النجاح صناعة أم حظ؟

                                             

                                   زينب حفني

استقطب مقطع على «يوتيوب» آلاف المشاهدين، ويتضمن المشهد قاضية تحكم على مجرم بالمؤبد، مذكّرة إياه بعد النطق بالحكم أنها كانت زميلة له في الدراسة بالمرحلة المتوسطة، وكيف كان وقتها من ألطف الأطفال، ناصحة إياه بتغيير نفسه نحو الأفضل، خاتمة حديثها له بالقول بأن من المحزن أننا كبرنا في العمر.

تأثرتُ كثيراً بالمشهد، ولا أدري إن كان حقيقيّاً أو تم جزُّه من أحد الأفلام الأميركيّة! فمع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح من الصعب التفريق بين الحقيقة والزيف، وبين الواقع والخيال، لكن في النهاية أثار هذا المشهد في نفسي الكثير من التساؤلات!

هل نحن الذين نصنع نجاحاتنا، أم أن الظروف التي نمر بها بباكورة عمرنا هي التي تصنعها لاحقاً؟ هل بالفعل هناك أناس محظوظون تفتح لهم الدنيا ذراعيها عن آخرها ويُصبحون ملء السمع والبصر من دون أن يسعوا قيد أنملة لخلق هذا النجاح الباهر؟ وهل هناك فئة أخرى تظلُّ تحفر طوال الوقت في الصخر بأيديها وبأرجلها بغية الوصول لمرادها، ولا تنال إلا أقل القليل، صارخة بمرارة.. لماذا حظّنا قليل؟

لا أُنكر أنني عرفتُ كثيرين حاولوا أن يجدوا لهم مكاناً رفيعاً بمجتمعاتهم، لكن الحظ لم يُحالفهم أينما ذهبوا، مما أدّى إلى قوقعتهم على أنفسهم وندب حظّهم العاثر! وعرفتُ أناس على النقيض، استطاعوا تحويل التراب إلى ذهب بغمضة عين دون أن يُجاهدوا هنا وهناك لتحقيق نجاحاتهم!

هذا لا يعني أن نأخذ هذه النماذج قاعدة عامة، وأن الإنسان نجاحاته مرتبطة بحظّه! أنا أؤمن أن الظروف المحيطة بالمرء لها دور كبير في تحقيقها. الأسرة لها دور كبير في النجاحات، وكم من آباء وأمهات بسبب لومهم الدائم لأبنائهم ونعتهم بالفاشلين، كانوا عاملاً في انزلاقهم بمنتصف الطريق! وكم من مجرمين كانوا ضحايا أسرهم وسبباً مباشراً في تورّطهم بجرائم وانتهاء حياتهم في السجون!

بلا شك الظروف التي يمر بها الإنسان منّا في بداياته، هي التي تُحدد مساره مستقبلاً. وعودة إلى المشهد السينمائي الذي شاهدته، أعتقد بأن هذا الرجل قد مرَّ بظروف قاسية! ربما غياب الأب عن البيت وقلة حيلة الأم والفقر المدقع الذي عاش فيه، كانت من العوامل التي أدّت إلى سقوطه بمستنقع الجريمة! ربما كانت طموحاته أكبر من قدراته وهذه مصيبة أخرى! فليس هناك أصعب على المرء من أن يحلم بتحقيق الكثير ولا يملك سوى القليل من المواهب!

هذا كله لا يعني الاستهانة بالإرادة والرغبة الملحة في الوصول للمراد. فكم من أناس ولدوا معدمين وظلَّ حلمهم يتراقص أمامهم إلى أن جعلوه حقيقة ملموسة. لذا لا يجب أن يتخلّى أيٌّ منكم عن حلمه بسهولة! هدهده وهو بالمهد. ضعه بين جفني عينيك وأنت تغطُّ بالنوم كي لا يسرقه أحد منك. اقبض عليه بقوة بين أصابعك وأنت تتخبّط في لجج الحياة كي لا يتوه منك للأبد. لا تيأس وتقول مثل الكثيرين: «اعطيني حظ وارميني في البحر!». فالبحر قد يقذفك بأمواجه العالية نحو شاطئ مهجور لا حياة للآدميّة فيه، وتموت بنهاية المطاف وحيداً! وقد يدفعك نحو جزيرة خضراء لكنها مجهولة الهويّة! لذا لا بد أن تُجدّف بكل ما أوتيت بقوة نحو هدفك المنشود. انسَ آلامك، أحزانك، انتكاساتك، وتذكّر أن تحمي حلمك بقوة، وعندما تصل لمبتغاك قل واثقاً.. بإرادتي صنعتُ حلمي. أحلامنا تُولد معنا ونحن في أحضان أمهاتنا من دون أن ندري، وعندما نُدرك معنى الحياة علينا أن نقوم بحمايتها كي لا تموت بين أذرعنا. لعبة الحظ جميلة لكن النجاح المبني على الإرادة أجمل.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1385 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع