د. محمد صالح المسفر
أتقدم بأحر التهاني للشعب التركي ولحزب العدالة والتنمية بفوز الأخير في الانتخابات التي جرت في 31 أكتوبر، إنه انتصار عظيم لحزب العدالة ولحلفاء الحزب في الداخل والخارج.
ليس ذلك فحسب، بل هو انتصار لكل دعاة الحرية والاستقلال ورفض الاستبداد، إن الذين كانوا يراهنون على فشل الحزب في الحصول على الأغلبية كانت أعينهم شاخصة نحو بلاد الشام لقناعتهم بأن تركيا لاعب مهم في المسألة السورية لا يمكن تجاوزها، والحق أن تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية سند قوي لنصرة الشعب السوري في حربه ضد نظام القهر والاستبداد في سوريا، ولو فشل الحزب في تحقيق الفوز فإن شرا مستطيرا سيحل باللاجئين السوريين في تركيا وستواجه المعارضة السورية مأزقا يصعب على بعضنا التنبؤ بأبعاده.أقول الحمد لله الذي أنصف حزب العدالة والتنمية التركي وأيده بنصره في تلك الانتخابات التي بات الكثير من الأنظمة وأحزاب سياسية عربية دولية يتمنى فشلها ليحققوا أهدافهم الظالمة، ولكن خيب الله آمالهم.
❶
في أجواء توقع خروج أو إضعاف حزب العدالة والتنمية، رمت روسيا الاتحادية بكل ثقلها في الحرب الدائرة في سوريا، علماً بأنه لا وجود لحلفاء لها في الوطن العربي بالقدر الذي يتزاحم الحلفاء العرب على أعتاب الولايات المتحدة الأمريكية. تعمل روسيا على كل الصعد لإنقاذ بشار الأسد وأجهزته الأمنية والعسكرية من السقوط على أيدي ثوار سوريا الذين يقاتلون من أجل الحرية والكرامة، وحقهم في اختيار نظام الحكم الذي يحميهم ويدافع عنهم. روسيا تقاتلهم، وتعقد مؤتمرات ولقاءات من موسكو إلى فيينا لإهدار الزمن العربي، وحماية الحليف السفاح المقيم في دمشق، والإدارة الأمريكية لم تقدم لحلفائها العرب ما يجب أن تقدمه لهم.
❷
طالبت موسكو بعقد اجتماع رباعي، يضمها مع السعودية وأمريكا وتركيا، في فيينا، وتم ذلك، وانتهى الاجتماع من دون صدور أي بيان يحدد المستقبل السوري، لكنه ولّد اجتماعاً آخر متعدد الوجوه، في فيينا أيضاً، وتحقق لها ما أرادت، وفرضت على الاجتماع الذي عقد في 30 أكتوبر الماضي مشاركة مصر والعراق وإيران والأردن ولبنان، إلى جانب دول من أوروبا الغربية.
والحق أن لكل من هذه الدول العربية المدعوّة أزمة تصرفها عمّا دعيت إليه، ومن ذلك أن حكومة وزير خارجية لبنان لم تستطع حل مشكلة الزبالة في بيروت، ولم يتمكن البرلمان من انتخاب رئيس للجمهورية، لأن دولة حزب الله في لبنان تريد رئيساً يحافظ على مكتسباتها، فماذا عسى الوزير، جبران باسيل، أن يقدم من أفكار ومواقف من أجل إعادة الأمن والسلام والاستقرار وإيقاف الحرب في سوريا؟ أعتقد أن روسيا دعت إلى اجتماع فيينا حزب الله، ممثلا بوزير خارجية لبنان المحسوب على الحزب في بلده. دُعيت مصر لحضور اجتماع فيينا الثاني، ومثلها وزير الخارجية سامح شكري. مصر مأزومة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وإعلامياً وأمنياً، فماذا سيقول شكري في الشأن السوري؟ والعراق المدعو للمشاركة حدّث ولا حرج، يحكمه نظام أمعن في الفساد وترسيخ جذور الطائفية، ويعيش حرباً لن تستطيع قياداته الطائفية أن تخرج منها بسلام، وقادته منشغلون بتعظيم الفوائد الشخصية، ولا يهمهم ما يجري على الساحتين العراقية والسورية، لأن إيران تقوم بتلك المهمة وحدها. ما أردت قوله إن موسكو، صاحبة اقتراح مؤتمر فيينا الثاني، وتوسيع دائرة المشاركين فيه، إنما تهدف إلى جمع العدد الذي يسير في ركابها من أجل مواجهة الحقائق التي ستقدمها السعودية وتركيا وقطر والإمارات، عما يجري في سوريا، وإنه لا خلاص لدمشق إلا بالخلاص من بشار الأسد وحكومته.
نستطيع القول إن روسيا جمعت في فيينا كل الأصوات المرتفعة، والتي لا تطالب بسقوط بشار الأسد وقواته الأمنية ومليشياته الطائفية التي أتى بها من كل فج، ليكونوا في مواجهة الشعب السوري إلى جانب روسيا.
❸
يتحدثون في كل مؤتمر عن سوريا، عن تشكيل حكومة انتقالية لها كامل الصلاحيات تتألف من المعارضة ومناصري النظام. هذا النموذج ثبت فشله في اليمن، وقاد إلى حرب أهلية بشعة، ما برحت رحاها دائرة حتى هذه الساعة.
يقول الروس والإيرانيون إن الأسد خط أحمر، ولا يجوز الحديث في شأنه، والحق أنه لا يجوز لأي طاغية قتل من شعبه أكثر من ربع مليون إنسان ودمر البلاد، وأجفل الشعب السوري من أرضه إلى الحد الذي جعلهم يركبون البحر بحثاً عن ملجأ يحميهم من البراميل المتفجرة المنصبة على رؤوسهم من النظام وأنصاره.
لا أفهم أن يبقى بشار الأسد في هرم السلطة في المرحلة الانتقالية المزعومة، إلى أن تنتهي الانتخابات التي تعدها الحكومة الانتقالية. تقول روسيا إنها تبحث عن حلول سياسية لتلك المصيبة، كيف نصدقها وطائراتها تشن غارات وحشية، ليل نهار، على المدن والقرى السورية الآهلة بالسكان المدنيين، وترفض في مجلس الأمن الدولي رفضاً قاطعاً منع القيادة السورية من استخدام البراميل المتفجرة على المدنيين العزل من دون تمييز. تقول تسريبات روسية إن موسكو ستضمن عدم ترشيح بشار نفسه لأي انتخابات مقبلة، لكن لأي من أهله أو أي شخصيات في النظام مقربين منه حق الترشح. وفي حال قبلت المعارضة في الداخل والخارج تشكيل حكومة انتقالية مشتركة مع النظام القائم، فعلى تلك الحكومة منح بشار الأسد والعاملين معه حصانة كاملة بعدم محاسبته عن الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب السوري، تشبه الحصانات التي قدمت للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.
آخر القول:
السوريون يطالبون بخروج بشار الأسد ونظامه السياسي وليس بشار وحده، لكن الدب الروسي لوث البيئة العربية ليحقق أهدافه فيها، والحوت الأمريكي لوّث بحارنا، وأكل صغار أسماكنا وكبارها، والتهم خزائننا ولم يترك لنا باقية، فهل من صحوة عربية تعيد الأمل، كما أعادتها عاصفة الحزم؟.
1183 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع