د.عبدالقادر القيسي
أن الرئاسات الثلاث تنادي بالإصلاح على منابر الاعلام، والحكومة قدمت ورقتها الإصلاحية التي تحتشد بنقاط متسلسلة وجهتها لرئاسة البرلمان التي صوتت عليها واردفتها بورقة أخرى بغية التعبير عن تأييدها للإصلاحات
ثم قدمت رئاسة الجمهورية خطابا خالي من أي الزام وفيه نصائح وتأملات بتبنيها وتنفيذها، بعيدا عن أتخاذ اي قرارات تنفيذية باعتبارها رمز الدولة والحارس الأمين على تطبيق الدستور، ورقة الإصلاح التي تقدم بها رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري في 10/ اب/2015الى الكتل السياسية تضمنت ست عشْرة بندا، أبرزها إنجاز عملية ترشيق الوزارات والهيئات خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً، وإنهاء ملف التعيينات بالوكالة وتقديم المرشحين للتعيين في المناصب العليا خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً، وفي ورقة الإصلاح دعا رئيس البرلمان رئيس الوزراء الى إقالة وزيري الكهرباء والموارد المالية، ودعوة مجلس القضاء الأعلى إلى تقديم ورقة إصلاح قضائي، وإلى ضرورة محاسبة المقصرين في الدفاع عن العراقيين ممن تسببوا بتسليم الأرض والسلاح إلى الجماعات الإرهابية، ودعا إلى إقالة أعضاء مجلس النواب ممن تجاوزت غياباتهم المدد القانونية، وتقليل أعداد حمايات المسؤولين، ومن دون استثناء الى النصف خلال خمسة عشر يوماً، وتخيير أصحاب المناصب من ذوي الجنسية المزدوجة بين إسقاط الجنسية المكتسبة أو الإعفاء من المنصب خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً، وأكدت ورقة إصلاحات البرلمان ضرورة محاسبة وملاحقة الفاسدين وسارقي المال العام، وإحالة ملفات المتلاعبين ببيع وإيجار أملاك الدولة على القضاء.
استعرضنا بعجالة أبرز الإصلاحات التي اقرها وتبناها البرلمان في سبيل اصلاح المؤسسة التشريعية بالطريقة التي تنتج اثارها في تصويب عمل البرلمان، ولو أردنا ان نحقق فيما تم إنجازه من (16) بند سنجد ان ابسط الإصلاحات الإدارية والتنظيمية التي تتعلق بعمل البرلمان حصريا لم تتحقق، منها مسالة الغيابات وتقليل الحمايات والمستشارين والموظفين، حيث لم نلمس أي اجراء حقيقي معلن يشير الى ذلك، والبرلمان يعاني من ترهل اداري مخيف يرهق خزينة الدولة مبالغ طائلة بدون عمل حقيقي منتج، بالذات عدد المستشارين الذين لا يحتاج امر تقليصهم الا اجراء اداري بسيط تتخذه رئاسة البرلمان وكذا عدد الحمايات والموظفين ومسالة تفعيل العقوبات بحق النواب الغائبين؛ كبادرة حسن نية تجاه المتظاهرين، والمؤسف المحزن ان رئيس البرلمان في 15/اب/ 2015 كشف عن عملية إصلاحات أخرى جديدة تلامس التشريعات، خلال كلمته التي وجهها إلى المتظاهرين، ونحن نسال ما هو المتحقق من حزمة الإصلاحات الأولى حتى نعد الجماهير بالثانية التي مضى اكثر من 45 يوم على اطلاقها ولم تطلق، وهناك فارق بين الإصلاح والتغيير الجذري وبين لعبة التبديل الشكلي السطحي التي تهدف إلى تخدير الجماهير.
ان البرلمان طلب من الحكومة في ورقته الإصلاحية اقالة وزيري الكهرباء والموارد المائية، لكن الذي حدث ان البرلمان نفسه صوت على إبقاء وزير الكهرباء في منصبه؛ والسؤال: كيف للبرلمان ان يطلب في ورقته الإصلاحية المصوت عليها منه اقالة وزير ويرجع يصوت على نفس الوزير بعدم اقالته، فاذا كان غير متأكد من ان الوزير يستحق الإقالة؛ فلماذا ضَمن ذلك في ورقته الإصلاحية؟ هل هي بالونة اختبار لامتصاص زخم المتظاهرين، ان في ذلك كذب وبهتان لا ينسجم وتصورات العوام، وتجعلنا نصل الى نتيجة مفادها:
إن قرارات السيد رئيس البرلمان كقرارات الحكومة غير حاسمة في وجه الفساد بكافة انواعه، لا سيما ان الجماهير تتظاهر وتهتف بان الدولة بكافة سلطاتها، ابن شرعي لمؤسسة الفساد الطائفية التي دمرت العراق، وهناك شعارات مؤلمة لا يمكن تحملها.
اننا نأمل من البرلمان ان لا يتسابق كما فعلت الحكومة بهدر الحديث عن الإصلاحات وصولا الى اسكات الجمهور متجاوزين نصوص الدستور والمدد التي حُددتْ في ورقته الإصلاحية؛ حتى باتت هذه المدد فرقعة صوتية غايتها اجهاض التظاهرات، فعلى البرلمان ان يقوم بقفزة حقيقية لبناء نظام برلماني سليم، من خلال الاسراع بإصلاحاته التي اقرها وان لا تبقى حبيسة الأوراق وإرادة الكتل السياسية، فما زال أمام البرلمان إقرار قوانين مهمة منها قوانين المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى والعفو العام ومجلس الاتحاد وغيرها، إضافة الى قانون آخر في غاية الأهمية وهو منع الجنسية المزدوجة، وإذا ما تم اقراره فعلاً؛ فإنه يؤشر لوجود تفكير إيجابي وجاد للسلطة التشريعية لإصلاح المؤسسة البرلمانية من خراب دام كثيرا.
ان مجلس النواب صوت في 11 اب الماضي، بالموافقة على ورقة إصلاحاته التي تضمنت بإحدى فقراتها تخيير أصحاب المناصب من ذوي الجنسية المزدوجة بين إسقاط الجنسية المكتسبة والإعفاء من المنصب خلال مدة لا تتجاوز 30 يوما، وكنت قد كتبت مقال سابق عن ازدواجية الجنسية بعنوان:
(هل يستقبل ديفيد كاميرون رئيس الوزراء العراق بصفته مواطن بريطاني ام رئيس حكومة العراق؟
ولا اريد ان اكرر ما ورد فيه عدى ما يتعلق بمقالنا هذا؛ وكان النائب عن التحالف الوطني عبد الحسين الموسوي، قال في 26 من اب الماضي (ان اي مسؤول في الدولة لم يتخلَّ عن جنسيته المكتسبة، بينهم رئيس الوزراء حيدر العبادي).
وكثير من دول العالم تسمح بتعدد الجنسية، وقوانين كل الدول التي تعمل بازدواج الجنسية، تنظم العلاقة بينها وبين حاملي جنسيات دول أخرى، بوضع ضوابط من أجل حماية مصالحها الوطنية وقواعدها الدستورية ومواقعها السيادية، لهذا ترفض أن ينوب أي مواطن أجنبي أكتسب جنسية بلدهم مناصب سيادية، وفي العراق، هناك اشخاص تبوأ كثير منهم مناصب سيادية، وكان عليهم ان يتخلوا عن جنسياتهم المكتسبة بحسب الدستور والمصالح العليا للبلد، التي تحتم وتوجب على الدولة وخصوصا البرلمان بان لا يكون مجبر على دخول مزدوجي الجنسية حلبة التنافس على المناصب في الدولة.
ولا اعرف ماذا قصده السيد رئيس البرلمان من تخيير أصحاب الجنسيات المزدوجة بين اسقاط جنسيته وتبوء المنصب السيادي او تركه المنصب السيادي والبقاء على جنسيته المكتسبة، أي ما هي الالية؟ هل من خلال استمارة توزع عليهم ام من خلال تشريع القانون، لان تحديد المدة بثلاثون يوم تجعل الذهن ينصرف الى الية بعيدا عن تشريع القانون، ولاعتقادنا ان ذلك لا يتم الا من خلال قانون؛ لذا سنكمل مقالنا بناءا على ذلك.
في 16 تموز من العام الماضي، اقر مجلس الوزراء، قانونًا يقضي بإلزام الذين يشغَلون مناصب سيادية بالتخلي عن جنسياتهم المكتسبة والإبقاء على الجنسية العراقية، وارسله للبرلمان والبرلمان من واجبه ان يقوم بتشريع هذا القانون حتى لو سحبته الحكومة لجهة ان تشريعه ليس فيه التزامات مالية حتى تعترض الحكومة عليه وعدم تشريعه يعد انتهاك خطير لعمل البرلمان؛ بخاصة ان البرلمان في ورقته الإصلاحية حدد ثلاثون يوما لإتمام ذلك، والعراق يشكو بان غالبية هرم السلطة في الدولة العراقية من مزدوجي الجنسية والولاء ابتداء من رئيس الوزراء الى حوالي ثلاثون سفير مرورا بالكثير من قادة الكيانات السياسية الذين يتبوؤون مواقع سيادية في الدولة العراقية، وانتهاءا بالنواب والوزراء اللذين يمتلكون جنسيتين ويشكلون أكثر من 20% من المسؤولين (تصريح أسامة النجيفي)، والكارثة تكمن في أصرار العراقيين (الاجانب) في الاحتفاظ بتلك الجنسيات الاجنبية رغم عودتهم الى العراق وتبوئهم أعلى المناصب.
ما هو سبب توقف البرلمان عن اجراء اصلاحاته التي أعلنها، منها مسالة تشريع قانون منع مزدوجي الجنسية من تبوء المناصب السيادية والأمنية؟
ان الدستور العراقي واضح وصريح في المادة (18/رابعا)، حيث حدد قضية التخلي عن الجنسية المكتسبة بفقرة لا عودة فيها امام من يتسلم أي منصب سيادي او أمنى، ولا يعني منح الدستور الخيار للشخص المزدوج الجنسية ان يكون في صدارة المناصب السيادية؛ لان القاعدة التي اقرها الدستور هي منع ازدواجية الجنسية للمناصب السيادية لان هذه المناصب حساسة وتمس الامن القومي للبلد فلا يجوز التساهل او اسقاطها لأسباب شكلية تتعلق بسن قانون تنظيمي، فهناك ضرورة لوقف تبعية التجاوزات على الحقوق السيادية للدولة، من خلال سن القانون لتفعيل الدستور وعدم سن القانون من قبل البرلمان بعد إعلانه اصلاحاته؛ يعد انتكاسة خطيرة في مصداقية عمل البرلمان، والموقع السيادي لا يحتاج توصيفه الى قانون او فتاوى قانونية؛ لان اغلب دول العالم اجمعت على ان كل عنوان وظيفي يتطلب أشغاله اصدار قرار رئاسي أي (مرسوم جمهوري او ارادة ملكية) يعتبر موقع سيادي.
ان تقاعس مجلس النواب عن سن هذا القانون يُعد تنصل عن المبادئ والقيم البرلمانية المتعارف عليها، ونحر لمضامين الدستور وقواعده، وقفزا على القيم الوطنية، بخاصة ان عضو مجلس النواب لا يمثل دائرته الانتخابية وإنما يمثل الشعب فلا يمكن لهذا العضو المزدوج الجنسية أن يكون مجزئ الانتماء والولاء، والبرلماني او المسؤول في الموقع الامني والسيادي لديه اسرار البلد ومصالح البلد وهو صاحب قرار فربما التزامه بجنسية اخرى نتيجة قسم معين او تأثير خارجي قد يؤثر على الامن القومي للبلد.
ان ورقة البرلمان الإصلاحية وعدم تنفيذها؛ لا تعبر إلا عن حالة هروب للأمام؛ لأن البرلمان معبأ ببرلمانيين لا يفقهوا ابجديات العمل البرلماني وهناك اتهامات بممارسة اللصوصية لبعض النواب، وان ورقة الإصلاح البرلمانية في راي المتظاهرين مجرد واجهة ديكور لا تعبرعن واقع التغيير الحقيقي، الذي لابد ان يبدأ بإجراءات ميدانية على الأرض من خلال إحالة المفسدين والمعروفة أسمائهم وعناوينهم إلى المحاكمات فورا والمصادقة على الاتفاقيات الخاصة باسترداد الاموال، وعلى البرلمان الإسراع بسن قانون يمنع به مزدوجي الجنسية من تبوءا المناصب الحساسة والسيادية لان هذا الولاء المزدوج دفع اكثريتهم الى محاولة استغفال الناس والاستيلاء على أموال العراق؛ لأن البلد الذين يحملون جنسيته يؤمن لهم الصيغ المطلوبة لغسيل الأموال المسروقة.
التجربة اثبتت ان مزدوجي الجنسية من المسؤولين العراقيين (عائلاتهم وابنائهم في دولهم) بقاؤهم في العراق مؤقت وان ولاءهم هو لبلدانهم الأخرى، والأكثر غرابة بان كثير منهم من الإسلاميين فهناك معمم دنماركي واخر أيرلندي واخر نرويجي واخر بريطاني واخر استرالي، ومنهم من يوجه الانتقاد للشباب العراقي على هجرتهم، وان الدين الإسلامي يدعو الناس الى عدم العيش في بلاد الكفر في حين انهم كانوا ولا زالوا يتسابقون اليها ويحجزون لأبنائهم أماكن في هذه البلدان.
ان الرئاسات الثلاث وخاصة رئاسة البرلمان تقطعت اوتار حناجرها في سبيل المطالبة بالإصلاح وتقاعست اياديها عن تنفيذها، ونست او تناست ان المعالجات الحقيقية في حالة صدورها من البرلمان لملفات الفساد(تأخير تشريع القوانين وعدم الوقوف بجدية تجاه الترهل الإداري وخفض الحمايات والمستشارين وصرفيات الأموال وعقد الاتفاقات المحاطة بظلمة الاستغفال لتمرير اجندات فيها من المصالح ما يخفى وعدم محاسبة البرلمانيين الغائبين وغيرها) ستكون معالجات لإبعاد التهم ورمي الجمرة في حضن الآخر والقاء المسؤولية على اخر لمحاولة تبرئة الذات منها، والإصلاح المنشود يا برلماننا العزيز ان تبدؤوا بأنفسكم بضرب عناوين الفساد البارزة التي لعبت بمقدرات الأمة حتى جعلت الفساد عبارة عن امبراطورية كاملة متكاملة الأركان، تهدد كيان الدولة ووحدتها، لن يكون للإصلاح معنى او واقع ما لم يقف المسؤولون عن ضياع اموال الدولة ونهبها في قفص الاتهام ليسالوا عن نزيف الدم ونزيف الأموال ويسألون عن ارقام فلكية اختفت بقدرة فاسدين.
لقد حاول مزدوجو الجنسية من السياسيين ان يسوقوا أنفسهم بصفتهم الطائفية؛ لأنهم حسب قول بريمر ليس لديهم قاعدة شعبية ولكي يؤثروا في الناخبين ليصوتوا لهم، استثمروا تواجدهم في المناصب السيادية والحساسة لجني المال ليدخل في حساباتهم في الدول التي يحملون جنسياتها واصبحوا في تلك الدول من كبار لوردات الفساد، وفي ذات الوقت يتمتعون في سفراتهم بمرأى شوارع المدن المضاءة النظيفة والحدائق والغابات الخلابة وتركوا مدن العراق مرتعاً للقمامة، لأنها ليست مدنهم، وغيرها من الكوارث التي تسبب فيها مزدوجو الجنسية، فغالبيتهم تركة ثقيلة، فساد في فساد في فساد، وحيثما وليت الوجه لا ترى غير الفساد، وهل هناك مجال في البلد لم يغزه بل لم يعشش فيه الفساد، والغريب العجيب أن من آلت له السلطة أو بعضها يدعي أن الشروط مواتية للإصلاح، وان الإرادة السياسية متوفرة، اذن من هو الفاسد؟
لا يعتقدُ وطني منصف، أن رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية او الوزير او البرلماني، يمكن أن يعيش بجنسيتين، واحدة يستحقها بالولادة، وأخرى اكتسبها بالهجرة، وهناك ضرورة لحسم القضية لصالح الانتماء الوطني وليس مصلحة الشخص، وإلا فليترك المسؤولية العامة، ويعيش وفق ما يريد.
وأخيرا: انقل لكم أروع قرار قضائي يجسد حالة ازدواجية الجنسية بكافة زواياه وبدقة، صادر من هيئة مفوضي مجلس الدولة المصري في حكم لها ((ازدواج الجنسية هو ازدواج الولاء، ... أن الحصول على جنسية أخرى غير الجنسية المصرية يعني أن الولاء أصبح منقوصا، في حين أن النيابة عن الشعب المصري تتطلب ولاءا مطلقا لمصر، ... أن الدستور ينص على الإيمان العميق بالوطن لنائب البرلمان وليس مجرد أن يكون من أبويين مصريين. .. ان هدف القانون المصري من الأخذ بازدواجية الجنسية، هو طمأنة المصريين الذين يقيمون في الخارج على حقهم في العودة الى الوطن الأم، وهو ما يمنحهم قوة نفسية في كفاحهم في دول المهجر، فإذا ما انتهت إقامة المصري وعاد وأقام في مصر ومارس العمل فيها، هنا تزول الأسباب الداعية الى احتفاظه بالجنسية الأجنبية، إلا إذا كان حمله للجنسية الأجنبية يمثل شرفا له يرفض التنازل عنه أو يمثل له حماية من دولة أجنبية، وكلاهما اعتراف صريح بعدم الولاء للوطن الأم، والمصري الحقيقي المعتز بجنسيته المصرية يرفض أن ينازعه في ولائه أي وطن آخر مهما كان )) .
797 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع