البيئة العراقية، خسارة اخرى لفرصة نادرة

                                                                    

                                        نبيل رومايا

اتفق رؤساء أكثر من مئة وخمسون دولة وحكومة مجتمعين في باريس على ضرورة التوصل لاتفاقية شاملة قوية مؤثرة لمعالجة تغيرات المناخ. مشيرون الى أن مستقبل شعوب العالم ومستقبل كوكبنا هو بين ايدينا اليوم، وليس هناك مجال للتردد او طرح حلول ناقصة او تدريجية، واتفقوا ان هذا المؤتمر البيئي بالغ الاهمية لمستقبل كوكبنا الارض وليس هناك مجال للتأخير.

ولدعم هذا المؤتمر البيئي نُظمت عشرات المسيرات والتظاهرات في الكثير من عواصم العالم مُطالبة باتخاذ اجراءات فعالة وحاسمة للتصدي لتغيّرات المناخ والبحث عن مبادرات وحلول جدية لإيقاف وعكس ظاهرة الاحتباس الحراري وتلوث البيئة.

ويحذر عدد من الاختصاصيين والخبراء البيئيين من أن الاختلال المناخي سيسهم في تفاقم الأزمات والنزاعات، وسوف يؤثر على الأمن الغذائي والصحي والمائي للدول، وهذه عوامل قوية للاحتجاج والاضطرابات سببها انحسار الاراضي الزراعية وانتقال سكان الارياف للمدن وما ينتج عنه من تغيرات ديموغرافية، وهناك دول ضعيفة قد لا تكون قادرة على تلبية الحاجات الحيوية لشعوبها. وقد تنشب نزاعات أيضًا حول الموارد المائية بين الدول التي تتقاسم أحواض الأنهار.
ان تدني المستويات البيئية في العالم لن تخدم البشرية وشعوب العالم على المدى البعيد. فبالإضافة الي الاحتباس الحراري الذي يسببه بالدرجة الاولى الاستغلال الغير مبرمج والجَشع للطاقة العضوية، فإن شحة المياه وظاهرة التصحر وتقلص المساحات الخضراء يشكل جزأ كبيرا من المشاكل البيئية التي تعاني منها البلدان المختلفة. وقد تقود الى صراعات بين الدول المجاورة للحفاظ على هذه الثروات كما نرى فيما يحدث في حوض النيل بين مصر واثيوبيا والسودان وفي منابع دجلة والفرات بين تركيا وإيران وسوريا والعراق.
اما بالنسبة للعراق، فقد جاءت المشاركة الخجولة في هذه المؤتمر العالمي مخيبة للآمال. فقد شارك العراق سياسيا فقط وبحضور رئيس الجمهورية، بالرغم من أن المؤتمر انعقد على أمل التوصل إلى "اتفاق تاريخي" للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، والحفاظ على الأراضي الرطبة، وهي مُناسبة كان العراق أحوج ما يكون لها من أجل كسب الدعم لتحسين بيئته المنهكة وإنعاش الأهوار التي يهددها الجفاف.

لقد كان على العراق المشاركة الجادة وبمستويات رفيعة وبمجموعة من الاختصاصيين البيئيين في هذا المؤتمر الدولي الذي سيناقش مسألة البيئة والمياه، لتسليط الاضواء على ازماته البيئية.

إن تحديد الحصص المائية لكل دولة من دول الجوار العراقي اصبحت ضرورة لا يمكن السكوت عنها. فالكثير من دول العالم لا علم لديها بالصعوبات المائية التي تواجه العراق باعتباره بلد النهرين العظيمين.
 
على العراق ان يستمر في شرح معاناته امام المحافل الدولية ويسلط الاضواء على شحة المياه، والتصحر والتغير المناخي بسبب إنشاء السدود التركية والسورية، وتغير مجاري الأنهار من قبل إيران وتركيا وسوريا والتي أدت الى انخفاض حصة العراق المائية الى اقل من النصف مما كانت عليه في السابق. لأن هذه التجاوزات الاقليمية لها تأثير مدمر على العراق والامن الغذائي العراقي ومياه الشرب والصناعة والزراعة وباقي مرافق الحياة.

إن العراق يخوض حربا شعواء مع الارهاب تُستعمل فيها كل الوسائل الممكنة من قبل الارهابيين لتدمير البنية التحتية للمدن المحتلة والعراق بشكل عام، وتستعمل المياه والسدود العراقية كسلاح في هذه الحرب الزراعية الاقتصادية. وهذه المؤتمرات الدولية توفر الكثير من الفرص من أجل أن يعرض العراق تأثير الحروب على المناخ والبيئة.
إن التدمير شبه الكامل للأهوار العراقية في ظل النظام السابق كان كارثة إنسانية وبيئية كبرى لايزال العراق والمنطقة تعاني من انعكاساتها الايكولوجية لحد الان، وهذا وحده كان يمكن ان يكون مُطالبة عراقية اساسية لإعادة الحياة لهذه المسطحات المائية بمساعدة دولية.
كان المفروض أن يكون للعراق دورا ومشاركة أكبر في هذا المؤتمر البيئي التاريخي من اجل الحصول على الدعم والمساعدات الدولية لحل ازماتنا البيئية، وكان الممكن في أضعف الايمان مساعدتنا في تخفيض بصمتنا الكربونية الناتجة عن حرق وتبذير مئات الملايين من الاقدام المكعبة من الغاز الطبيعي يومياً والتي تساهم في زيادة الاحتباس الحراري في المنطقة والعالم، وتبذر مدخول اقتصادي كبير للعراق.

ان الحضور البروتوكولي لرئيس الجمهورية دون مشاركة اختصاصيين عراقيين من وزارة الصحة والبيئة وأكاديميين وباحثين بقضايا البيئة، يدل على استمرار التخبط وعدم التخطيط المستمر في الدولة العراقية، وخسارة اخرى لفرصة نادرة فاتت على العراق والعراقيين... وما اكثرها.

نبيل رومايا
30 كانون الاول 2015

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1555 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع