أزمة حزبية فى أميركا

                                            

                            د.منار الشوربجي

الأسبوع الماضي شهد تطورات مثيرة في مسار انتخابات الرئاسة الأميركية عنوانها الرئيس هو قلق الحزبين الكبيرين، كل من مرشحه الذي بدا للوهلة الأولى بلا منازع، جيب بوش بالنسبة إلى الحزب الجمهوري، وهيلارى كلينتون بالنسبة للحزب الديمقراطي. ورغم أن الانتخابات ستجرى في نوفمبر 2016، إلا أن ما يجري اليوم يعبر عن الأزمة العميقة التي تمر بها الديمقراطية الأميركية.

ففي الحزب الجمهوري، كان جيب بوش المرشح الذي راهنت عليه مؤسسات الحزب وأصحاب الأموال الضخمة. وهو حصل على مبالغ مذهلة تؤهله للاستمرار في السباق على ترشيح الحزب حتى نهايته. لكن ظهور الملياردير دونالد ترامب على الساحة، مرشحاً باسم الحزب الجمهوري وممولاً بشكل ذاتي، قلب الموازين خصوصاً أنه لا يزال بعد كل الجدل الذي أثارته تصريحاته يحتل القمة في كل استطلاعات الرأي العام التي تقيس موقف الناخبين الجمهوريين من المرشحين.

أكثر من ذلك، فقد نجح ترامب في أن يقوم بتعريف الناخبين بجيب بوش بدلاً من أن يقوم الأخير بهذه المهمة بنفسه. فقد وصف ترامب جيب بوش بأنه المرشح «محدود الطاقة» فاضطر بوش لأن يعلن عن جدول زياراته المكوكية للولايات المختلفة تأكيداً لنشاطه! ودونالد ترامب، الذي يستدعي مخاوف البيض المحافظين من المهاجرين طالب بوش بأن «يتحدث الإنجليزية طالما هو على أرض الولايات المتحدة». وهي محاولة أخرى لوضع بوش، الذي يتحدث الإسبانية بطلاقة واستخدمها في مؤتمر صحافي مؤخراً، وزوجته من أصول مكسيكية، في موقف دفاعي.

لكن مؤسسات الحزب الجمهوري تعاني قلقاً شديداً إزاء الصعود المستمر لدونالد ترامب في استطلاعات الرأي والتي كان الكثيرون يعتبرونها مؤقتة. ويعود هذا القلق إلى طبيعة قواعد الانتخابات الرئاسية. فنظام الحزبين القائم في الولايات المتحدة يعنى أن كلاً من الحزبين الرئيسيين يضم قطاعات ذات توجهات مختلفة بعضها وسطى وبعضها الآخر متشدد. لذلك، فإن الحملة التمهيدية تختلف في طبيعتها كثيراً عن حملات «الخريف».

ففي المرحلة التمهيدية يتسابق الكثيرون على ترشيح الحزب وهي التي تحسمها قاعدة كل حزب، أي الناخبين الأكثر التصاقاً به، أي اليمين في الحزب الجمهوري واليسار في الحزب الديمقراطي. لكن بمجرد أن يحصل أحدهم على الترشيح يصبح هو المنافس للمرشح الفائز بترشيح الحزب الثاني، وهنا يكون عليه حتى يفوز أن يحصل على دعم قطاعات الوسط في الحزب المنافس. لذلك، ففي الانتخابات التمهيدية من السهل أن يكون خطاب دونالد ترامب جذاباً لقطاعات واسعة داخل اليمين الأميركي، بما فيه أقصى اليمين، ما قد يسمح له بالحصول على ترشيح الحزب، ولكنه خطاب غير مقبول من خارج اليمين، وهو ما قد يعني هزيمة مدوية للحزب في نوفمبر، أي انتخابات الخريف أمام الحزب الآخر.

لكن الأسوأ من ذلك، هو أنه إذا فاز مرشح غير ترامب بترشيح الحزب الجمهوري، وقرر الملياردير أن يخوض انتخابات الخريف بأمواله مستقلاً عن الحزبين الكبيرين، فإن الأصوات التي سيحصل عليها ستخصم بالضرورة من أصوات مرشح الحزب الجمهوري ما قد يحسم النتيجة لصالح الديمقراطيين. لذلك تقدم الحزب الجمهوري لكل المرشحين تحت شعاره بإقرار يطلب توقيع كل منهم عليه مؤداه أنه سيؤيد مرشح الحزب أيا كان ويتعهد بألا يرشح نفسه مستقلاً إذا لم يفز بترشيح الحزب. وهى ربما أول مرة يلجأ فيها الحزب لمثل ذلك التعهد بما يكشف حجم الأزمة التي يعيشها الحزب.

والحزب الديمقراطي ليس أفضل حالًا. فهيلاري كلينتون، التي بدت قبل شهور الفائزة لا محالة بترشيح الحزب، والمدعومة بأموال لا حصر لها تعاني حملتها من مشكلات عدة بعضها يتعلق بأدائها حين كانت وزيرة للخارجية، وأهمها مواقفها السياسية التي اتخذتها كوزيرة للخارجية أو كعضو بمجلس الشيوخ. وهي المواقف التي يعارضها بشدة يسار الحزب الديمقراطي، الذي يزداد دوره في المرحلة التمهيدية، باعتباره قاعدة الحزب الديمقراطي.

ولأن هيلاري تعانى أزمة كشف عنها تقدم برني ساندرز الاشتراكي في استطلاعات الرأي، بدأت تحركات داخل مؤسسات الحزب كشفت عنها جولات جو بايدن نائب الرئيس الحالي، في عدد من الولايات، فيما تم تفسيره بأنه استكشاف للساحة من أجل الترشح. لكن لعل أهم ما قام به جو بايدن هو اللقاء الذي عقده مع إليزابيث وارين عضو مجلس الشيوخ، التي تحظى بشعبية كبيرة في أوساط اليسار الديمقراطي. ورغم أن القليل للغاية هو ما أعلن حول ذلك اللقاء إلا أنه يعنص أكثر من أي شيء آخر أن بايدن حريص على ذلك القطاع المهم من الديمقراطيين الذين يحسمون ترشيح الحزب ولا يجدون في هيلاري كلينتون ما يرغبون فيه.

وسواء وقع ترامب على تعهدات الحزب الجمهوري أو رفض، وسواء ترشح بايدن أو امتنع عن الترشيح، تبدو الأزمة الأميركية العميقة جوهرها أن مؤسسات كلا الحزبين تبدو منفصلة إلى حد كبير عن قطاعات واسعة من الناخبين وملتصقة للغاية بالمال السياسي الذي صار يحسم انتخابات الرئاسة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1131 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع