حالة التظاهرفى عالمنا المنكسر حضاريا يتطلب بناء رؤيةجديدة

                                                    

                                     فلاح ميرزا

كثرت فى الاونة الاخيرة اصوات من لهم شأن بما يجرى فى العراق ومن ليس لهم شان بذلك وكل يطرب على ليلاه فكل من هولاء يريد ان تكون اللقمة الدسمة فى مائدته اليه فلم يتمكن اى احد منهم ان يوضح ماهو المطلوب من فورة الشعب واغشى ان تكون مثل فورة جدر(قدر) الطعام سرعان ما تخفت والا بماذا يمكننا وصف ماجرى ويجرى؟ 

فالعالم شهد نفس الظواهر وسقطت خلالها عروش ودكتاتوريات وانظمة استبدادية تحت غطاء الديمقراطية كالذى جرى فى ايران والاتحاد السوفيتى واوروبا الاشراكية فى نهاية القرن الماضى وفى منطقة الشرق الاوسط  فى العقد الاول من القرن الحالى (مصر وليبيا وتونس واليمن) فالامور تزداد سوء يوم بعد يوم وكأن الموضوع بات ان يكون فلما سينمائيا لانهاية له ولكن المعروف ان لكل فلم قصة لها منتصر فى النهاية ولذلك فان المنتصر فى الفلم العراقى هو صاحب العصابة الذى يقتل ويسرق ويشرد ويفسد فى الارض وتلك حالة استثنائية يجعل ممن حضر الفلم غاضبا ولا يقبل الحديث عنه و مشاهدته مرة ثانيا فالفلم العراقى لابطل فيه لا طرزان ولا جميس بوند ؟
يشوب المشهد السياسى العراقى حاليا الكثير من الاضطراب والغموض والتوتر فى العلاقات بين الحكومة والكتل السياسية والمرجعية وايضا بينها والاكراد وتلك امور لم تاتى وكانها مفاجئة بل انها عبارة عن تراكمات موروثة من الحكومة السابقة التى وضعت حالة العراق بهذه الصورةمتجاهلة بان العراق لايزال موضوعه يقع اهتمامات الولايات  المتحدة وايران وهو لايزال يؤتمر عن طريقهما ويراقب بدقة لما يجرى فى مكوناته السياسية والحكومية وكل منهما يبدون المشورة والنصيحة للحكومة عن طريق التصريحات او من خلال المبعوثين التى ترسلهم مباشرة باستثناء ان الادارة الامريكية تبدى تحفظاتها على تدخلات ايران فى الشان العراقى وتحذرها عن اى تصرف تقوم به خارج حدود المسموح لها به وطبيعيا الكل اصبح على علم بان رئيس الحكومة  السابق  الذى بدء وكانه غاب عليه ما  يمليه عليه وضعا كهذا وعوضا ان يمسك العصا من الوسط ليتمكن من خلق التوازن بين مصالح الدولتين المتناقضين فى العقيدة والاسلوب( امريكا وايران ) وفى طريقة التعامل معهما الاولى تسعى الى اقامة نظام ديمقراطى وفقا لتعريفها بينما ترى ايران بان طريقها الى الهلال الشيعى يمر من خلال العراق لذلك ليس بالضرورة ان تتطابق الرؤيا  بين الاثنين بقدر تطابق مصالحها مع الفارق فى الوقت المسموح لهما فى بقاءهما فى بلد قد تمزقت كل مقوماته , المالية والاقتصادية والبشرية  وتلك ظاهرة لم يشهدها العراق لذلك فأن الادارة الامريكية قد بعثت اليه عدد من المبعوثين لتحذيره وتقديم النصيحة واحدهم كان قائد القوات المركزية الذى عرض عليه تقرير الاستخبارات الامريكية الذى اشار فيه الى  حالة الجيش العراقى وقال اننا  تركناه فى 2010  ولم يكون هكذا ويبدو انك تريد ان يكون العراق قرية بيد ايران  وعند هذا الموقف المفاجئ للمالكى  كان رد فعله شديدا فقد سلط جام غضبه على اهل السنة من سكان المحافظات الذين تظاهروا واعتصموا للمطالبة ببعض الحقوق ووصفهم بقوم يزيد ابن معاوية ورمى عليهم دم الشهيد الحسين عليه السلام سبط الرسول (ص)  وفى هذه الحالة فانه اجاد تمثيل المشهد الخطابى ولكن فاته ان الولايات المتحدة عندما قررت احتلال العراق فانها وضعت امامها خيارات متعددة وكان افضلها هو التخلص من النظام  الوطنى وصدام ليكون ذلك اشارة البدء فى  تنفيذ المخطط الواسع الذى وضعته للمنطقة واطلقت عليه الربيع العربي او بالاحرى الفوضى الخلاقة وليكون اشارة البدء فى ان يكون القرن الحالى قرنا امريكي بامتياز كما يروج ذلك الاعلام الامريكى وهو فى واقع الحال تغطية للمشاكل الاقتصادية والمالية التى يعانى منها النظا م الراسمالي هذا من جهة ومن الجهة الاخرى فان الادارة الامريكية وفى ضوء توسع الدائرة التجارية للصين وازدياد مديونتها لها واتساع الحاجة الى نفوط المنطقة والاكتشافات النفطية الهائلة فى سوريا والبحر الابيض المتوسط وكذلك الغاز ودخول روسيا طرف فيها ووضع النظام الايراني وسياسة التوازن التى ينادى بها بين الطائفتين السنية والشيعية واشغال المنطقة فى صراع طائفى كما هو حال العراق واليمن وظهور مجموعات مسلحة تحت مسميات اسلامية  ,وفجأة تغير المنهج والبرنامج الذى وضع للمنطقة ولو جزئيا ليبدء العمل بالمرحلة الثانية التى قد تستمرسنوات اخرى فى ضوء الانتخابات الامريكية القادمة .
   انها الحرب الملعونة جاءت لتؤكد زيف القيم الغر بية والامريكية وعدم اتساقها , تلك الحرب  التى  اسقطت الى الابد  مايسمى بالديمقراطية الغربية وحقوق الانسان وهي  طريقة استخدمها اصحاب الصناعة العسكرىة التى تحكم الغرب منذ عدة قرون  لذلك فقد سقط الرهان على الديمقراطية الامريكية والقيم الغربية ولكن بقى منطق الترويع والتخويف الذى تلوح به بين الحين والاخر ولكنه سقط ايضا مع كل يوم مر عليها  وخصوصا بعد احداث مصروفشل مشروعها فى اقامة الدولة الاسلامية فى سيناء  لذلك وجدت نفسها مضطرة الى تغيراتجاهاتها نحو القضايا المضطربة فى العالم ( كوبا , البرنامج النووى الايرانى وسوريا والعراق ) واشارت بالقول  علنيا ان ندرك اذا تمكننا من ادراك خطواطنا مستقبلا  بدقة ووضوح يكون افضل لان الواقع اصبح يفرض علينا الرجوع الى تبنى نظرية جديدة حتى يمكننا انقاذ مايمكن انقاذه وذلك بالتوافق مع الديمقراطية المتكاملة التى ومن خلالها اقامة واقع متجدد يضمن فيه الانسان نوعا من كرامته ووجوده كانسان فالفرصة مازالت امام النخب السياسية من يدركهم الربيع العربي المتجدد لواقع الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فى عالمنا المنكسر حضاريا وهذا التحول الاساسى للخروج من اطار المشاريع الايدلوجية الى المشاريع الجيوسياسية, انه مفهوم واسع وله مقدماته النظرية ومقولاته المختلفة التى لاتعنينا كثيراالان لان الرؤى الايدلوجية هي التى كرست مجموعة من الاشكاليات المستعصية والاخطاء المنهجية التى تمثلت فى مجموعة من الثنائيات  فى الوعى العربي ان الاداء الجماهرى للناس في معظم دول العربية كان قادرا على تجاوز محددات الايدلوجيات فالناس عبروا عن انفسهم مضطهدين وكانوا عروبيين من دون ايدلوجيا قومية وكانوا مدينيين دون ان يكونوا لبيراليين لذلك فان الشروع اليوم فى بناء مشروع عربي يتطلب قبل كل شئ, تحولا فى تفكير الادارة الامريكية كما وان بناء مشروع جيوسياسى عربي يتطلب قبل كل شئ الكف عن محاولات  تغيير بنية المجتمع الحالى وهويته ودراسة هذه الجينة والهوية كمعطى تاريخي حضاري منجز غير قابل للتحول او التبديل فى المدى السياسى المنظور وان ذلك يتطلب دراسة وتحديد مكوناته, السياسية والاقتصادية والاجتماعية  ومكونات الهوية ومعطيات الجغرافيا وضرورات المرحلة التاريخية ومزجها ليقديم مشروع سياسى عربي يخرج بالامة نحو مستقبلها ا, وعلى الرغم من تراجع الايدلوجيا القومية التقليدية لمستقبل المنطقة والانتشار الافقى للتيار الاسلامي الذى ينمو فى ظل واقع الاشتباك المباشر والميداني فان هذا التيار لم يتقدم على مستوى انتاج الرؤى والتصورات والمشاريع السياسية ان استمرار الحركات الاسلامية وفاعليتها وبروزها وذلك مرتبط اشد الارتباط بحقيقة ان المجتمع العربي هومجتمع مسلم ويتفاعل مع الاسلام والخطاب الاسلامى ولكن هذا التفاعل ليس غطاء ولا مبرر لفقدان هذا التيار الرؤية الجيوسياسية وعدم القدرة على تحقيق هذه الرؤية فى الواقع وبسبب عدم القدرة فى صنع مستقبل المنطقة لعدم امكانية فك الارتباط المتكلف بينه وبين الدين .  ان النظرة السريعة الى العالم الذى يحيط بنا يشير الى توجهه الى بناء كتل سياسية واقتصادية كبيرة لضمان حضورها فى الساحة الدولية وان النظرة الى الوطن الذى نعيش فيه يشير الى تبلور قوى جيوسياسية وحالة التصدع بين العروبة والاسلام  سيما وان حركة التغير حركة متجددة تتاثر بطبيعة الاشياء التى تحدث فى المجتمعات التى فى واقعها تتفاعل مع نوازع الضمير الذى يعبر عن نفسه فى ارقى المفاهيم اصلاحا للانسان والمجتمعات من خلال الدين ومايتحسس به الدعاة الاحرار الذين جعلوا رسالتهم الدينية هى خدمة للبشرية بالواسائل الاخلاقية والحضارية وليس بالوسائل الاخرى الغير مقبولة اجتماعيا وانسانيا  لقد برز فى العالم العربى بيئة طائفية  وفرص للفساد غير مرتبطة بشخص معين بل بجماعة وشريحة كالحزب والعائلة او الطائفة ولم تتم مساءلة او محاسبة المسؤلين عنها بسبب ضعف السلطة التشريعية والقضائية ومؤسسات المجتمع المدنى ومع مرور الوقت لم تعد حالات ظاهرة عابرة او مرتبطة بحدث معين ولكنها اصبحت ظاهرة مرتبطة برموز النظام واعوانه المقربين منه وخاصة ان النظام لم يستخدم الوسائل النزيهة فى الانتخابات اى لم تكن هناك ديمقراطية حقيقية تؤدى الى تغيير الحاكم لسنوات طويلة الامر الذى ادى الى استقرار هذه النظم بغض النظر عن الطريقة التى جاءت به الى السلطة (انقلاب او انتخابات) لذلك كانت عملية احتواء لاعضاء البرلمان خطوة مهمة على طريق سن القوانين التى تحافظ على هذه الانظمة لهذا فالفساد السياسى يشكل تهديدا للحرية وللديمقراطية والقانون وخصوصا فى البلدان النامية التى تمر بمرحلة انتقالية كحالة العراق وبلدان عربية غيره اضافة الى النتائج المدمرة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى استهدفها  النظام التسلطى الفاسد التى يتحكم فيه , ان الحراك الوطنى العراقى  الذى مازال يهدف الى صياغة عقد جديد ينبغى توثيقه دستوريا باجماع عام والا ستكون نسخة عن ما قبله وهو يتطلب تظافر الجهود ولا سيما من قبل المفكرين والخبراء لتقديم تشخيص واقعى للفساد السياسى واعتماد هذا التشخيص فى عملية صياغة مواد العقد الاجتماعي الجديد يتضمن مفاهيم النزاهة ومبادئ الشفافية ونظم المساءلة الامر الذى يساعد على بناء نظام وطنى للنزاهة ويسهل الاجراات والقواعد لمكافحة الفساد بشكل عام والفساد السياسى بشكل خاص


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

779 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع