علي زيني
يَعهد الفرد في إحدى سني حياته انفجاراً عظيماً داخل مَكمَن عقله كما البركان بعد فورانه معلنا بذلك عن الشرارة الأولى لثورة النضوج الفكري ، إذ لم يعد كل شئ كما كان عليه في السابق داخل ذاته ،
إذ تتغير المفاهيم كل المفاهيم لديه بفعل لغة الدعاية والمجاملات والنفاق ، التزلف و التملق ، الظروف الحياتية اللاعادلة ، العادات والتقاليد المجتمعية ، ظروف النشأة وبفعل الحوادث الصادمة المتتالية في مشوار الحياة ، إذ نجد إن كل المفاهيم تجير وفقا لمصالح الأفراد والفئات على ارض الواقع قد يرى الحق باطل والباطل أحق أن يتبع ويرى الكذب ذكاءاً و الصدق منتهى السذاجة وسلسلة لا مـتناهية من صراع الأضداد...
ففي مرحلة الطفولة وزهرة الشباب يعرف الفرد لونين فقط لا ثالث لهما أما أبيض وأما أسود لقياس الأشياء وقف قانون المطلق ، أما بعد تلك المرحلة نجد الآلاف من التدرجات اللونية بين اللونين الأبيض والأسود وتبدأ الحقيقة المطلقة بالاضمحلال شيئـا فشيئا عبر التقادم الزمني ويصبح أي شي خاضعا للنسب فمن منظوري الشخصي اعتقد إن هذا التحول هو محط ابتلائنا في دنيانا الفانية فيتيه معها طريق السعادة الذي نشكله في عالم الطفولة ، فكلما كان الإنسان أكثر نقاءاً كلما ازداد منسوب تعاسته أكثر فأكثر حسب تعبير الكاتب الروسي " أنطون تشيخوف " فعليه إما أن يكون ألف جدار وجدار..جدران من الصمت أو العزلة أو لكي يشعر بلحظة استقرار ووئام مسروقة من جراء تغير مسار الحياة بعد تلكم النقطة .. أو يتلون مع تلون الحياة وفق ما تملي عليه ألفية التدرجات اللونية ،فالخياران أحلاهما مر كما الحنظل .... فالويل والثبور لكَ إن كنت في هذه الحياة مبدئيا .... وتريد أن تصارع الدنيا بمخلب المبادئ ، فيمكن أن تغدو ساذجا و" بطران ّ كما في عاميتنا الدارجة أو تصبح أيضا بنظرهم إنسانا وصوليا !
في احد الأيام سمعت قصة جعلتني أقول بحرقة وألم "لقد مات علي بن أبي طالب فينا " عن امرأة سرقت أسطوانة للغاز في جنح الظلام لكي تطعم أطفالها اليتامى المتضورين جوعا فحكم القاضي عليها بالسجن خمسة عشر عاما فبأي منطق حكم عليها القاضي بهذا الحكم ، في حين يتمتع كبار السُراق بالحرية طلقاء بلا حسيب ولا رقيب ... كيف نسرق لحظة اطمئنان من دنيانا لكي نجنيها لمصائر أولادنا وأحفادنا إذا وجدنا طبيب جزار ، قلم مأجور، قاضي مرتشي رجل دين يسوق الوعظ للناس وهو غير واعظ لنفسه ...الخ من ألوان الزيف التي تتحلل من اللون الأسود لموشور الواقع. .
فالسؤال الجوهري المطروح هنا كيف ننشئ ضميراً جمعياً لكل الأفراد ؟ كيف ؟وكيف؟ ؟و كيف ؟ ... بعيدا عن سماسرة الماكنة الإعلامية المغيبة للحقيقية والقاصفة للعقول والمعتمدة على لغة الدعاية التسقيط والتشهير والتضليل والتي من المفترض أن تؤدي دورا جليلا وساميا للفرد والمجتمع على حد سواء، والمدارس التي تعلم ولا تربي والجامعات التي أصبحت بلا رصانة علمية تذكر ، والدوائر التي غيبها الروتين بحباله الطويلة ونخر الفساد الإداري أعمدتها كنخر السوس لأعمدة الخشب ، ورهبان الدجل باسم المقدس فأصبحنا في هذه الحياة أموات وما نحن بأموات كل ما نستشف من حياتنا الشعور بالذنب الفضيع بين ثنايا النهار لأننا ليس بوسعنا تغيير الواقع إلى الأفضل ولو بشيء طفيف وضمائرنا التي توخزنا في جوف الليل جراء فعلة اقترفنها بقصد أو بدون قصد ... فالأنقياء في زمن الأدعياء وجدوا الرب بضمائرهم قبل ألسنتهم متجسد بقولة السيد المسيح (ع ) " الإنسان ضمير الله على الأرض " والله من وراء القصد..
1157 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع