تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً
القائمقام أبوعَـزام !
رواية واقعية تنقصها الصـراحة,من الحياة الأجتماعية
في العراق,.. في الحقبة بين سنة 1948- 1958م
أعتاد معظم الأهالي في قضاء الشطرة والقرى في أطرافها,.. التوجه في كل يوم صباحاً ومسـاءاً نحوقصـرشـيخها خيون آل عبيد للسلام عليه, والتحاورمع بعضهم,عن مشاكل المدينة وما يسمعونه من الأخبارمن أذاعة لندن وصوت العرب,.. وما أن يدخل الزائر, ويؤدي السلام على الشيخ والمحيطين به, حتى يأخذ له مكاناً في الديوانية, ثم يقدم له السـاقي فنجاناً من القهوة العربية, فيرتشـف منه كمات صغيرة,ثم يهزالفنجان ليبين للســاقي كفايته,وعدم رغبته بالمزيد!
وفي أحد الأمسيات, وبينما كانت الديوانية مكتظة بالزوار,يقف (الحاج راضي), وهو ممن عرفوا بفصاحة لسانه وتحمسه لحل مشاكل الأهالي, ومن المقربين للشيخ خيون, فيعم الصمت قليلاً, ثم يلتفت للشيخ مسـتأذناً منه الكلام,.. فـيشيرله الشيخ بالموافقة,.. ويبدأ (الحاج راضي ), بألقاء كلمته بالسلام على محمد وآله وأصحابه, وعلى معالي الشيخ خيون والحضور, ويقول :
* عندي شكوى على قائمقام المدينة,..فيبتسم الشيخ, و يسأله: شنوبيه؟ هل أخذ رشوة من أحد؟ فيسكت (الحاج راضي) ليسترجع أنفاسه ويقول: ياريت يا محفوظ,المسألة أعمق من الرشوة !
فيندهش الشيخ,.. ويطلب منه توضيح كلامه؟,.. فيستطرد (الحاج راضي) قائلاً:
لقد فقد هذا الرجل أي أحساس بالمسؤلية, وتجاوزكل الخطوط الحمر!,حيث يقف صباح كل يوم مرتدياً دشداشـتة البيضاء الشفافة عند باب داره المقابلة للشريعة في الصوب الثاني, لينظر نحوالصبايا, أثناء تزودهن بالماء أوغـسـلهن الصحون والملابس,أوالسباحة بملابـسـهن بعض الأحيان, فيبتسم الشيخ , ويرد متهكماً على (الحاج راضي), لكي يسـتفـزه ويكشف كل ما يريد قوله عن ذلك القائمقام!, وما أن ينتهى (الحاج راضي), من خطابه, حتى يجيبه الشيخ : (وشــنـو فيها هل هذا عيب ؟), ما تخليه يبصص,.. ثم يسـود الصـمت الرهيب! ويُعقب الشيخ على ما سـمعه, قائلاً: المفروض من (نسوان وصبايا المدينة),...أن يظهرن الحشـمة وخاصة في الأماكن العامة وأن لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى!, فيـفهم (الحاج راضي), قصـدَ معالي الشيخ من نقده لتصرف الجنس اللطيف!!, ويقول: يا محفوظ ماكو واحد من أهل المدينة يَســتر النظر للشريعة, فالكل هنا يعتبرون عائلة واحدة,و(ياويله) من يجرأ على تجاوزحدوده وخاصة الغرباء عن البلدة, ثم يطرح مشكلة أخرى قائلاً: لو كان الموضوع مقتصراً على التحرش, لما تطرقت للموضوع,.. ولكن تصرفات القائمقام تجاوزت كل الحدود المتعارف عليها, حيث أنه في معظم الليالي يسـهرمع رفاقه الموظفين,عند الغجر(الكاولية) في اطراف المدينة!,... فيبتسم الشيخ بمرارة, و ينظر نحو(الحاج راضي),لأجل كبح أنفعاله ويسأله: وهل هناك شـيئ آخر لم تذكره؟, فيرد (الحاج راضي), بعصبية:
* والله,..يامحفوظ أنني أتحشم أن أسرد عليكم أفعاله المشينة, وتكررتحرشه بالصبايا القرويات بائعات الروبة والكيمرر, والبارحة يا شيخنا تحرش بـالصبية " نسمة " ألا أنها لقنته درساً لن ينساه!, فأستغرب الشيخ لما سمعه,.. وســـألهُ : وماذا فعلت له ؟, هل ضربتهُ ؟!, فيجيب : لا.. يا محفوظ, (شـمَرت),عليه صينية الكيمر, وصار(كله على بعضه, كيمر, بلا عسـل!),.. ولما أراد مـَسكها, طفرت سياج الحديقة وهربت مذعورة نحو(علوة البلدية) ورمت نفسهاعلى أمها!
بانَ الغضب على الشيخ , وقال: لا, هذا الأمرما ينسكت عليه, لازم يعرف حدوده!,..وفوراً
قال الحاج راضي : قبل أسبوع زَجَ المثقفين وطلبة الكليات والمدارس بالتوقيف (التخشيبة),.. على أساس أن لديهم مخطط لأحتلال سراي الشطرة عندما يحدث انقلاب في بغداد,... فيبتسم الشيخ بمرارة, ويعلق على ذلك فيقول موجهاً كلامه للحضور في الديوان :
* ليش حكومة الباشا في بغداد من كارتون حتى يستطيع هؤلاء من قلبها؟!
* والله يا محفوظ الشباب كلهم يريدون الخير للوطن, ولكن والحق يقال : ما تعجبهم تصرفات القائمقام مع الأهالي وكتبوا عن أعماله في الصحف وأخاف من وصول صوتهم الى الأحزاب في بغداد, فتخرج مظاهرات مؤيدة لهم, ولذا أراد أسكاتهم والتخلص منهم, لتقديمهم له مذكرة قبل ايام, تحوي المخالفات والفساد في البلدة, مثل: تهريب السمك الى بغداد ليلاً مما يسبب قطع غذاء الفقراء, وصمته عن البضائع المهربة من خارج الحدود,.. بالأتفاق مع شرطة الكمارك وحراس الليل (الجرخجية) ,..والكل يدفع له الرشاوي حتى يلتزم الصمت!
* يزداد الشيخ غضباً ويؤشـر للحاج راضي طالباً منه الجلوس, ويوجه كلامه لضيوفه قائلاً : لا يمكن السكوت على مثل هذه التصرفات المخزية التي سمعناها, كما لا يمكن تركه يتمادى أكثرمن ذلك, فقد تجاوزالخطوط القانونية ولا يمكن السماح له بالتطاول اكثر!
فهذه الأمورلا تخص الشطرة وحدها, بل تؤثرحتى على الوزارة في بغداد , ولا بُدَ من زجره على الفورمن كل تصرفاته المشينة,.. وألا فسوف أتصل بالجهات العليا لنقله من الشطرة !
** وفي صباح اليوم التالي من أتهام (الحاج راضي) لقائمقام الشطرة,.. أستدعي الى السـراي للتحقيق معه!,.. وما أن جلس أمام مأمورالشرطة حتى بدأ بأستجوابه:
مأمورالشرطة المحقق مع الحاج راضي
* قل لي يا حاج راضي,هل تكلمت اليوم على سعادة القائمقام بديوان الشيخ؟!
* نعم,هذا ما حدث, فقد نقلت كلام الأهالي الى شيخ المدينة, وبحضورجمع غَـفـيرمن الأهالي, حول تصرفاته, وطلبتُ من الشيخ أن يضع حداً له,.. من حيث أن الموظف الفاسد لايؤثرعلى المدينة فقط, وأنما تأثيرة يسيئ للحكومة في بغداد أيضاً! وأنت تدري,أن الشيخ خيون هوعضو بمجلس الأعيان وتهمهُ معرفة كل ما يحدث في المدينة وعلائق القائمقام بالموظفين وبالأهالي.
*** يغضب مأمورالشرطة ويقول للحاج راضي :هذا الأمرلا يعنيك, وليس من اختصاصك,
فانت ليس محامياً, ولم يكلفك أحداً بالكلام نيابة عنه؟!
** يبتسم (الحاج راضي) بسخرية ويقول : أذا كان هذا الأمرلا يعنيني, وكل فرد في المدينة ليس له علاقة بالموضوع,..فمن الذي يمنع أنحراف الموظفين ويمنعهم من التمادي بالأعتداء على حقوق وشرف الأهالي!,.. فيصـت الحاج راضي للحظات (مُبحلقاً) بوجه مأمورالشرطة فيطلب منه مأمور الشرطة, التوقيع على اعترافاته, ويقدم له القلم,.. فيمتثل الحاج لأمرالمأمور ويقول له : ممنون وحاضر,..وعلى الرحب والسعة!
ثم يرفع (الحاج راضي) الورقة ويقرأ ما دون فيها, ويستغرب لما دونه المامور من أقوال لم يقلها !, وتظهرعليه علامات الوجوم والتعجب؟!,.. ويقول لمأمور الشرطة بحدة :
** ما الذي كتبته؟, أنني لم أشتم الملك, ولم أشتم أي فرد في الدولة, أنني أخبرتُ الشيخ عن تصرفات القائمقام والفساد الذي فاحت ريحته, ويغضب (الحاج راضي) ويمزق الورقة!,...
فيذعـَرمفوض الشرطة من تصرف (الحاج راضي)!, ويستغرب مما فعله!, ويسأله بعصبية :
* ماذا فعلت يا حاج راضي؟! فيجيبه الحاج بغضب وتحدي ويقول له : لماذا تلفق علي كلاماً لم أقله؟ ألا تخاف الله؟ وتحترم القسم الي أديته لتكون عادلاً بين الناس,.. وكاد أن يتفوه بكلمات نابية,..ألا أنه تعوذ من الشيطان , ثم جاء أحد أعوان الشرطة وقاده الى غرفة التوقيف, فامتثل الحاج لأمره!,..وساربمعيته وهو يردد : أشكوك يا الله !
يتبع في الحلقة /السابعة,..مع محبتي !
للراغبين الأطلاع على الحلقة الخامسة:
http://www.algardenia.com/maqalat/19336-2015-10-04-08-29-45.html
674 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع