د.عبدالقادر القيسي
ان العفو العام هو القانون الاساس لمتطلبات المصالحة الوطنية والمصالحة لا تقوم بالندوات او المؤتمرات والتصريحات والاجتماعات، بل بإجراءات فعلية مثل الغاء قانون المساءلة والعدالة والتوسع في قانون العفو العام من خلال زيادة الفئات المشمولة به لأن المستفيدين منه وفق صيغته الحالية معدودين، بحيث ان تسميته بقانون العفو العام لا تنطبق عليه، والعفو يستثني نحو 11 نوعاً من المحكومين فلا يتيح الافراج عنهم مثل المتهمين بقانون مكافحة الإرهاب المرقم 13 لسنة 2005 والمتاجرة بالمخدرات وغير المتنازل عنهم والمتهمين بالفساد المالي والاداري ومواد اخرى وهو يشمل فقط من تم توقيفه بسبب المخالفات وبعض الجنح والمتنازل عنه بالجرائم الجنائية والمحكومين بالسجن من خمس سنوات فما دون،
ان البرلمان جمد مناقشة القانون مرة ثانية الى اشعار اخر بسبب انقسام النواب بين مؤيد ومعارض؛ حيث يقول البعض انه يساهم في اخراج الارهابيين مرة اخرى الى المجتمع فيما يرى البعض الاخر انه لا يشمل الا فئات قليلة، وهو لا يلبي الطموح، والذريعة التي يخرج بها علينا السياسيين بعدم شمول المتهمين والمحكومين بقانون مكافحة الإرهاب، كون أيديهم ملطخة بدماء العراقيين، وهو مصطلح فضفاض يستخدم بطريقة خارج الاطر القانونية وخارج التعريفات الاصطلاحية المعروفة في هذا المجال، وتتعمد بعض القوى السياسية ولأجل اجهاض مشروع المصالحة الوطنية من خلال قانون عفو عام بائس، استخدام هذه الالفاظ المبهمة وغير الواضحة، والتي صارت اسطوانة مشروخة تشمئز منها الاسماع، وعبارة (الذين لم تتلطخ اياديهم بدماء العراقيين) على قلة كلماتها تضمر في طياتها اجتهادات واسعة ومغرضة تفسح المجال واسعا لمن يريد الالتفاف على معاناة المتهمين والمعتقلين، لا سيما هناك اليات واجراءات قانونية وقضائية يجب اتباعها للوصول الى هكذا حكم قطعي؟
والعفو العام اساساً للمصالحة وتحقيق العدالة، فهناك ضرورة التوسع في الفئات المشمولة بفقراته.
والاسئلة التي تثار؛ كيف سيتم التمييز بين الأيدي التي تلطخت بدماء العراقيين عن تلك التي لم تتطلخ؟ ومن ذا الذي سيتولى التمييز؟ هل السلطة القضائية ام التنفيذية؟ هل نقوم بعرضهم على أجهزة تتعقب آثار الدماء المسفوكة ظلماً وعدواناً، أو أخرى لكشف الكذب عند بدء عملية التمييز لكشف القتلة الإرهابيين وسفكة الدم؟
كيف نصل الى حقيقة قانونية قضائية تفصل بين الملطخة أيديهم بدماء العراقيين عن تلك التي لم تتلطخ اياديهم؟ خصوصا، هناك العديد من المتهمين والمحكومين من اخذت اعترافاتهم بالإكراه او لم يحضوا بتحقيق شفاف او اتهموا وحكم عليهم ضمن مسلسل اسقاط شخصية سياسية او كانوا ضحية إفادات لمخبرين سريين لا يحملون أي علامة وطنية ومن المخبرين ممن يعملون لدى الأجهزة الأمنية بالأجر وجاهزين للأدلاء بإفاداتهم عند كل وجبة اعتقال تقوم به الأجهزة الأمنية، وهذه الأمور والوقائع مثبتة بتصريحات حكومية وبرلمانية، وبتقارير دولية ومحلية وبشهادات محامين وذوي معتقلين، فهل سنطلق على هؤلاء اياديهم ملطخة بدماء العراقيين؟
لذا كيف سنثبت ان هذا المحكوم حضي بتحقيق شفاف وأنَّ المُحاكمة تمَّت بأسلوبٍ عادلٍ ونظاميّ ووِفق القوانين ذات العلاقة، وبالتالي يصح إطلاق عليه، من الذين تلطخت أيديهم بدماء العراقيين من خلال تفجير او عمليات قتل وغيرها من اعمال إجرامية ارهابية، لذا نحتاج ان نميز قانونا، بين الملطخة أيديهم فعلا بدماء العراقيين بحكم عادل، عن تلك التي لم تتلطخ اياديهم بدماء العراقيين، ومن ضمن الأسئلة المثارة أيضا:
ما معنى التلطّخ بالدم؟ هل يقتصر على عمليات القتل المباشر بالرصاص أو بالة جارحة او بالحرق أو بالقذائف أو بالمفخخات، أم انه يشمل تمويل عمليات إزهاق الأرواح وسفك الدم والمشاركة والتحريض عليها والتواطؤ مع مرتكبيها وتوفير التسهيلات بكافة صورها لهم؟ من الموجبات تحديد أجوبة واضحة لهذه الأسئلة سلفاً حتى تكون صورة الوقائع المبسوطة والأدلة المتحصلة واضحة، ولكيلا تكون قرارات التجريم والتبرئة كيفية وذات طابع سياسي او بعد ديني او طائفية.
هل بالتصريحات الاعلامية ام بالمؤتمرات البائسة في الفنادق ومقرات الأحزاب والقاعات في داخل العراق وخارجه نستطيع ان نقدم من خلالها ألية عادلة ضامنة للكل بان يكون استخدام هذه العبارة ضمن اطرها القانونية وبروح العدل والانصاف وغير مدهونة بزيت سياسي او طائفي او ديني؟
ولا بد من التذكير بمسالة مهمة، الكل يستخدم عبارة (الملطخة اياديهم بدماء العراقيين) فهل يعني هذا ان من تلطخت اياديه بدماء غير العراقيين مشمول بقانون العفو؟ فهناك ضرورة لتعديل العبارة من العراقيين الى الاخرين او الأبرياء.
لذلك كله نقول ان الاصرار على استخدام هذه العبارة الفضفاضة والمبهمة هو للاستهلاك الإعلامي وبوابة للكذب السياسي الذي يثير الضحك ويحاول استغفال الناس ويشير اشارة واضحة لا لبس فيها الى التفافا متعمدا على دعوات المصالحة الوطنية ونية قصدية في افراغ قانون العفو من مضامينه، من خلال إصرار غالبية القوى السياسية النافذة على استخدام عبارة(من لم تتلطخ اياديه بدماء العراقيين) وكانه شرطا، لو صح الوصف يعتبر، شرطا وطنيا وأخلاقيا بل يعتبره الكثير شرعيا والحقيقة انه، لتمييع قضية جوهرية تتمثل بالصفح واسقاط الحق العام عمن أخطأ وُغرر به ومال الى صفوف العدو، في ظل دولة من واجباتها الدستورية حماية الشباب من ان ينخرطوا في التنظيمات المسلحة في ظل البطالة وضعف البرامج والأفكار التي تبعد الشباب عن أجواء العنف والاجرام .
اليس المتهمين بجرائم القتل العمد تحت نص (المادة 406 و405)من قانون العقوبات النافذ أيضا أيديهم ملطخة بدماء الاخرين، لماذا لم يستثنوا من قانون العفو وادرجوا ضمن المشمولين؟ وهناك الكثير منهم من هو متهم بداية بقضايا إرهابية وعمليات قتل واسعة وممنهجة وقد تم تغيير الوصف القانوني لجرائمهم من جرائم إرهابية مشمولة بقانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005 الى جرائم قتل عادية، لأجل شمولهم بقانون العفو وتم دفع الدية وضمن خطة عمل ممنهجة تم تنفيذها منذ بداية عام 2011، ولا تخلوا من بعد طائفي وسياسي في كثير من الجوانب.
من الحقائق القانونية الأساسية، ان إفلات المجرم بجريمته تفريط بحق المجتمع وحقوق الضحايا، فضلا عن انه سوف لن يرتدع مستقبلا عن مثيلاتها، بل سيكون مشجعا لغيره على الاحتذاء به، لكن بسبب هجمة الإرهاب الشرسة وما انتجته من تدخلات في سير عمل المنظومة القضائية أدت الى زج معتقلين أبرياء في السجون ومن ثم صدور احكام بحقهم تعسفية بسبب دقة ترتيب الأدلة التي تم تهيئتها بصورة غير مشروعة من بعض القائمين بالتحقيقات الفاسدين، مما جعل القضاء عاجز على تفنيدها وإظهار بطلانها، لذا هناك ضرورة على شمول اوسع شريحة ممكنة بهدف اصلاح المعتقلين وغيرهم وزجهم بالمجتمع من جديد مع استثناء من تلطخت ايديهم بدماء الابرياء فعلا ومارسوا تفجيرات وعمليات قتل ممنهجة وواسعة ضد المدنيين ومن خلال تمتعهم بتحقيق شفاف ونزيه وضمن محاكمات عادلة ووفق القانون.
هناك الآن المئات، من المسؤولين العسكريين والأمنيين والمدنيين من عناصر النظام السابق الملطخة أيديهم بالدماء يتولون مسؤوليات في الدولة العراقية الان، تجعلهم في موقع القادر على سفك الدماء وإزهاق الارواح من جديد، في مقابل المئات ممن اجتثوا وعوقبوا لمجرد كونهم أعضاء في حزب البعث من دون التدقيق في تاريخهم للتمييز بين أصحاب الايدي المتلطخ بالدم والايدي غير المتلطخة، وكثير من السياسيين والمسؤولين اكدوا ان اجراءات المساءلة والعدالة أُخِضعت للمزاج وللمصالح الحزبية والشخصية، وفي دولتنا ما بعد الاحتلال هناك المئات ممن تلطخت أيديهم بالدم وقاموا بإشعال فتيل الحرب الطائفية وحرضوا وموّلوا وقاموا بعمليات ارهابية ويقومون جهارا نهارا على اسقاط الدولة والحكومة والبرلمان ورئيس الحكومة شخصياً، من خلال تجسيد لغة السلاح ونفوذ المليشيات وإرهاب المواطن، ورغم ذلك فهم لا زالوا أصدقاء مقربين لمسؤولي الدولة، ومنهم من يقود كتلاً سياسية، ويؤسس لأحزاب، ويشغل مقاعداً في البرلمان.
وتطبيقا للحقائق القانونية الراسخة المستقرة وطنيا ودوليا وبموجب المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية، نؤكد، ان قانون العفو العام لا يحتمل المساومات لأنه يمس الاف الابرياء وعوائلهم ممن راحوا ضحية مقاومة المحتل والاعترافات القسرية والمخبر السري والتحقيقات المفبركة والقضايا السياسية وقيم الانتقام والثأر وغياب القانون وضعف بعض القضاة باعتراف رئيس مجلس النواب سليم الجبوري الذي قال في لقاء صحفي (اننا لسنا ضمن دولة تحكمها المؤسسات والقوانين والنظام، انما غلبت معايير من لديه السطوة والقوة) معترفاً بحاجة مؤسسة القضاء الى إصلاحات، وقبله رئيس الوزراء وسياسيين وبرلمانيين عديدين.
لا نظن اننا نحتاج الى ايراد الامثلة والشواهد على الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان في عراق أردناه ديمقراطيا إنسانيا يحترم حقوق الانسان لكن الذي حدث هو دولة يعلوها الخوف والرعب في نفوس الناس لغياب القانون وسيطرة المليشيات المنفلتة.
اخيراً قانون العفو العام ضرورة وآن الاوان للاتفاق عليه واخراجه من ادراج رئاسة المجلس، وهو لا يحتمل توافقات لم تحصل الا على الرواتب الخيالية والامتيازات، بل اننا نخشى ترحيله الى السنة المقبلة بسبب اجازات عدد من اعضاء مجلس النواب لقضاء عطلة اعياد الميلاد بين عوائلهم المنعمة في الخارج.
ولا نريد ان نصل الى نتيجة مفادها أن الدكتاتورية الظالمة، حفظت أرواح الناس وأعراضهم، وأفضل بكثير من ديموقراطية على يدها يقتل ويفجر آلاف الناس ويهجرون وتسرق أموالهم وتدمر محافظاتهم.
ان تشيع روح التسامح والسلام بين الكتل السياسية من خلال مصالحة سياسية موجب ولازم، حتى يكون باستطاعتنا تجاوز الازمتين المالية والامنية اللتين خلفتا تقريبا اربعة ملايين نازح وسيطرة عصابات داعش على محافظات عديدة والمليشيات على مقدرات البلد.
1378 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع