دلع المفتي
">المتنبي، بشار بن برد، طرفة بن العبد، وضاح اليمن.. كلهم شعراء حُكم عليهم بالإعدام، إما بسبب هجائهم، وإما مدحهم وإما أي سبب آخر رآه الحاكم وقتها يستحق الإعدام. لكن تلك كانت أزمنة غابرة، أزمنة كان للسلطان فيها سلطة متفردة دكتاتورية، لا يجرؤ أحد على مناقشتها.
اليوم غير الأمس، فالزمن تغيّر، وبمساعدة وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت حتى أحكام القضاء توضع تحت مجهر المصداقية وحقوق الإنسان.
في 2013 تقدم مواطن سعودي بشكوى لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جاء فيها أن الشاعر أشرف فياض يحمل أفكاراً مضللة. اعتقل الشاعر ليوم واحد ثم أخلي سبيله لعدم توافر الأدلة. في 2014 جرى اعتقال الشاعر مجددا في مدينة أبها السعودية، على خلفية نشره ديوان شعر عام 2008، تحت عنوان «التعليمات بالداخل».
بداية حكم على فياض بالسجن أربع سنوات والجلد 800 جلدة، لكن بعد الاستئناف أصدرت المحكمة حكماً بالإعدام بتهمة الترويج لأفكار إلحادية وسب الذات الإلهية. وجاءت إدانة فياض استنادا إلى أقوال «شاهد» قال إنه سمع المتهم يسب الله والرسول والسعودية، كما استندت الأدلة إلى ما ورد في ديوان لفياض صدر منذ سنوات.
الشاعر أشرف فياض ابن عائلة فلسطينية تعيش في المملكة منذ 50 عاما. وسبق أن مثل المملكة العربية السعودية في بينالي البندقية بصفته الأمين المساعد للجناح السعودي في المعرض، وله نشاطات فنية وأدبية مختلفة. وحال سماع حكم الإعدام، أصيب والده الثمانيني بجلطة دماغية أدخلته غرفة العناية المركزة.
لا أفهم كيف يحاكم الادب، وكيف يقاضى الشعر، سواء في الرقابة على الكتب ومنع معظمها وإلصاق التهم بكتابها، أو بمقاضاة كتاب وشعراء والحكم عليهم بالإعدام، مع الفارق الشاسع بين الحكمين؟!
إن الانغلاق وتكميم الأفواه والحجر على الأفكار، تعزز الجهل والتخلف، وتساهم في تقويض أسس الثقافة والمعرفة، وتسيء إلى سمعة بلداننا وقضائنا وديننا.
ليس من المنطق في شيء إعدام شاعر بسبب وجهة نظر أو بيت شعر أو بسبب اجتهاد، حتى لو كان اجتهاده خاطئا. فالخطأ، بافتراض أن هناك خطأ، يعالج بالنصيحة والاستتابة وذلك من اساسيات عمل {الهيئة} لا بحبل المشنقة، فالفكر يُقابَل بفكر وحجج اقناع ودلائل لا بمقصلة. ألم يناصح «الداعية» الذي قتل ابنته «وقيل إنه هتك عرضها» وخرج من السجن بعد شهور؟ هل بيت شعر يمكن تأويله عشرات المرات سلبا وإيجابا، أغلى عند الله من روح طفلة؟
عموماً.. بعض المتحكمين بمصائرنا ينصّ.بون أنفسهم وكلاء الله تعالى في أرضه، يوزعون صكوك الغفران على من يناسبهم، يغفرون ذنب من يحبون، ويلصقون تهما زائفة بمن لا يعجبهم، يزايدون على الله تعالى، ويحكمون بسلب روح إنسان دون جرم مؤكد.. فأين العدل؟ بل أين روح الإسلام؟ وهل بمثل هذه القضايا تنتصرون لدينكم؟!
1389 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع