أ.د.علي احمد المعماري
اهتمت الشرائع السماويه ولا سيما الاسلاميه منها بالاسرة لانها اصل بناء المجتمع,واسس الاسرة تتجسد في قيامها على اركان ثلاثه مهمة لعل اهمها التكافل بعد اسداء الخبرة والمعرفة الصالحة لابنائها,
ولقد اكد الاسلام ذلك..وان الغرم بالغنم مادامت النفقه واجبة للفقير على الغني وللولد على الوالد...فالمجتمع الاسلامي والمجتمع العراقي في صميم هذا المجتمع – يموج في ظلمات الفقر والعوز على الرغم من ان الناس فيه متفاوتون في درجة الغنى والفقر,لم يجعل الناس طبقات بسبب الغنى والفقر لكنه وضع الاسس لمعالجة الفقر وتيسير اسباب الحياة الافضل للناس..وقد علمنا ان الكوارث والحروب ونقص الموارد بسبب انقطاع الغيث او التناحر غير اللائق بالامة تؤدي الى فوارق طبقيه يقع ضحيتها اولاد الاسر الفقيرة خاصة فتظهر ظواهر غريبة تكون هي السبب في طبع تلكم الامم بطابع الطبقية , كون فئة من المجتمع تقوم مصالحها على حساب الاخرى وتنتفع او تعيش الرفاهية على حساب ويلات الاخرين...
لقد دفع ذلك العائلات الفقيرة الى سلوك كل سبيل قصير يدر عليها المال مهما كان,لضعف التدبر وقلة المعرفه التي ظلت لاشك ناتجة عن استحواذ الحيتان على اللحم في الماء وأكل صغارها او دفعها الى الهرب الى حتفها عن طريق اخر اشد قساوة. فترك الدراسة واللجوء الى سلوك سبل متعددة اسهلها التسول بعد ان تنزع الحاجه الى العيش وقليل المال الحياء يبلد الاحساس بالعيب وقد جاء في الحديث الشريف قوله عليه السلام.."اذا لم تستح فأصنع ما شئت"
فيصبح التسول سبيلا لجلب الكسب من غير ما حاجة الى جهد ورأسمال وموارد اخرى. لقد سادت الظاهرة حتى اصبح البلد يعكس صورة سيئة لمجتمع يعد- بثرواته في المجتمعات العالمية.
من اغنى المجتمعات, وهو كذلك حقا غير ان الظرف قلب المعادلة فأصبح فريق كالمهراجات زاخرين بالمال واخرون يجتمعون في اسواق القمامة والتسول. كما اصبح فقدان الترابط الاسري نتيجة ماتم ذكره من اهم افرازات الحياة الاجتماعية المتردية فضلا عن حالات الطلاق الناتج عن سوء تقدير او فشل في اختيار الاسرة المثالية بسبب الجهل والأمية وسوء التدبير والتفريط في السياسة الحكيمة لدن بعض الساسة الذين لم يعودوا ينظرون الا الى مصالحهم الخاصة سوى من رحم ربي منهم..
ان ظاهرة التسول والتكسب في الشوارع من الظواهر المنتشرة هذه الايام وقد غدت تأخذ اشكالا متنوعة ومتعددة من التجارة المنظمة الى بيع الحلويات الى التكسب بالظهور بمظاهر مزرية, وعادة يقوم بها كبار السن والاطفال الصغار حيث يتعلمون كلمات لها دلالة اجتماعية ونفسية لكي تلقى استجابة من الاخرين ويمكن ادراج اسباب الانتشار الى عدة عوامل ساهمت في وجود هذه الظاهرة منها:
1_ اليتم: اذ تعد ظاهرة اليتم في مجتمعنا منتشرة تمس شريحة واسعة جدا من المجتمع وذلك بسبب الاوضاع السياسية المضطربة والحروب التي مر بها البلد على مر العصور الماضية والتي اودت بحياة الكثير من الآباء والشباب. وبعدها الحصار الاقتصادي ومن ثم الصراعات الحالية التي تحصد ارواح الشباب ايضا,لهذا صارت لدينا فئة واسعة من الارامل والايتام يعيشون في ظل بطالة وعدم توفر العمل في المدن خاصة,حيث يضطر هؤلاء الى التسول من اجل العيش بعد ان فقدوا ماء الوجه رغما عنهم.
2_تسرب دراسي: تعتبر ظاهرة التسرب من المدرسة ظاهرة غير حضارية لأنها تحرم الطفل الصغير من المعلومات الاساسية المطلوبة لحياته ومجتمعه ووطنه وكيفية مراعاة الاداب والسلوك والتصرف, لهذا عندما يتسرب التلميذ سوف يلجأ الى الشارع الحاضنة الوحيدة له بعد ان يكون قد خسر حاضنة التعليم والتربية لعدة اسباب منها التفكك الاسري والصراعات العائلية والاهمال المفرط من قبل الاسرة.
3_التشرد: اما بعد ان يصبح الطفل بلا مأوى وبلا تنشئة اجتماعية تأقلمه مع المجتمع بسبب التشرد والتجوال بدون هدف ولا غاية محددة فأئما يهدر الوقت والعمر ويصبح فردا ليست لديه قيمة لاي شئ لانه يعتبر الحياة عبئا ولا تستحق العيش.
4_سهولة التبرير:وهي سمة تصبح لدى الطفل بعد ان يفقد قيمة ذاته ونفسه واحترامه للمجتمع وبالتالي يفقد الهدف والغاية من الوجود والعيش والتفكير بالمستقبل , لهذا يلجأ الى التبرير في ظل المواقف التي يواجهها في حياته التي اصبحت مجرد عبئ ولا جدوى لها.
اهم الجذور التي تعود الى اصل التسول يعتبر التسول عادة ظاهرة غير مقبولة اجتماعيا على مر العصور فهو عمل مخالف للعادات والتقاليد والقوانين والشرائع والاديان بعكس العمل الذي هو مقدس. لهذا يعتبر التسول انحرافا او حالة مرضية يمر بها المجتمع عندما تتبدل الاوضاع القائمة فيه من حال الى اخر ,وتصبح قواعد الضبط الاجتماعي اخف نوعا ما, لتبرز هذه الظاهرة المرضية.
وعادة تظهر ظاهرة التسول في المناطق الانتقالية والمختلطة التي يصبح فيها المعيار غير واضح تماما,فهي لا توجد في المناطق الريفية جدا والمتحضرة انما تظهر في المناطق الشعبية المختلطة التي تسودها اشكال وانواع من السلوكيات والتصرفات التي تبيح كافة الاعمال الى حد ما من اجل العيش بالاضافة الى ذلك ان ظاهرة التسول تعكس المرحلة الحضارية التي يمر بها المجتمع حين يمر بظروف تدهور وعدم وضوح السبل وعدم وجود موارد سهلة للتكسب ايضا,ليختلط فيه الانسان المحتاج فعلا بالدخيل والمقلد وتضيع المعايير.
وبالنهاية تمثل حالة مرضية لها اسباب وجذور وعوامل تؤثر على المجتمع لا بد من الالمام بها لمعرفة حجمها وعمقها وكيفية معالجتها بصورة علمية واقعية.
اننا بهذا الصدد نتوجه بالدعم والمبادرة الى الجهات المسؤولة والتي لها شأن في المجتمع من اجل تشغيل فريق عمل للألمام بهذه الظاهرة.وان تكون له رخصة ودعم معنوي ومادي, ويقوم بدراسة واقعها عن قرب دراسة ميدانية اجتماعية اقتصادية من اجل الوصول الى حل لها.
بعدها يمكن على ضوء الدراسة وضع النقاط على الحروف ومعالجتها للتوصل من خلال هذه اللمحة المتواضعه الى عدة مقترحات وهي كالاتي:
1_ دراسة الظاهرة بصورة علمية.
2_تأسيس دار للمشردين فعلا والأيتام وتوفير عمل مناسب ليصبحوا افرادا ناصحين بدلا من كونهم عالة على المجتمع.
3_ منع التسول بصورة رسمية في الشوارع مع مراعاة المحتاج فعلا والتكفل به وايجاد عمل له.
وفي النهاية نوجه هذه الرسالة الى كل الجهات المعنية بالظاهرة سواء فيما يخص الدراسة والبحث التي تتكفلها الاقسام المختصة في هذا المجال في الجامعات او في الرعاية والدعم التي تتمثل بمجالس المحافظات ممثلا بالسادة المحافظين ودائرة الرعاية الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني وكل جهة بأمكانها المساعدة في ايجاد حلول لهذه المشكلة.....
643 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع