دلع المفتي
«التسامح هو السبيل الوحيد لبقاء الإنسانية، كون التنوع والاختلاف هو طبيعة كونية ليس لنا يد فيها».
ديباجة اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ووقعت عليها معظم دول العالم، لكن ما زالت للأسف مجرد حبر على ورق. فمبادئ التسامح، القبول واحترام الاختلاف ما زالت بعيدة عن شعوب الأرض كافة (وإن كنا نحن الأبعد). من ماينمار إلى أميركا، ومن اليابان إلى سيبيريا، ما زال الاقتتال المبني على الطائفية والعنصرية والتطرف يسفك دماء الأبرياء على طول الكرة الأرضية وعرضها.
التسامح وفق ميثاق اليونيسكو يعني احترام التنوع والاختلاف وقبوله، مما يعني الاعتراف بحقوق الإنسان الآخر، فكما أن لك حقوقا، للآخر أيضا حقوق مهما اختلف عنك جنسيا، اثنيا، قوميا، دينيا أو مذهبيا. بيد أني أود تسجيل تحفظي على مفردة التسامح، فلقد تمّت ترجمة كلمة Tolerance، والتي تعني «تحمُّل»، خطأ إلى العربية، وترجمت إلى «تسامح»، فيما التحمل هو التساهل مع الآخر المختلف. فأنت لا تسامح المختلف عنك، بل تتحمله وتتعايش مع اختلافه وتقبله وتحترمه، حتى وإن لم يعجبك. المرء لا يتسامح إلاَّ مع مخطئ أو مذنب، وإن رضينا بمسمى «تسامح»، فإننا بقصد أو دونه، نفترض أن المتسامح على حق «والآخر المختلف» على باطل، فنكرس بهذا المعّرف «دونية» الآخر وفوقيتنا «كمتسامحين». لذا أعتقد أن المفردة المطلوبة هنا هي «تعايش» أو «تقبل» وليست تسامحا.
إن التعايش أو التقبل، لا يعني فرض أفكار الآخرين عليك، ولا التخلي عن مبادئك ومعتقداتك، هو يعني بكل بساطة أن تعيش وتدع الآخر يعيش. ولا سبيل لتعزيز مفاهيم التعايش والقبول إلا بزرعها في نفوس الناس منذ الصغر، في محيط الأسرة والمناهج التعليمية بداية، ومن ثم في التربية المجتمعية، والأهم، سن قوانين صارمة تحرم الطائفية والعنصرية، وتجرم فاعلها.
في ظل العنف والإرهاب والصراعات الدينية والطائفية البشعة التي نعيشها في سوريا، اليمن، العراق، ماينمار، الكويت، البحرين، السعودية، مصر وفلسطين، وبعد أن امتدت أيادي الإرهاب لتعيث خرابا في الغرب أيضا، وبعد ان ترسخت لغة قتل المختلف عنك لتحظى بالجنة، ليس لنا منقذ إلا مفاهيم التعايش والقبول لتعزيز فرص السلام، وتجفيف منابع الدم التي تكاد تغرقنا.
يستكثر علينا البعض تعاطفنا مع ضحايا باريس وكأن التعاطف حكر على جنس أو دين أو جنسية معينة. إن مبدأ التعايش والإنسانية يحتم علينا إدانة الإرهاب أينما كان، فالضحية ضحية أيا كان جنسها، والإنسانية عابرة للحدود والجنسيات والأديان، ولنثبت للآخرين أننا ضحايا مثلهم وأن عدونا واحد.
لا تحملوا الدين، أي دين، وزر بشاعة البعض، فليس هناك دين دموي إرهابي إقصائي، بل هناك بشر دمويون، إرهابيون، إقصائيون يلوون معنى النص حسب رغبتهم.
الأديان لا تتحمل جرائم البشر. فالمجرم مجرم أيا كان دينه.
1365 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع