بقلم : سالم ايليا
قالَ مارتن لوثر كينغ الزعيم الأمريكي الأسود: "المصيبة ليست في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار".
وقال المفكر السياسي الإيرلندي أدموند بيرك الذي اوجد مفهوم السلطة الرابعة (سلطة الشعب): " اذا اتحد الأشرار فعلى الأخيار أن يتحدوا وإلا سقطوا ضحية لهم ".
وهنالك مثل يقول: " ثمن الكرامة والحرية فادح، ولكن ثمن السكوت عن الذل والأستعباد أفدح ".
لو تمعنّا بالأقوال المأثورة اعلاه والتي أُستُنبِطت من كفاح الشعوب ونضالها لأستطعنا وببساطة تحديد العلاج لما يعانيه العراقيون من بؤسٍ وشقاءٍ في ظل طواغيت الحكم ومافياته المسيطرة على البلد برمته من مؤسسات ووزارات ومشاريع وحتى الشوارع والمتنزهات التي لم تسلم من سيطرتهم، لا بل تمّ تقاسم الأحياء السكنية والمدن العراقية فيما بينهم وحسب نظام المحاصصة المقيت والتي كانت يوماً ما عائدة للدولة العراقية الموحدة والشعب العراقي برمته.
لقد حاول الشعب منذ انطلاق تظاهرته الأولى في السابع من شهر آب المنصرم الضغط بالطرق السلمية على اصحاب القرار لتنفيذ الأصلاحات ومن خلال التجمعات الألفية في ساحة التحرير والساحات الرئيسية في أكثر من احدى عشرة محافظة عراقية، حيثُ اقيمت المهرجانات والفعاليات الفنية ومنابر الخطابة والشعر، لكن الطرف الآخر أعطى الأذان الصُمّ ولم يستجب للمطالب المشروعة والبسيطة للمتظاهرين مستخفاً بتظاهرهم ومتبجحاً بقدراته التنظيمية للميليشيات التابعة له التي بدأت بعمليات الترهيب المتمثلة بعمليات القتل الفردية لبعض الناشطين والخطف وإقتحام دورهم السكنية والعقوبات الجماعية كحجب المياه الصالحة للشرب عن الأقضية والنواحي المنتفضة ضد الظلم والفساد.
لقد بدأ بعض الناشطون انطلاقاً من محافظة ذي قار بمسيرة سلمية راجلة بإتجاه بغداد تحت شعار "كي لا نهاجر" لمحاولة الدخول الى ما يسمى بـ "المنطقة الخضراء" التي يتواجد فيها السياسيون وذلك لكسر اليأس والجمود الذي بدأ يسري بين أوساط الثائرين مستلهمين قرارهم هذا من ايمانهم المطلق بإستهتار السياسيين بمطالبهم ومعتمدين على تجارب الشعوب التي سبقتهم في التعامل مع حكّامها وسياسييها، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل سيسمح لهم افراد الحمايات المنتشرة هناك لبلوغ مأرَبهم؟ خاصة وإن اعداد افراد الحمايات تتجاوز الثلاث فرق(وكما صرّح رئيس الوزراء حيدر العبادي) والذي يقدر عددهم بخمسة وعشرين الى الثلاثين الف مسلح على أقل تقدير (عدد حماية البرلمانيون فقط يصل الى ثلاثين فرداً للبرلماني الواحد والبالغ عددهم 328 برلمانياً حسب ما صرّح به أحد أعضاء البرلمان، عدا افراد حماية رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وبقية الدوائر الأخرى في المنطقة الخضراء)، في حين لا يتجاوز عدد الناشطين الذين قرروا الدخول الى المنطقة الخضراء عدّة مئات ما لم تنظم اليهم بقية الحشود التي تتظاهر في ساحة التحرير وساحات بقية المحافظات العراقية؟ وما لم يتوحد الملايين من الأخيار للتصدي لحفنة الأشرار المتحكمة بمقدراتهم؟.
لقد تعلمنا من تجارب الشعوب بأن الحقوق تُنتزع من الغاصب بقوة الإرادة والتصميم وليس بالضرورة بقوة السلاح، وما زال المثل قائم أمامنا لتظاهرات الشعب المصري السلمية التي اطاحت بطاغوت مصر حسني مبارك وزمرته، حيثُ ان تضحيات الشعب ارغمت المجتمع الدولي (ومنهم الدول العظمى المساندة للنظام) للوقوف بجانبه ومطالبة رئيس النظام بالإستقالة.
أما في المشهد العراقي، فهل من الممكن تدويل معانات العراقيين بالزحف الى ما يطلق عليه "المنطقة الخضراء" وتهديد عروش القابعين تحت حمايتها؟ فالحال الذي وصلت اليه التظاهرات وتعنت أصحاب القرار يحتّم على المتظاهرين الإنتقال للمرحلة الأكثر تحدياً وبإحتمالين لا ثالث لهما: فالإحتمال الأول يتضمن عبور جسر الجمهورية وإزاحة العوائق (أسلاك شائكة ، متاريس ـ ـ الخ) حيثُ لا يخلوا من المخاطر على الصفوف الأولى من المتظاهرين (صفوف الأقتحام) الذين أعلنوا عن انفسهم كمشروع للأستشهاد على الرغم من تمنيات كل أبناء الشعب العراقي ان لا تصل الأمور الى حد المواجهة الحقيقية والتي قد تؤدي الى إستشهاد بعض المتظاهرين (كل يوم يستشهد العشرات بالإنفجارات الناتجة عن الصراعات بين مافيات الحكم وسيبقى الحال على ما هو عليه إذا لم يتم إزاحة هذه الطغمة بإنتفاضة شعبية ربما سيدفع ثمنها بعض الثائرين، إلا انها ستوقف نزيف الدم الحالي والى الأبد)، والإحتمال الثاني السماح للمتظاهرين تحت ضغط الأعداد المليونية (فيما اذا إنظمّ المتظاهرين في المحافظات الى إخوانهم في بغداد) بدخول المنطقة الخضراء ( وهذا أمر مستبعد لتبعاته المباشرة في إسقاط السلطات الثلاثة)، وفي كلتا الحالتين ستأخذ قضية العراق مركز الصدارة على قائمة الإهتمامات الدولية وسيتدخل المجتمع الدولي لإنهائها.
في نفس الوقت على المتظاهرين فيما اذا قرروا الإقتحام ان يكونوا مهيئين للسيطرة على الموقف من خلال لجان خاصة يحددونها قبل العبور، وذلك لعدم السماح بالإنفلات الأمني الذي قد يقود الى اعمال عنف واعمال انتقامية غير مبررة والتي سبق وان توعّد البعض من المندسين أو المتضررين على تنفيذها في حالة الوصول الى بعض اعضاء البرلمان أو الحكومة، ناهيكم عن احتمالية تورط الميليشيات في التصدي للمتظاهرين.
من ناحية اخرى على الناشطين المنتخبين من الجموع الثائرة تهيأة قائمة وجدول زمني للمطالب في حالة دعوة الحكومة لهم للتفاوض وتهيأة البدائل من التكنوقراط الوطنيين (الغير منتمين الى أي حزب لكي لا يجيير كفاحهم لحساب حزب معين) لإدارة السلطات الثلاثة في حالة تطور الأمور ووصولها الى مرحلة الثورة الشعبية لمنع احداث فراغ اداري وسياسي في المؤسسات والسلطات الثلاث، وبهذا يكون الشعب قد نظّف "المنطقة الخضراء" من الأدغال التي نمت وترعرت فيها لمدة ما يقارب الثلاث عشرة سنة.
3186 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع