصوات الأعضاء لهزيمة الاتفاق أو الموافقة عليه.
والضغط السياسى عادة يمارسه الكل تجاه الكل في واشنطن ولا يستثني من ذلك المؤسسة التنفيذية بل والرئيس نفسه. فهي لم تكن مصادفة أن ينهي أوباما خطابه الذي خصصه للموضوع في بداية أغسطس الماضي بعبارة ذات دلالة بالغة. فهو بعد أن قدم كل دفاعه عن الاتفاق، قال للمواطنين الأميركيين «اتصلوا بممثليكم في الكونجرس» من أجل إقناعهم.
فأوباما استخدم هنا تكتيكاً اصطلح على تسميته «الخروج للعلن»، يستخدمه الرؤساء الأميركيون فى حالة معارضة الكونجرس. لكن أوباما ذهب خطوة أبعد وهي أنه كان صريحاً للغاية في نهاية خطابه حين طالب الناخبين علنا بالاتصال بممثليهم في الكونجرس لدفعهم لدعمه.
وضغوط الرئيس تتزامن مع ضغوط شديدة في الاتجاه المعاكس. فهناك حملة ضخمة تتكلف الملايين تقودها «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية»، المعروفة اختصاراً «بإيباك»، ومعها عدد ليس بقليل من المنظمات اليهودية والأصولية المسيحية فضلاً عن بعض مراكز الفكر المحافظة.
وهي تسعى للضغط على أعضاء الكونجرس الديمقراطيين، تحديداً، لمنعهم من تأييد الرئيس الذي ينتمي لحزبهم نفسه. وتستغل تلك الحملة أن الانتخابات التشريعية المزمع عقدها في نوفمبر 2016 قد بدأت فعليا في أميركا على الأقل من حيث بحث أعضاء الكونجرس الديمقراطيين عن التمويل اللازم لحملاتهم الانتخابية خصوصاً في الولايات التى لا يحظى فيها أوباما بشعبية.
لكن على الجانب الآخر يوجد عدد لا بأس به من الشخصيات اليهودية المعروفة والتى لا يوجد شك في مناصرتها لإسرائيل صرحت علنا بتأييدها للاتفاق. ولتلك المواقف المعلنة أهميتها لأنها تمثل الغطاء السياسى اللازم لمن يريد أن يقف ضد لوبي نافذ مثل إيباك.
لكن القضية الرئيسية في كل ذلك هي الحسابات الرقمية. فالجمهوريون الذين يشغلون مقاعد الأغلبية فى المجلسين، والمعارضون للاتفاق يملكون الأصوات لإصدار القرار المشترك برفضه. وهم يسعون لاستخدام حيل تشريعية، بالذات في مجلس الشيوخ، الذي يسمح بإضافة تعديلات للقرار لا علاقة لها بموضوعه يعرفون أن الديمقراطيين لن يقبلوها، لإجبارهم على رفض القرار ومن ثم الاتفاق.
لذلك فالقضية ليست في إصدار قرار برفض الاتفاق، ولا حتى في استخدام أوباما لحق الفيتو، وإنما المعركة الرئيسية تدور حول إمكانية امتلاك خصوم الاتفاق الأصوات اللازمة لإلغاء فيتو الرئيس. فالدستور الأميركى يعطي للكونجرس الحق في إلغاء فيتو الرئيس في حالة ما إذا قام بالتصويت مرة ثانية، بعد استخدام الفيتو الرئاسي، على الموضوع نفسه ولكن بأغلبية الثلثين في كل من المجلسين.
بعبارة أخرى، فإن الحملات الدعائية والإعلامية المكثفة تتركز في الحقيقة على الوصول لذلك الرقم أو الحيلولة دون الوصول له. فالمطلوب أن يوافق 67% من أعضاء كل من المجلسين على إلغاء الفيتو، الأمر الذي يعني أن كل الملايين موجهة للضغط على عدد محدود من الأعضاء يتم اختيارهم بعناية.
لكن المفارقة أن تلك ليست الحيلة التشريعية الوحيدة. فقد اتضح أن الديمقراطيين المؤيدين للاتفاق يسعون هم أيضاً لاستخدام قواعد مجلس الشيوخ لأنها تمنح امتيازات للأقلية العددية بالمقارنة بمجلس النواب، للحيلولة دون التصويت على القرار من الأساس! ولا يمكن ردعهم إلا إذا امتلك خصومهم ستين من أصل مائة صوت لإلغاء ذلك الإجراء.
ولأن المطلوب في هذه الحالة موافقة ستين عضواً لا سبعة وستين، يصبح عدد المطلوب تطويعهم من أعضاء الكونجرس من جانب الأطراف الضاغطة أقل من تلك اللازمة لإلغاء الفيتو الرئاسي!
1332 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع