عبدالرضا غالي الخياط / خاص – الگاردينيا
أتى وقت على الشعب بدأ فيه أن قوى الظلام قد انتصرت، وأنها هي التي تهيمن على المقدرات، وتحرك الأحداث، وتسوق حياة السواد الأعظم من الناس. فلم يعد شعب الرافدين كما أرادت له السماء ان يرى عجائبها ويتمتع بخيراتها وبالحياة التي وهبت له مستمتعاً بالأغاني والزهو والأحلام.. والسؤال الذي يبقى مطروحاً إلى الأبد هو :
لماذا يجهز الإنسان على أخيه الإنسان في مشاهد يشوبها شلالات الدم الأرجواني وهم في النهاية سيموتون كلهم.؟ ان العنف ظاهرة اجتماعية قديمة قدم الإنسان الأول، أي منذ وجوده على الأرض بدءاً من قصة قابيل وأخيه هابيل، ومنذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا شهدت البشرية أضعافاً لاتحصى من الجريمة والقسوة والبربرية. والعنف بشقية المادي والمعنوي نجده في جوانب كثيرة في السلوك العام ويأخذ إشكالا متنوعة سواءً العنف الأسري أو الاجتماعي أو السياسي، وحتى العنف الديني. وكل هذه المظاهر والأشكال هي في المحصلة الأخيرة، هدم لطاقات الإنسان وفعالياته الخلاقة، والذي كرمه الله تبارك وتعالى، فجعله في أحسن صورة. بل هنالك ما هو أنكى من ذلك بكثير، كالإبادات الجماعية التي شهدتها وعاشتها بعض الشعوب على مدى التاريخ السياسي للدول والأنظمة، ومنها ما حدث في العراق. وأن كان أقل حدةّ قياساً إلى ما حدث ويحدث اليوم في وطننا المنسي الجريح، وما تشهده بعض دول المنطقة العربية مثل سورية واليمن وليبيا وفلسطين. والآتي أكثر لا سامح الله أن بقي الحال على ما هو عليه، ما لم تنتفض الشعوب في وجه طغاتها المتجبرين الآخذين بمقاليد الأمور..هذا واليوم لنا وقفة قصيرة مع كتاب ( مأساة العنف في العراق : 1963- 2003 ) الصادر عن دار الجواهري ب 210 صفحة من القطع المتوسط ، للباحث والكاتب عبدالرضا كاظم، بعد إن سبقه الباحث باقر ياسين بإصدار كتابة ( تاريخ العنف الدموي في العراق )، وذلك في سنة 1999 وقد استعرض فيه مجريات العنف الدموي في البلاد منذ فجر السلالات السومرية الأولى ولغاية صدوره في نهاية القرن المشار إليه أعلاه. لقد أبدع ياسين بما احتواه كتابه الموسوم ( تاريخ العنف الدموي في العراق ) وقد استعرض الاحداث الجارية في البلاد بإسهاب وتفصيل وافيين، إلا أنه عندما وصل الى فترة ( 1963) التي مثلت قمة العنف على مر الأزمان والدهور في العراق وسجلت بيانات العنف خطا بيانيا متصاعدا، مر عليها مرور الكرام، مرورا عابرا وسريعا ولم يتطرق الى كوامن العنف بتلك الفترة، وكأن تلك الفترة تتسم بالوداعة وحب العافية ولم يحصل بها أية حاله من حالات القهر والضيم والاستبداد أو إي حالة من الموت وإراقة الدماء..لقد كان الباحث عبدالرضا كاظم مستاء غير راضيا عن موقف الباحث ياسين لفحوى ومحتوى مجريات إحداث سنة 1963، حيث يقول في كتابة ( لقد اغاضني موقفه ذلك، فعزمت الأمر على إن أعيد قراءة تاريخ تلك الفترة ) فإن الأجيال التي عاصرت تلك المرحلة قد سحقتها وأودت بها أحداث العنف الدامية التي رافقتها، بسبب الصراعات السياسية على أرضية الواقع، وتسلط الدكتاتورية ومن ثم نتائج ومفرزات الحروب الطويلة ونتائجها السيئة التي انعكست سلبا على ذلك الجيل وجعلته ميالا للعنف وألبسته رداء القوة والاستبداد كرد فعل للنتائج الوخيمة التي زاملت تلك الفترة. وقد ركز الباحث عبدالرضا في كتابه على أهم الأحداث التي جرت خلال حقبة (1963-2003)، ولم يغور في تفاصيلهما خشية منه إن يصاب القارئ بالملل، وان اغلب الأحداث قد سردت من قبل الكتّاب والمؤلفين لتلك الحقبة، وقد اكتفى باستعراض سريع لعهدي الملكي والجمهوري الأول، كما انتقد الباحث ياسين بأنه لم يكن موفقا عندما نسب أسباب العنف عبر تاريخيه القديم والحديث في بلاد الرافدين بإن جلّ وأغلب حكام العراق كانوا دخلا عليه ومن غير أصوله ومنبته الإنساني، واعتبر كتاباته عن ذلك بإيهام القارئ بان ارض العراق ملعونة وقد حل عليها غضب السماء ونقمت..من المسلم به إن من تصدروا سدة الحكم الأولى في العراق بعد ثورة 14 تموز 1958، كانوا جلهم من أبناء بلدهم العراق وباستثناء بعض قادة البعث اللذين مارسوا أقصى درجات العنف في البلاد لتثبيت ركيزتهم السلطوية فلم يحدث لآمن قريب ولا من بعيد شيئا يستحق الذكر.هناك أمرين قد يكون الحافز والدافع للعنف أولها تكالب الدخلاء والمستبدين والمستعمرين على ارض العراق، حيث خصوبة الأرض ووفرة المياه وكثرة الخيرات وعبق الحضارة، وصفاء الذهن والفكر البشري دفع هولاء لان يسيل لعابهم على التسلط على هذا البلد، فما اوجد حاله من ردة الفعل التي بدورها قادت الى العنف البشري، وثانيهما بساطة العراقيون وطيبتهم وأصولهم وثقافتهم التي اختلطت بين البداوة والتمدن وأصبحت حافزا لأولئك الطغاة في ممارسة إعمال العنف الدموية. وبالرغم من كل ذلك لم تختفي البسمة من شفاه العراقيين ومنذ الآف السنين رغم ما أصاب البلاد من هول على مر الدهور. حيث كانت ولا تزال هذه الأرض ولادة معطاءة على طول الأيام والليالي، فالليالي حبلى يلدن كل عجيب، وستلد لنا اللذين يفقهون. ولو إن استعرضنا ما مثله متن الكتاب موضوع البحث والتقديم. ننتقل الى كاريزما الباحث عبدالرضا كاظم، فهو أشهر من نار على علم..غني عن التعريف..تعجبك مشاهدته فتراه سيدا للأناقة وربا للدعة واللطف. أنه من مواليد 1945 بكالوريوس آداب. قسم اللغة العربية سنة 1971 بغداد..قدم لنيل شهادة الماجستير من جامعة عين شمس بالقاهرة وذلك عن أطروحته الموسومة تحقيق كتاب( عيار الشعر)، لابن طباطبا، ولكن لم تنجح محاولته لنيل الشهادة بسبب حضر الحكومة العراقية سنة 1976 لإكمال الدراسات في الجامعات المصرية بسبب زيارة (السادات) للقدس في حينها. نشر بحوث كثيرة في الصحف والمجلات العربية في فترة السبعينات وأواسط الثمانيات من القرن المنصرم يذكر منها مجلة العربي الكويتية والمصور المصرية، وله أيضا كتابات وبحوث في اغلب الصحف العراقية منها - الزمان - الصباح- وصحيفة النجف الاشرف. وله دراسات متنوعة في مجالات الأدب العربي القديم والحديث مع دراسات في تاريخ العراق القديم والمعاصر .وقد عقد العزم حاليا على إن يظهر للوجود بحثه الشيق ألمنمق المطول عن )الاثنيات)العراقية التي عاشت وترعرعت على ارض الرافدين منذ العهد السومري وليومنا هذا. وشارك في عدة مهرجانات وملتقيات أدبية وشعرية في إنحاء مختلفة من القطر. وقد حاز جائرة (الإناء الذهبي) من قبل وزارة الثقافة والإعلام وذلك عن قصيدته البديعة ( الفرات). وسبق له ان أنجز مع الباحث (عبدالامير البدران) بحثا يضمن دستورا ونظام حديثا يتم بموجبه تحديد(وضيفة العامل ومقدار أجوره) وتم تقيم البحث من قبل وزارة التجارة ومنح مكافاءة مالية مجزية عرفانا بإبداعه. شغل وضيفة معاون مدير عام في الشركة العامة للمطاحن بوزارة التجارة. اعتزل خدمته بطلب منه في شباط 1980، وبقى يمارس عمله الفني في القطاع الخاص لغاية هذا اليوم . ولا يزال معطاء يغني الآخرين بإبداعاته يوميا بدون كلل أو ملل- نسال الله له دوام العز والموفقية.
858 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع