د.منارالشوربجي
الأسبوع الماضى كان كوميديا بامتياز فى واشنطن، ليس فقط فى الحملات الانتخابية لمرشحى الرئاسة وانما دخل على الخط الرئيس الأمريكى بنفسه.
بدأت الكوميديا بالمناظرة السياسية بين مرشحى الحزب الجمهورى لمنصب الرئاسة والتى أجرتها شبكة إن بى سى الإخبارية. فخلال المناظرة وجه المرشحون الجمهوريون جام غضبهم لموجهى الأسئلة وللقناة وللإعلام الأمريكى عموما واتهموه بالانحياز للديمقراطيين على حسابهم.
ومن شاهد وقائع تلك المناظرة يدرك هزلية ذلك الموقف. فكما قالت النيويورك تايمز فى إحدى افتتاحياتها فإن "المرات التى انقض فيها أحد المرشحين على موجهى الأسئلة كانت فى أغلبيتها الساحقة بعد سؤاله عن موقفه من سياسة عامة أو حدث فى الماضى يمثل اهتماما مشروعا للناخب".
أكثر من ذلك، انتهى الهجوم على الإعلام باجتماع لممثلى المرشحين الجمهوريين، استبعدوا منه قيادة الحزب الجمهورى، كان هدفه التوقيع على مذكرة مشتركة كتبوها معا لتحتوى على شروط لإجراء المناظرات المستقبلية غير تلك التى كان قد قررها الحزب نفسه.
لكن المفارقة الطريفة هى أنه فى اليوم التالى مباشرة لكتابة المذكرة، اعتذر عدد من المرشحين عن التوقيع عليها وقرروا التفاوض مع الإعلام كل على حدة! والموقف ككل كان فى تقديرى هزليا لأن الأصل فى المناظرات هو أن توجه الأسئلة الصعبة حتى يسهل على الناخب التعرف على جوهر مواقف المرشحين والاختلافات بينهم وقدرتهم على حل القضايا المختلفة بل وعلى مواجهة المواقف المحرجة حين يصبح رئيسا للبلاد.
وهو أمر لم يفت على خصمهم، الرئيس الأمريكى باراك أوباما الذى سخر من المرشحين الجمهوريين مستغلا هجومهم المستمر عليه واتهامه بالضعف إزاء الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، قائلا أنه فى النهاية يتحدث إلى بوتين بينما هم لا يريدون أصلا الحديث مع قناة إن بى سى، والإعلام عموما الذى هو أمريكى أصلا، ناهيك إذن عن قدرتهم على التعامل مع بوتين إذا ما تولى أحدهم الرئاسة.
لكن تلك لم تكن نهاية نهاية الهزل. فجيب بوش الذى دشن حملته بشعار بالغ الطرافة قام، بعد تدنى أرقامه فى استطلاعات الرأى، بتدشين شعار جديد فتح عليه طوفان من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعى.
فحين بدأ حملته للرئاسة، بدا جيب بوش وكأنه يهرب من تاريخ أسرته السياسى التى تقلد اثنان منها منصب الرئاسة فدشن الحملة بلافتات مكتوب عليها اسمه الأول، وإلى جواره علامة تعجب مكان اسم العائلة! لكنه بعد انخفاض حظوظه الانتخابية عشية المناظرة الأخيرة تفتق ذهن حملته عن شعار جديد يقول "جيب يمكنه إصلاح ذلك".
لكن بدلا من أن يساعد الشعار جيب بوش، استدعى عشرات التعليقات الساخرة التى كان تعبير "الإصلاح" مفتاحها، إذ استخدمت الصور لتوحى بأن بوش يقوم "بالإصلاح" حيث يعمل بالسباكة، أو كميكانيكى يقوم بإصلاح السيارات وهكذا.
لكن بوش لم يكن وحده فى قائمة صناع الكوميديا من المرشحين. فبن كارسن، الذى يعتقد بالمناسبة أن أهرامات الجيزة لم يقم ببنائها الفراعنة لدفن ملوكهم العظام وانما بنيت لغرض آخر هو أن تكون مستودعا لتخزين الحبوب فى عهد سيدنا يوسف عليه السلام، صرح بأنه انتخابات الرئاسة شأن شديد الجدية لا مكان فيه لبرامج الحوار الكوميدية.
لكن تلك البرامج كان قد تم استدعائها بالفعل لساحة المعركة الرئاسية. فدونالد ترامب قال أنه رفض أكثر من مرة دعوة برنامج جون أوليفر الكوميدى الشهير للظهور فيه ووصفه بأنه برنامج "ممل".
فما كان من أوليفر إلا أن رد فى أول حلقة له قائلا "نحن برنامج ممل فعلا، ولكننا لم ندع ترامب أبدا للظهور معنا" واتضح بالفعل أن البرنامج، الذى لا يستضيف أحدا بالمناسبة، لم يوجه له أية دعوة.
بل تحول البرنامج الساخر، الذى كان يقدمه جون ستيوارت حتى وقت قريب، لموضوع هو الآخر حين رفض الحزب الجمهورى التصريح له بحضور اجتماع حزبى فى ولاية أيوا. وكان تبريره للرفض أكثر كوميدية من أى شئ كان يمكن للبرنامج أن يقدمه، إذ قال مسئولو الحزب أنهم خشوا أن يحول البرنامج مسألة السماح له بالحضور لمناسبة "للسخرية من أيوا"(!)
ولم تسلم حتى البرامج الجادة فى أسبوع الهزل. فمقولات دونالد ترامب طالت شبكة سى إن إن، عندما هاجم الرجل المناظرة التليفزيونية للديمقراطيين التى تبنتها الشبكة وأجراها مذيعها المرموق أندرسون كوبر.
فترامب ادعى أن الأسئلة التى وجهت فيها كانت سهلة للغاية، فما كان من كوبر إلا أن أعاد عرض الأسئلة المحرجة بل والهجومية خصوصا تلك التى وجهها لهيلارى كلينتون وبرنى ساندرز، ثم ذكّر ترامب بأنه هو شخصيا أشاد وقتها بإدارة المناظرة.
ورغم أن أسبوعا هزليا كهذا يمثل ترفيها مناسبا لأمثالى من المتخصصين فى الشأن الأمريكى، إلا أن الأمر بالغ الجدية. فالذى نتحدث عنه هو أحد حزبين يحكمان الدولة العظمى. وهو ما دفع افتتاحية للنيويورك تايمز أن تدعو الحزب الجمهورى للتدخل "لإنقاذ مرشحيه من أنفسهم".
1157 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع