من سميراميس الى (فتاة الجسر)/ المرأة العراقية تقتحم سُوْح التظاهر

                                                                

                                        بقلم: سالم ايليا

لقد عَرف المجتمع العراقي ومنذُ بداية السلالات الأولى لحضارته الإنسانية المكانة الإجتماعية والروحية للمرأة، فقدّس الآلهتين إنانا وعشتار عبر ميثولوجيا الأديان والحضارات العراقية.

ثمّ ما لبثت المرأة العراقية ان أخذت موقعها القيادي متقدمة على مثيلاتها في الأمم الأخرى ومتبوّءة قيادة أعظم الإمبراطوريات التي حكمت جهات العالم الأربعة، حيثُ تربعت سميراميس على عرش الإمبراطورية الآشورية لفترةٍ تربو على الإثنين وأربعين عاماً مابين مُشارِكة لزوجها الملك نينوس بالحكم وانفرادها به بعد وفاته.
أما في العصر الحديث، فقد دَأبَت المرأة العراقية على إثبات وجودها منذ تأسيس الدولة العراقية على الرغم من التركة الثقيلة التي ورثتها من خلال التقاليد البالية وتداعيات الإحتلال العثماني لمدة تزيد على الأربعةِ قرون، إذ كانت كافية لتحجيم دور المرأة فيها.
ومع نهاية الحُكم العثماني بدأت المرأة العراقية نشاطاتها من جديد لأخذ مكانها الطبيعي والمؤثر في المجتمع، فأسست أول نادي نسوي نهضوي سنة 1923م، وتوالت مشاركاتها في مختلف جوانب الحياة لإثبات وجودها الفاعل والطبيعي حتى تكللت مشاركتها بأهم تظاهرة شعبية رافضة لمعاهدة بورتسموث سنة 1948م، وحيثُ أثبتت فيها مكانتها ليس بالمشاركة الجماعية مع أخيها الرجل فحسب، وإنما بقيادة التظاهرة التي كادت ان تتراجع نتيجة إستخدام السلطة لأقسى أنواع البطش والتنكيل المتمثل بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين فوق الجسر القديم الذي إستشهد فيه المتظاهر "جعفر" شقيق شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري.
 ومع تراجع الجموع الغفيرة للتظاهرة، إخترقت حرّة العراق إبنة التاسعة عشر ربيعاً "عدوية الفلكي" جموع المتظاهرين المتراجعين حاملة علم العراق وملوّحة بعباءتها كبيرقٍ للنصر وليس كعباءات البرلمانيات الجدد!!، ومقتحمة بمفردها الجسر القديم (جسر الشهداء) تحت وابل من الرصاص فأعطت الهمّة والنخوة الكافيتين لإخوانها المتظاهرين للتقدم فوق الجسر، حينها إندفعت جموعهم غير آبهة بالموت وهي ترى أمامها مهرة عراقية أصيلة جامحة لا يوقفها أزيز الرصاص ورهبته، فأعطت مثلاً للإستبسال سُجّلَ للمرأة العراقية بأحرفٍ من نور على صفحات سفرها الخالد.
فالمرأة ليست نصف المجتمع كما يحلو للمنظّرين وصفها، وإنما في حالاتٍ كثيرةٍ هي المجتمع بأسرهِ، فهي قلب المجتمع النابض، فإن توقف توقفت معه كل نشاطات المجتمع، وحيثُ ان المرأة العراقية عانت كثيراً من الأحداث ومآسيها وحملت هموم وأوجاع فقدان الزوج والأب والأبن والأخ والحبيب في حروبٍ مجنونةٍ لم تجني منها غير الخراب والدمار، وتعاملت مع الحالة الإقتصادية البائسة بإرادة صلبة وصبرٍ جَلْد، لكنها في ذات الوقت لم تستكين، إذ حافظت على موقعها النضالي والفاعل في المجتمع متجاوزة القرارات التعسفية التي فرضتها عليها العقول المتحجرة للسياسيين الجدد، أصحاب الميليشيات الدينية المسيسة.
 وها هي تظاهرات اليوم تُفرز حفيدات لـ "عدوية الفلكي" بنظارة عمرها ـ ـ لابل أقل عمرا منها يقتحمْنَ ساحات التظاهر منشدات الأشعار الحماسية قائلات للسياسين الفاشلين "إرحلوا ـ ـ ـ إرحلوا" ومتآزرات جنبا الى جنب مع حفيدات أخريات قد تجاوزْنَ العقد السابع من أعمارهْنَ يتقدمْنَ ماراثون التظاهرات بهمة الشابات اليافعات منشدْنَ نشيد الوطن الحر الذي أراد له البعض أن يتقيد بقيود التخلف والذل للمرأة العراقية.                 
لقد قلناها كإعلاميين في مقالات ومناسبات عديدة من ان المرأة العراقية جُبلت بطين جرف النهرين وولدت من رحم تاريخٍ كانت هي نبراسه، سوف لن ترضخ للسلطة المطلقة المتخلفة لعتاة الأحزاب المافيوية، ولن ترضخ للقوانين الجائرة التي ارادت لها أن تركن في زاوية صغيرة من زوايا الدار منتظرة دورها في سوق النخاسة بعقد زواجٍ يُحدد فيه أرباح البائع والمشتري لسلعة هي أبعد ما تكون عنها.  
وحتماً سيأتي اليوم الذي ستجلس فيه المرأة العراقية في البرلمان لتملأ مكانها الحقيقي وتشغله بحقٍ مدافعة عن وجودها وإنسانيتها، وليس كما يفعلْنَ بعضهْنَ ممن تمّ تعيينهْنَ من قبل الأحزاب الدينية كعضوات في البرلمان يرفعْنَ اياديهْنَ تأييداً لقراراتٍ جائرةٍ بحق المرأة كقرار ضربها (لتأديبها)، وقرار القتلِ غسلاً للعار (ولا أعلم هل العار يقع على مَنْ يَقتِل أم على مَنْ يُقتَل)، وقرار تحديد التعليم للمرأة، وغيرها الكثير من القرارات الجائرة ضدها، وعندما سيأتي زمن جلوس المرأة العراقية في البرلمان جلوساً حقيقياً وحضارياً عندها سيكون وجودها فيه كوجود الروح في الجسد. 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1015 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك