أ.د. محمد الدعمي
إن التعامي الذي تعكسه سياسات بعض الدول الإقليمية حيال معطيات الواقع لا يمكن إلا أن يسحبها إلى متاهات ومزالق قد يصعب تجاوزها في وقت آخر. وهذا بالضبط ما يزيل التهمة غير المنصفة التي تفيد بأن سياسات السلطنة الخارجية تعد خروجًا على معطيات هذه الهيئة أو تلك الجماعة، ذلك أن سياسة سلطنة عمان الخارجية تعتمد الثابت، وليس المتغير..
ربما لا يدري القائمون على السياسة الخارجية لسلطنة عمان بما تحتفظ به حكومات دول العالم من انطباعات عن هذه السياسة، بيد أني أذكر جيدًا بأن الحكومة العراقية أشاعت انطباعها بتفرد السياسة الخارجية العمانية بعد مؤتمر قمة بغداد (1979) الذي صمم على أساس مسبق يهدف إلى عزل مصر عهد أنور السادات عن الجسد العربي آنذاك. قال المسؤولون العراقيون في دوائرهم الخاصة إن تحفظ السلطنة على قرارات المؤتمر إنما مرده خصوصية العقيدة التي تقود السياسة الخارجية العمانية. ولم تلبث هذه المناسبة حتى أكدت خصوصية وتفرد سياسة السلطنة من محك لآخر على نحو متواتر يعكس “هندسة” متفردة تكمن وراء هذه السياسة المتوازنة التي تضع السلام، ثابتًا، على رأس أولويات أنشطتها على نحو واضح.
وإذا أخذت المحطات والمحكات التي تؤكد صحة ما نذهب إليه أعلاه تتوالى الواحدة تلو الأخرى للبرهنة على أن هذه السياسة لم تحد قط عن خطوط دلالاتها الأساس التي تبدأ بعمود السلام، قبل كل شيء. ولذا جاءت زيارة معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية لدمشق قبل بضعة أيام دليلًا إضافيًّا على ما سبق ذكره من توازن هذه السياسة.
أما إذا ما شاء المرء تحديد سجايا هذه السياسة الخارجية الأنموذج، فإن له أن يلاحظ بأنها: (1) سياسة واقعية، بمعنى أنها لا تقفز على معطيات الأمر الواقع بسبب متغيرات زائلة؛ و(2) سياسة غير اندفاعية، بمعنى أنها لا تستجيب للعواطف المارة التي غالبًا ما تقود إلى زوايا محرجة؛ كما حدث في مؤتمر بغداد المشار إليه في أعلاه؛ (3) سياسة بعيدة النظر، بمعنى تجنبها التعامي عن الحقائق الجيوستراتيجية لأسباب مؤقتة، بمعنى أن عدائية دولة ما لدولة جارة أخرى لا يمكن أن تزيل تلك الدولة الجارة من الوجود، فتحذفها من الخارطة اليوم وإلى الأبد؛ (4) سياسة عدم انحياز مثالية، بمعنى عدم إمكانية استدراجها إلى مواقف منحازة ضارة بواسطة التحالفات أو التكتلات الإقليمية أو الدولية.
إن التعامي الذي تعكسه سياسات بعض الدول الإقليمية حيال معطيات الواقع لا يمكن إلا أن يسحبها إلى متاهات ومزالق قد يصعب تجاوزها في وقت آخر. وهذا بالضبط ما يزيل التهمة غير المنصفة التي تفيد بأن سياسات السلطنة الخارجية تعد خروجًا على معطيات هذه الهيئة أو تلك الجماعة، ذلك أن سياسة سلطنة عمان الخارجية تعتمد الثابت، وليس المتغير، لأن المتغير في زوال، بينما الثابت باقٍ شاء المرء أم أبى.
لذا جاءت زيارة معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية لدمشق، لتقدم الدلائل على ما ذهبنا إليه، فبغض النظر عن النظام القائم هناك وطبيعته وما كيل عليه من تهم، جاءت الزيارة لتؤكد أنها، في جوهرها، زيارة مسقط لدمشق، بمعنى أنها، أولًا وأخيرًا، زيارة عمانية لسوريا، وهي الثابت حسب حقائق عالمنا العربي. المهم عند مهندس السياسة الخارجية العمانية هو بقاء الشقيقة سوريا وتماسكها في منأى عن مخاطر التفتيت والتقسيم التي أسهمت التسبب بها عدة جهات، مدفوعة بـ”المتحول”، وليس بـ”الثابت”، للأسف.
1385 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع