د.عبدالقادر القيسي
السلطة القضائية، اصدرت مؤخرا مجموعة من القرارات ترى انها اصلاحات، تتناسب مع المرحلة الجديدة التي اسست لها التظاهرات، وتلبي نداءات المرجعية التي دعت للإصلاح والمتظاهرين ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وغيرهم.
أما فيما يتعلق بالمطلب الاساس للمتظاهرين وهو تنحية رئيس مجلس القضاء الأعلى من مهامه، (فقد تم مناقشة هذا الموضوع عبر بوابة طلب الرئيس الاحالة الى التقاعد، وتم مناقشة الطلب والتصويت بالإجماع على رفض الطلب لأن المصلحة العامة والعدالة في هذه المرحلة تقتضي البقاء في مهامه رئيسا لمجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية) (كما ورد على لسان السلطة القضائية).
والسؤال الذي يرد في هذا المجال، أين مطالب المتظاهرين؟ هل هناك خلافات شخصية للمتظاهرين مع شخص رئيس السلطة القضائية؟ هل هناك مصلحة خاصة لهم برحيله عن المنصب؟
قبل فترة قرات تصريح لوزير الخارجية الأمريكي، بان السيد رئيس الوزراء وعده بإجراء إصلاحات مهمة في القضاء، والكل ينتظر هذه الإصلاحات، وعندما أعلنت السلطة القضائية اصلاحاتها نجدها إجراءات متواضعة لا تتعدى تدويرا للمناصب ومناقلات لصلاحيات وادارات، وحزمة القرارات التي صدرت، لا تعبّر عن اصلاح حقيقي داخل القضاء، فهي مجرد قرارات ادارية بنقل اشخاص من مكان لمكان آخر، أما القرارات الاخرى، فهي واجب وتكليف قانوني ودستوري، يفترض على القضاء القيام به، من دون عقد اجتماعات ولا بنية الاستجابة لمطالب المتظاهرين، لأن القانون نص على ضرورة مكافحة الفساد واتخاذ جميع الاجراءات المناسبة للحد منه في دوائر ومؤسسات الدولة، ودعا رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حيدر العبادي السلطة القضائية إلى القيام بسلسلة اجراءات جذرية لتأكيد هيبة القضاء واستقلاله وتمكينه من محاربة الفساد وتكريس مبدأ العدالة بين المواطنين، كما طلب معتمد المرجع الاعلى آية الله السيد علي السيستاني خلال خطبة الجمعة بشمول الجهاز القضائي بالإصلاحات وإعادة النظر بالقوانين التي فتحت الطريق للفساد، وشدد في جمعة اخرى على أنه لا يمكن للإصلاحات ان تتم دون اصلاح الملف القضائي الذي يسوده اليوم فساد كبير.
اننا ندعم السلطة القضائية ونقدر شخص رئاستها لغزارة علميته وتعلمنا منها الكثير، وعندما نكتب عن ضرورة احترام القضاء واستقلاليته عن المؤثرات الخارجية، واستعمال الفاظ مهذبة في نقدها، لا يعني اننا نؤيد اشخاصاً بعينهم، ذلك ان القضاء هو أكبر وأسمى من الأشخاص، وحسب علمنا لم يحدث بتاريخ العراق ولا بتاريخ الشرق الأوسط، أن يقوم شعب ثائر برفع صور (قاضي القضاة رئيس السلطة القضائية) مطالبا بإقصائه ومحاسبته، واتذكر، قبل ثمانية سنوات، هبت نقابة المحاميين الباكستانيين لتحدي اقوى نظام عسكرتاري في القاره الهندية من أجل رئيس المحكمة العليا الذي وقف مع العدالة وضد أوامر جنرالاته، أدى هذا الاعتراض الى ثورة شعبية ساندت النقابة وأدت الى سقوط كامل نظام الجنرال مشرف وللابد، ونفس الشيء في مصر العربية التي أسقط الشعب المصري أكبر حزب إسلامي على وجهة الأرض لأنه حاول التدخل في تعيين النائب العام المصري.
وهناك اسئلة وملاحظات ترد حول بعض القرارات التي اتخذتها السلطة القضائية مؤخراً، وتصريحات سياسيين. فمثلا: بعد المؤتمر الصحفي للنائب هيثم الجبوري، الذي اتهم فيه قضاة كبار بعرقلة المئات من الدعاوى بحق اصحاب مصارف في عمليات غسيل اموال، مقابل مبالغ مالية كبيرة، دفعت له على شكل عقارات في دول عربية واجنبية. هذا الاتهام الذي صدر من عضو في السلطة التشريعية، بحق عضو في السلطة القضائية، يجب الا يمر مرور الكرام، فعلى القضاء ان يحقق في تلك الاتهامات ويطلع الرأي العام عن مدى صحتها، وهل ان القاضي المتهم فاسد فعلا؟ أم بريء؟ وإذا كان فاسداً كما ادعى النائب، فما هي الاجراءات المتخذة بحقه وفقا للقانون؟ الاخبار تشير الى ان مجلس القضاء امر بنقل الدعاوى التي كانت تنظر من قبل القاضي المتهم من محكمة استئناف الرصافة الى محكمة استئناف الكرخ وبعدها تم إعطائه إجازة لمدة ستة أشهر تحت ذريعة مرضه؛ ماذا يدل هذا الاجراء؟ على صحة تلك الاتهامات ام على بطلانها؟
لكن المؤسف وبعد تعيين رئيس استئناف جديد، تم إعادة دعاوى هيئة النزاهة الى محكمة استئناف الرصافة، والكل يعلم ان نقل محكمة من منطقة استئنافية الى أخرى يرتب أعباء على المواطن وعلى الكادر القضائي ليست بالسهلة، وهل يعقل ان يتم اتخاذ قرارين متناقضين خلال شهر تقريبا، ان تلك التنقلات جوهرية، كان من المفترض دراستها قبل اتخاذها، وتثير الشكوك والاسئلة، التي قد تنال من سمعة القضاء، وخصوصا اننا امام جماهير غاضبة من القضاء.
وقبل ايام، صرح النائب نفسه، ممهلا القضاء 7 ايام، للكشف عن ملفات الفساد التي ارسلت له والا، سيقوم البرلمان بإعلانها بنفسه! هل هذا التصريح، يدل على ان القضاء لا سلطان عليه غير القانون؟ أم هناك سلطان آخر؟ على ماذا يدل تحذير برلماني لقاضٍ؟ وهل فعلا، القضاء يتستر على قضايا فساد؟ على السلطة القضائية ان تخرج الى الرأي العام بقرارات حاسمة وجريئة، تعيد الى الشارع الثقة بها، وتؤكد للمتظاهرين انها مازالت تحت سلطان القانون ولا شيء آخر.
لذا نحتاج لنهضة تشريعية وقضائية طال انتظارها دون جدوى حتى الآن، وفي ذلك الماء الآسن ما فيه من خطر عظيم على مستقبل العراق ونظام الحكم فيها، يقول الكواكبي:
(إنها قولة حق وصيحة في واد، إن ذهبت اليوم مع الريح، فقد تذهب غدا بالأوتاد).
ان القضاء العراقي ومن خلال متابعتنا لمجريات الأمور يمر بمحنة كبيرة، ومحنته تتجسد في كثرة التدخلات من هذا وذاك وفي ممارسة سياسة الطعن والتشكيك والتشهير ضده من خلال وسائل الاعلام من كل من هب ودب وهي سياسة غير صحية يجب وقفها والتصدي لها وضرورة تعزيز هيبة القضاء العراقي واحترامه.
فالقضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون والقانون فقط، غير ان ما نقرأه ونشاهده ونسمعه من اساءات تمس هيبة القضاء العراقي ونزاهته تثير الأسى والأحزان والقلق، لهذا يجب ان تتوقف العديد من القنوات الفضائية ومواقع الأنترنيت والصحف وغيرها من وسائل الاعلام عن مثل هذه السياسة التي تضر بالقضاء وبسمعته وهيبته وشفافيته، ونأمل من السلطة القضائية ان تقوم بدورها بالإصلاحات المطلوبة وتطوير عمل المؤسسة القضائية بما ينتج عنه الية فعالة لمكافحة الفساد والجريمة المنظمة والإرهاب.
أن ولوج القضاء في المسائل السياسية حتى لو بدون ان يعلم، يكون قد نال من نفسه ومصداقيته لدى الشعب ويربأ الشرفاء أن يُتَّخذ القضاء معبراً للمرور من الأزمات السياسية ولو كانت خانقة، ويعود تسييس القضاء في أحد أهم أسبابه غير الشخصية إلى دخول قضاة عديدين الى المعترك السياسي والبعض الاخر اخذ يمثل جهة سياسية او دينية او طائفية، او من خلال إصدار أحكام لخدمة أغراض السلطة التنفيذية، أو جهة سياسية متنفذة بالتعرض لضغوط منها أو إغراءات تُغيب ضمير القاضي وتحفز قدرته على تحدي العدالة بتحريف نصوص التشريعات والتلاعب بمعانيها ومقاصدها التي؛ في العادة تتحيز للمتهمين(مبدأ المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ومبدأ الشك في مصلحة المتهم)، أو ما نشهده هذه الأيام في العراق من مظاهرات واعتصامات من الشعب ومن احتجاجات ضد الأحزاب السياسية والدينية ضد الفساد واتهام القضاء العراقي(خصوصا من المنظمات الدولية) بأنه قضاء مسيس من جهة وفاسد من جهة أخرى، والمناداة بهتاف الشعب يريد تطهير القضاء.
ويقول الصحفي فخري في احدى مقالاته (إن التشكيك بالقضاء، حين يصل إلى السلطة التشريعية ويتحول إلى اتهام صريحٍ لأعلى سلطة قضائية بشبهة التواطؤ لصالح انحرافاتٍ سياسية خطيرة، وارتكاباتٍ تمس سلامة الدولة "ناقصة البنيان"، ووجهة تطور المسيرة الديمقراطية، فان ذلك يشكل تحذيراً من عيارٍ ثقيلٍ يتطلب وقفة جدية من أولي الأمر المختلفين).
ولهذا فأن على المؤسسة القضائية أن نكون بمستوى طلب المتظاهرين والمرجعية، ونقوم بصولة جبارة في محاربة الفساد من خلال محاكمة الفاسدين كما تحارب الإرهاب لان الفساد المالي والإداري اخطر من الإرهاب،
إنّ على رئيس مجلس القضاء الأعلى أنْ يبرهن للناس أنه لا سلطة على القضاء، ولا يكفي الكلام المجرد، وعليه أنْ يكون رقيبًا على تصرفات القضاة كي يكونوا واجهة مشرقة مشرفة، وعليه أن يوقف من لا يستحق القضاء غير آبه بقول أحد أو غضب مسؤول.
وطيلة عملي في المحاماة وتحديدا في المحكمة المركزية كرئيس غرفة المحامين لأكثر من ست سنوات(2005-2012) كان الكثير من القضاة، شرفاء وابطال ورموز وفرسان جسدوا عظمة القضاة العراقيين، والقلة من الذين قد رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم وقبلوا نحر العدالة في العراق.
وفي الأخير: سأكتب بالأيام القادمة عن راي في عدة أمور قضائية طرحت على الساحة تخص السلطة القضائية واصلاحها، وهي عبارة عن دراسة اعددتها لهذا الغرض؛ بالنتيجة نحتاج الى رحمة حقيقية كون القضاء يمثل أرادة الله في الأرض والقاضي يمثل خليفة الله في الأرض ولا يمكن ان للبعض من القضاة وهم محترمون أّن يعطونا صورة على أَن الله ظالم – حاشى الله أِلا أَن يكون رحيماً عطوفاً على عباده وهادياً لهم في أَن يسيروا في الهدى.
1095 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع