اللاجئون السوريون في الأجندة الأميركية

                                                          

                                د. منار الشوربجي

اللاجئون السوريون تصدروا الأجندة السياسية في أميركا فور وقوع جريمة باريس الإرهابية.

فرغم أن الولايات المتحدة لم تكن منذ البداية على رأس الدول التي استقبلت أعدادا كبيرة من اللاجئين السوريين، إلا أن الجدل المثار بشأن السوريين في أميركا لا يتناسب حتى مع إجمالي عدد اللاجئين الذي قررت إدارة أوباما استقبالهم، والذي يظل متواضعا للغاية بالمقارنة ببلدان أخرى، ولا يتناسب مع الإجراءات الصعبة والطويلة المتبعة في أميركا أصلا بخصوص طلبات اللجوء السياسي.

ورغم أن المعلومات المتداولة حتى الآن عن هوية منفذي جريمة باريس تقول إنهم من أصول عربية ولكنهم ولدوا وعاشوا أغلب عمرهم في أوروبا ويحملون جنسياتها، إلا أن الجدل الأميركي يتركز على الأكثر ضعفا وحاجة للعون، أي السوريين الهاربين من جحيم الحرب في بلادهم.

فحتى كتابة هذه السطور، كانت ثلاثون ولاية أميركية قد أعلنت على لسان حكامها أنها لن تستقبل أي لاجئين سوريين.

ورغم أن قرار استقبال اللاجئين من عدمه ليس قرار الولايات وانما الحكومة الفيدرالية في واشنطن، ورغم أن أي لاجئ، بمجرد وصوله للأراضي الأميركية، يتحرك بين الولايات بحريته لأنه لا توجد حدود يتم إغلاقها من الناحية الفعلية، إلا أن إعلان الموقف من جانب حكام الولايات تلك، هو بمثابة أداة للضغط على الرئيس لتغيير قراره المعلن منذ فترة باستقبال عشرة آلاف لاجئ سوري خلال عام.

غير أن الأمور ذهبت لما هو أبعد من ذلك. فبعد ساعات قليلة من وقوع جريمة باريس كان مرشحان للرئاسة عن الحزب الجمهوري، هما جيب بوش وتيد كروز يطالبان للسماح للاجئين السوريين بدخول الأراضي الأميركية على أساس ديانتهم، أي يسمح باستقبال المسيحيين منهم دون المسلمين!

بينما وصلت الهستريا لأعلى درجاتها باقتراح المرشح الرئاسي دونالد ترامب أن يتم عمل قاعدة بيانات تخص الأميركيين المسلمين دون غيرهم واستخراج بطاقات هوية خصوصاً لهم تحمل ديانتهم، بما يشبه الإجراءات التي اتبعت في ألمانيا النازية!.

لكن المسألة تذهب في الواقع إلى ما هو أبعد من مجرد مقترحات يقولها مرشحون وحكام للولايات ليس بيدهم في النهاية صنع القرار. فالكونجرس صار طرفا في الموضوع، أي دخل دائرة صنع القرار الحقيقية.

فالخميس الماضي، وافق مجلس النواب على مشروع قانون بقوم بتجميد برنامج استقبال اللاجئين السوريين الذي قررته إدارة أوباما وينص على ضرورة توقيع مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية ومدير هيئات الاستخبارات الأميركية على كل طلب على حدة لكل لاجئ سوري يشهدان بموجبه أن ذلك اللاجئ لا يمثل تهديدا للأمن القومي الأميركي.

وكان أوباما قد هدد باستخدام الفيتو ضد مشروع القانون هذا، إذا ما أصدره مجلسا الكونجرس. والرئيس الأميركي كان قد خاض، عشية تهديده باستخدام الفيتو، معركة من التراشق اللفظي مع رموز الحزب الجمهوري اتسمت بالحدة من الجانبين.

لكن اللافت للانتباه في كل ذلك هو انقسام حزب الرئيس على نفسه بخصوص مشروع القانون. فقد انضم 47 ديمقراطيا للجمهوريين في تأييد مشروع القانون، الذي صدر بأغلبية 289 إلى 139.

وهو ما يعني أمرين على جانب كبير من الأهمية، أولهما أن نسبة التصويت تلك تعني أن المجلس يملك أغلبية الثلثين اللازمة لإلغاء الفيتو الرئاسي، وثانيهما، أن انضمام ذلك العدد المعتبر من الديمقراطيين لزملائهم الجمهوريين في دعم مشروع القانون يعطي في الحقيقة غطاء سياسيا كافيا للجمهوريين، بما يشجع قياداتهم في مجلس الشيوخ على المضي قدما في التصويت على مشروع القانون نفسه، خصوصا أن رموزا بارزة في الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ قد أعلنت أنها تميل مبدئيا لتجميد استقبال اللاجئين السوريين.

بل تقدمت السناتور الديمقراطية ديان فاينستين بمشروع قانون في مجلس الشيوخ يحظر منح الأوروبيين الذين زاروا سوريا أو العراق خلال السنوات الخمس الأخيرة الإعفاء من التأشيرات، التي هي ممنوحة أصلا للجنسيات الأوروبية.

ولا يتوقف الأمر عند ذلك الحد، إذ يسعى رئيس مجلس النواب الجديد بول رايان لحرمان اللاجئين من الحصول على أي من مزايا برامج الرفاهية الاجتماعية المخصصة للفقراء والتي عادة ما يستفيد منها المهاجرون من الفقراء.

تأملت الوقائع فوجدتها شبيهة بتلك التي جرت بعد أحداث سبتمبر 2001 في أميركا. والتشابه الذي أقصده هو ما جرى داخل الكونجرس. فقانون اللاجئين السوريين مثله مثل قانون باتريوت تم تقديمه للبت فيه قبل نهاية الأسبوع الذي جرت فيه العملية الإرهابية، وهو ما يضمن تمريره بسهولة أعلى نسبيا من أي وقت لاحق.

فالحدث لا يزال عالقا في الأذهان والقلق لا يزال مسيطرا على الرأي العام الأميركي. وأعضاء حزب الرئيس في الكونجرس يتخذون قرارهم وعينهم على الانتخابات في نوفمبر القادم.

وإذا كانت كل استطلاعات الرأي التي أجريت طوال الأيام الماضية أكدت أن نسبة لا تقل عن 56% من الأميركيين تفضل تجميد دخول السوريين للأراضي الأميركية فمن السهل أن تتم الموافقة على مشروع القانون بأغلبية تسمح بتجاهل الفيتو الرئاسي.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1158 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع