زينب حفني
توقّفتُ عند عبارة كتبها الناقد المغربي المعروف محمد معتصم على صفحته بـ«فيسبوك»، يقول فيها: «عندما أُعلن عن وفاة المفكّر المصري طه حسين، كان عمري إحدى عشرة سنة، وما استغربه هو الحزن الشديد الذي انتابني، وكيف شاع الخبر كالنار في الهشيم، وكان الحدث كالزلزال.
اليوم، للأسف، أصبح الأديب حيّاً لعنة، ووفاته راحة للجميع.. إيه يا زمان!». معتصم لم يُجاف الحقيقة! وكلماته تغمز على الكثير من الأوضاع المخزية التي أصبحت شائعة في مجتمعاتنا العربيّة! لقد أصبح مألوفاً أن نقرأ عن خبر توقيف كاتب عن الكتابة، أو اعتقال أديب معروف بسبب تجاوزه الخطوط الحمراء الغير مسموح بها، أو إقالة رئيس تحرير بسبب إجازته لمقال جرئ لصحفي بجريدته! كأن من المسلم به على كل من يمسك قلماً أن يُطبّل لحكومة بلاده، وإن كان مسؤولوها متورطين في أعمال فساد وفاحت رائحتهم!
أحياناً أسأل نفسي وأنا الاحظ ما يجري في أروقتنا الثقافيّة من مظاهر مخزية! ما فائدة القلم إذا لم يخدم صاحبه مصالح أمّته ولم يكتب عن سلبيات مجتمعه؟ فمن الملاحظ اليوم أن الأقلام المنافقة التي تبحث عن منافعها الذاتيّة، وتُطبّل لأنظمة بلادها القمعيّة، وتقوم بترقيع أخطاء حكومتها، هي للأسف التي تحتل مكاناً بارزاً في مجتمعاتها! والأقلام النزيهة التي تحرص على فضح الأخطاء، وتُسلّط الضوء على زلاّت مسؤوليها، توارت غصباً في الظلال نتيجة محاربتها بشراسة في الخفاء!
المفكر طه حسين كان محظوظاً كونه عاش في عصر النهضة، حيث كان للأدباء والمفكرين العرب مكانة كبيرة، ودور رئيسي في تنوير مجتمعاتهم من خلال الإرث الأدبي والفكري الذي تركوه خلفهم، وكان الصغير قبل الكبير يجلّهم ويحترمهم لقاماتهم السامقة وأدوارهم الاصلاحيّة العظيمة. مع هذا أرى بأن المفكر طه حسين لو قّدّر له وعاش في عصرنا الحالي الموصوف بعصر التخلّف الحضاري والتراجع الفكري، لما وجدنا أيدٍ تُصفّق لإبداعاته! ولا رأينا حشوداً غفيرة تمشي خلف جنازته، بل قلّة من المثقفين ممن آمنوا بأفكاره وتمسكوا بها من بعده.
أغلبية حكوماتنا العربية لم تعد تبحث عن مثقفين حقيقيين كي تُسلمهم راية التنوير لترميم بنية مجتمعاتها المتصدعة! بل صارت تبحث عن متملقين ودخلاء فكر كي يُساهموا في تغييب عقول أبنائها، وتُملي عليهم ما ترغب في تمريره من قضايا وهميّة يشغلون الناس بها، كي لا يُطالبوا بحقوقهم ويظلوا غارقين في النوم!
ما الأسباب التي أدّت إلى تقهقر مجتمعاتنا فكريّاً واجتماعيّاً ودينيّاً! الكثيرون يعلمون في قرارة أنفسهم بأن من أهم الأسباب، محاربة معظم الحكومات العربيّة لأصحاب الأقلام النزيهة ورميها في السجون إن ظلّوا على مواقفهم منها، بل وتأديبهم بتلفيق التهم الباطلة لهم إنْ لزم الأمر، كي يتخلصوا من الصداع الذي يسببونه لها!
مع تواري الأقلام الداعية للتنوير وإعمال العقل، أصبحت الساحة خالية! وتصدّر مشايخ الدين المتشددين المشهد الاجتماعي برمّته، وتمَّ حشر الفتاوى في كل شؤون حياتنا الصغيرة منها والكبيرة، وصار الإنسان العربي يصحو من نومه على قائمة طويلة من الحلال والحرام، مما أدّى إلى تدجين عقله!
هل سنقرأ يوماً سورة الفاتحة على المفكرين والأدباء الحقيقيين؟ هل سيُصبح المثقف المستنير ندرة في مجتمعاتنا بالسنوات المقبلة؟ لا أعرف! ولكنني أؤمن بأن الشعوب مهما طال أمد صمتها إلا أن لها صحوة، متمنية أن لا يفوت الأوان وأن لا يطول أمد سباتها! تحية من القلب لكل صاحب قلم حر، لم ترتجف يده وهو يُجاهد من أجل مصلحة مجتمعه، فلولا هؤلاء لخمدت الأنفاس مع انتهاء عصور التنوير!
1043 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع