د. نسيم قزاز
يهود العراق والمواطنة المنتزعة
منشورات المتوسط, إيطاليا, 2015, 801 ص.
ينقسم هذا الكتاب إلى جزئين : يتضمن الجزء الأول بحثًاً واسعاً وشاملاً حول الأقليّة اليهوديّة في العراق تتخلله مواضيع مستطردة أخرى عن أحداث وتطورات اجتماعية وسياسية في العراق, بينما يتضمن الجزء الثاني كماً ليس بقليل من رسائل واستطلاعات آراء عن شؤون وأحداث مرت بها هذه الطائفة.
استهل المؤلف الجزء الأول من الكتاب بنبذة مختصرة عن المراحل التاريخية التي مرّ بها يهود العراق منذ وصول عدد وفير منهم إلى أرض الرافدين كأسرى بيد الآشوريين في القرن الثامن ق.م. والموجة التي تلتها حين أتى الكلدانيون بما يقارب ال-40.000 ألفاً منهم كأسرى أيضاً إلى بابل في أوائل القرن السادس ق.م., ذاكراً أنّ لهؤلاء استتبَّ الأمر وأفادوا واستفادوا في موطنهم الجديد. ثم تقلبت بهم الأحوال إبّان حكم السلوقيين الإغريق للعراق حتّى سقوط بابل بيد الپارثيين الفرس عام 140 ق.م. واستمرّ حكم هؤلاء أربعة قرون تعزّز أثناؤها مركز الجالية اليهوديّة في العراق وقويت شوكتهم اقتصاديّاً واجتماعيّا وأسّسوا عدداً من الكليّات الدينيّة ووضع أحبار هذه المؤسسات "التلمود البابلي" الذي يمكن اعتباره دائرة معارف للديانة اليهوديّة. وتتناول هذه النبذة أحوال الطائفة منذ اجتياح جيوش المسلمين بلاد الرافدين حتى إقامة الدولة العراقية الملكيّة, ماراً بعهد الخلفاء الراشدين والدولتين الأُمويّة والعباسيّة فحكم المغول ثم الهيمنة العثمانيّة.
وفي جميع عهودهم تحت حكم مختلف الدول الإسلامية تعرّض اليهود تارةً للاضطهاد الديني والتمييز السياسي والاجتماعي وللاستبداد والقسوة وتارةً تمتّعوا بالحريّة الدينيّة والوضع الاجتماعي العادي والتسامح, باعتبارهم من أهل الذمّة يدفعون الجزية السنويّة والخراج. ففي أثناء الحكم العباسي كان الموقف من أهل الذمّة متبايناً على وفق فترات الحكم وسلوك الخلفاء حيث أُلزموا أحياناً بارتداء ثياباً خاصة بهم ووضع رقعتين عسليتين على الأقبية والدراريع وأن يضع النساء على مقانعهن عسليات وأن يقتصروا على ركوب البغال والحمير دون الخيل والبراذين وأن يضعوا على أبواب دورهم صور شياطين مسمّرة.
أما في الدولة العثمانية فقد شهد الموقف من اليهود تباينا من سلطان إلى آخر ولكن على العموم حاول العثمانيون أن يلتزموا بالموقف من اليهود باعتبارهم أهل ذمة. وطرأ على هذا الموقف تغيير جذري في منتصف القرن التاسع عشر في أعقاب صدور الإصلاحات التي عرفت "بخط شريف كلخانة" و"خط شريف هومايون". ومع ذلك لم تضع هذه الإصلاحات حدا لاضطهاد اليهود والتنكيل بهم وبهذا الصدد يشير المؤلف إلى إحدى عمليّات الاضطهاد الفظيع التي مارسها الحكّام الأتراك قبل أُسبوع واحد من سقوط بغداد بيد الجيش البريطاني حيث قبض ليلاً على عدد من الصيارفة اليهود بحجة أنهم سبّبوا هبوط سعر الأوراق الماليّة التركية إثر امتناعهم من تبديل الليرة الورقيّة التركيّة بليرة الذهب. فنُكّل بهم تنكيلاُ شنيعاُ وجدعت أنوفهم وقطعت آذانهم وسُمِّلت عيونهم ثم وضعوا في أكياس وألقيت جثثهم في دجلة.
وفي الفصل الذي تلى هذه المقدّمة أورد لنا الباحث عرضاً مفصّلاً لإحصائيات عن السكّان اليهود في العراق في مختلف المدن والألوية منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي وحتّى أواخر العقد الرابع من القرن العشرين حيث أُجريَ عام 1947 إحصاء سكانيّ رسميّ.
أما الفصل الثاني فتناول المدارس اليهوديّة في العصر الحديث ألتي تخرّج منها سنويّاً المئات من التلاميذ الذين واصلوا الدراسة, فمنهم من التحق في العديد من الكليّات والمعاهد الحكوميّة العليا ومنهم من توجّه للدراسة الأكاديمية في البلدان الأُوروبيّة والولايات المتّحدة الأمريكيّة. ثم يأتي لنا بالفصل الثالث بمعلومات قيّمة قلّ من أشار إليها قبله حول البنية الاجتماعيّة ليهود العراق وصورة توزيعهم على الطبقات والفئات الاجتماعيّة بما في ذلك الغنيّ منهم والفقير, المالي والصناعي, الفلاّح والعامل والحرفي والمهني والموسيقي والمغني والفنّان عموماً والكاتب والقاص والشاعر والصحفي والموظف والمستخدم والعاطل عن العمل والعتّال والبائع والجوّال والشحّاذ إلى آخره, وذاكراً مركزهم البارز في التجارة إبّان الحكم الملكي ونسبة عضويّتهم المرتفعة في غرفة تجارة بغداد حتّى هجرتهم الجماعيّة من العراق في مستهل الخمسينات من القرن المنصرم مبيّنا ذلك في جداول وإحصائيّات. ثم يعرّج على فئة الفلاّحين وصغار المزارعين في ريف كردستان العراق ويوضّح لنا أوضاعهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة المتباينة وبعدها يتجه جنوباً إلى منطقة الفرات الأوسط إلى الحلّة والشاميّة والديوانيّة حيث كانت هناك أراض واسعة تمتلكها اُسر يهوديّة كان لها القدح المعلّى في ازدهار الزراعة في تلك المنطقة. وقد صودرت تلك الممتلكات عام 1964 بما في ذلك معمل لطحن الحبوب في الديوانيّة ومعمل الطابوق الفني الذي يعود لعائلة عزت ساسون معلم.
وأشار إلى أنّ العلاقة في فترة الحكم الملكي بين جميع السكان كانت على العموم اعتياديّة وليس فيها ما يمكن أن يكون دليلاً على العنصريّة أو الكراهيّة المتحكمة لأتباع الديانات الأُخرى مستثنياً ما حصل في مذبحة "الفرهود" عام 1941.
أما الفصل الرابع فيتناول الثقافة والمثقفون العراقيون ودورهم في الحياة الثقافية في النصف الأول من القرن العشرين بما في ذلك دور مثقفات وكاتبات يهوديات عراقيات ثم يأتي بالفصل الخامس بنموذجين متقدمين من انتاج مثقفي وكتاب يهود العراق المهجّرين أو النازحين من العراق هما البرفيسور شموئيل (سامي) موريه والبروفيسور ساسون سوميخ. وخصص الفصل السادس للمجالس الاجتماعية والثقافية العراقية بما في ذلك مجالس اليهود العائدة لعلية القوم, حيث كانوا يستقبلون فيها ضيوفهم من الرجال في الأمسيات للبحث في أمور الحياة والأدب والثقافة أو القضايا الاجتماعية والسياسية التي تهم الجميع إضافة إلى تبادل الأخبار والمعلومات والإشاعات. وشملت هذه المجالس شخصيات معروفة وميسورة من مختلف الأديان. ويشير المؤلف إلى دور المجالس اليهودية في الحياة الثقافيّة العراقيّة ونشاطهم الأدبي ونشر نتاجاتهم الفكريّة والأدبيّة والقصّة والشعر والنثر وإصدارهم مجلتي المصباح والحاصد في العشرينات والثلاثينات من القرن المنصرم مبيّناً حبهم وإخلاصهم للوطن رغم معاناتهم من سوء المعاملة التي مارستها السلطات الحكوميّة ضدّهم سواء أكان ذلك في العهد الملكي أو في الحقبات التي تلت الإطاحة بعبد الكريم قاسم. كما ويكرس لهم بحثاً عن دورهم في الحياة السياسّة والتحاقهم في الأحزاب الوطنيّة والذي كان محدوداّ نوعاّ ما باستثناء نشاطهم في الحزب الشيوعي العراقي حيث شكّلوا شريحةً فعّالة وهو الحزب الوحيد الذي شغل فيه اليهود مناصب قياديّة. وفي أثناء ذلك يورد لنا بحثاُ مستفيضاُ حول المواقف السياسيّة للحزب الشيوعي العراقي من القضيّة الفلسطينيّة ومواقف اليهود وعصبة مكافحة الصهيونية وقرار التقسيم ثم موقف الحكومة العراقية من هذه العصبة.
ثم يتناول المؤلف في الفصل السابع من الكتاب أهمية دور يهود العراق في الموسيقى والغناء العراقيين والعوامل التي أدت إلى تميزهم فيه على شرائح أخرى من المجتمع العراقي.
أما الفصل الثامن فيتناول التيّار المضاد لعصبة مكافحة الصهيونية, وأعني به النشاط الصهيوني في العراق, الذي يمكن تقسيمه إلى حقبتين: الأُولى استمرّت ما يقارب عقداُ من الزمن, من بداية العشرينات وحتّى الثلاثينات من القرن المنصرم, حيث أُجيزت في مارس من عام 1921 إقامة جمعيّة صهيونيّة داخل العراق كانت في بادئ الأمر تنشط علانيّة وكانت الحكومات العراقيّة المتتالية تغض النظر عن فعاليّاتها إلى أن تصاعد النزاع الصهيوني العربي في فلسطين وحينذاك أخذت السلطات العراقيّة تلاحق رؤساء الجمعيّة وأسرت زعيمها ثم أرغمته على مغادرة العراق.
أما الفترة الثانية من النشاط الصهيوني فبدأت بعد حوادث "الفرهود" التي ذهب ضحيّتها بين عشية وضحاياها 180 يهوديّاً بينهم رجال نساء وأطفال فاغتصبت النساء ونُهبت دورهم ومملكاتهم وكان هذا الحدث قد زاد طين التذمّر بلّةً عند أبناء هذه الطائفة فأخذ الكثير منهم يفتّش عن طريق للخلاص خشية وقوع "فرهود" آخر وانتموا للحركة الصهيونيّة التي جددت فعاليّاتها في العراق عام 1942. وبعكس ما كانت عليه هذه الحركة في العشرينات كانت نشاطاتها في هذه المرّة سريّة, ووضعت نصب أعينها نشر الفكر الصهيوني في الأوساط اليهوديّة وبخاصّةً بين الشباب وطلاب المدارس وتعليمهم اللغة العبريّة وإقناعهم بأهميّة الهجرة إلى الديار المقدسة والعيش في بلد الأجداد (ص. 264). ويتناول البحث المنظمّات المختلفة للحركة كالحالوتص (الطليعة), ألهاغانا (الدفاع), منظمّة شباب الإنقاذ, ألتنوعا (ألحركة) والشورا (ألصف).
وفي نهاية المطاف نجد أنّ جهود الحركة الصهيونيّة في العراق تكللت بالنجاح بسبب الاضطهاد وأفلحت في تهجير اليهود من العراق. ففي البداية تمّ تهجير الآلاف بصورة غير شرعيّة تهريباً عبر الحدود العراقيّة ثمّ أتت الهجرة الجماعيّة التي لم يكن لها أن تتم لولا المضايقات والملاحقات التي عانى منها أبناء هذه الطائفة وخاصّةً بعد اندلاع الحرب في فلسطين عام 1948 ولولا قانون التسقيط الذي سنّ عام 1950.
وتحت عنوان "موقف القوى القوميّة العربيّة بالعراق من يهود العراق" يتناول الفصل الحادي عشر بحث تطوّر الحركة القوميّة في العراق والصراعات التي كانت تدور بين أقطاب النخبة الحاكمة في الثلاثينات وانقلاب بكر صدقي عام 1936, ثمّ حركة شباط - مايس الإنقلابيّة والأحداث التي أدّت إلى تبلور تيّار قومي عربي الذي برز تدريجيّاً من خلال "نادي المثنّى" الذي أُسّس سنة 1935 والذي كان قاعدةً للمنادين بالقوميّة العربيّة والداعين إلى محاكاة الحركة النازيّة ومعاداة البريطانييّن. ويحتوي هذا الفصل على 31 صفحة (ص. 309-340) وهو بحث مفصل ومهمً حول تطوُّر التيّار القومي العربي المنحاز للنازيّة والمضاد للإنكليز وسياستهم والمناهض للشيوعية. وكان من الحريِّ بالباحث أن يوضِّح لنا تداعيات هذا التطوُّر وتأثيره على الجالية اليهوديّة في العراق وهم عنوان الكتاب الرئيسي. فهو يسرد لنا بصورة علميّة واضحة تداعيات الأحداث السياسيّة والاجتماعيّة التي أدت إلى حركة مايس 1941 دون أن يشير إلى تأثيرها على يهود العراق بالرغم من أنّه خصّص أحد بحوث هذا الفصل ل"أحداث الاعتداء الإجرامي على يهود العراق [فاجعة الفرهود]" (ص. 359-403), حدد فيه المسؤولين عن تلك الأحداث كما جاء في تقرير لجنة التحقيق الحكوميّة الخاصّة التي شُكلت لبحث هذه المذبحة , وهم :
مدير شرطة مديرية بغداد ومتصرفها, المفوضية الألمانية, دور المفتي, الإذاعتين العراقية والألمانية, الفتوة وكتائب الشباب (ص. 368).
وهنا ألفت نظر الأستاذ كاظم حبيب وانظار القراء الكرام إلى أن لجنة التحقيق غضت النظر عن تقاعس الوصي عبد الإله من اصدار أوامره بإطلاق النار على القائمين بتلك المذبحة وعن دور رئيس لجنة الأمن الداخلي أرشد العمري الذي امتنع هو الآخر من ذلك. وعندي أن هذا التقاعس والإحجام يحمِّل كليهما الجرم الأكبر في تلك الجريمة النكراء.
لقد كان باستطاعة أرشد العمري أن يخمد تلك الحركة الرعناء ويقضي عليها حالا في مهدها مساء يوم الأحد 1 حزيران 1941 حين اندلعت بجانب الرصافة في شارع غازي (شارع الكفاح فيما بعد), لكنه لم يفعل وأتاح لها التوسع والاشتمال على المحلات والأماكن الأخرى التي تواجد فيها المواطنون اليهود. ويظهر أنه كان متعاطفاً مع القائمين بتلك الفاحشة. ومما يعزز هذا التعاطف كون العمري معادٍ لليهود من منطلق أيديولوجي مناهض للسامية وتجلت ميوله هذه بصورة واضحة منذ زمن بعيد حين شغل عام 1934, منصب وزبر الاقتصاد والمواصلات وأقدم على فصل 150 موظفا من يهود العراق بحجة النشاط الصهيوني (أنظر ص. 256). كما وان تعيينه رئيسا للجنة الأمن الداخلي من قبل حكومة رشيد عالي الكيلاني, الموالية لألمانيا النازية, قبل مغادرتها العراق, لدليل واضح أن هذه الحكومة كانت تعده من المتعاطفين معها والميالين لأجندتها العملية والفكرية وإلا لما قامت بتعيينه لمنصب أكبر مسؤول أمني وسياسي عن أمور العاصمة يوم هروبها. وتجلى تآمر العمري وتعاطفه مع القائمين بأحداث الفرهود إثر مقابلة أجراها مع وجهاء الطائفة اليهودية في الرابع من حزيران أي بعد يومين من اخماد نار الفرهود, حين جاء ليطمئنهم. وسجل ابراهام توينا, الذي حضر اللقاء, وهو وجيه من وجهاء الطائفة, في يومياته ما قاله المحامي يوسف الكبير عن أرشد العمري في هذا اللقاء, (والكبير هو صاحب الرأي بين رؤساء الطائفة) : "لقد أجمعت جميع العناصر على القيام بالفرهود, أنا اعرف أن أرشد العمري رجل حازم وقوي وليس من الممكن أن تحدث أمور كهذه عندما تكون السلطة بيده, وأن مدير الشرطة طلب فرض منع التجوال ولكن أرشد رفض". انظر : אברהם תוינה, גולים וגאולים, חלק שישי, רמלה, 1977, עמ' 34.
أما الأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق الذي عاد في صباح ذلك اليوم المشؤوم قبل ما يقارب الست ساعات من اندلاع اعمال الشغب ضد اليهود في جانب الرصافة من العاصمة. وكان بوسعه أن يقمع تلك الأعمال حال اندلاعها وقبل أن تتوسع وتتفاقم, ولكنه لم يفعل. وتقاعس هو الآخر في إصدار أوامره بإطلاق النار على القائمين بمهاجمة اليهود وقتلهم في الشوارع واقتحام دورهم ونهبها وسبي النساء فيها. واستمر في تقاعسه حتى ضحى اليوم التالي إلى أن انضم المعدان أو الشروگ المتواجدون خارج العاصمة إلى القائمين بتلك الأعمال. وكان الغرض الوحيد لانضمامهم هو دافع النهب والسلب والغنيمة, فهاجموا أملاك ومحلات تجارية في العاصمة دون التمييز سواء أكانت عائدة ليهود أو لمسلمين أو لنصارى, فتفاقم الوضع. وعندها علت أصوات سكان العاصمة المسلمين منادية بوضع حد لأعمال الشغب, وعندها اضطر الوصي إلى إصدار أوامره بإطلاق النار على القائمين بتلك الأعمال. وحتى تلك اللحظة لم يحرك الوصي ساكناً.
يظهر أن الوصي الذي عاد إلى عرش الوصاية محمولا على أسِنّة حراب الجيش البريطاني أراد بنهجه هذا أن يحوّل الأنظار عن الهزيمة التي مني بها الجيش العراقي بيد الجيش البريطاني وأن يمتص أو يقلل من الغضب والسخط الذي ملأ صدور الشعب العراقي على الإنكليز وأعوانهم فوجد ضالته باليهود ككبش فداء لإفراغ غضب الجمهور العراقي الحاقد.
أما الجزء الثاني من الكتاب فينطوي, كما نوهت سالفا, على استطلاع آراء شمل 19 من يهود العراق في اسرائيل وخارجها, واستطلاع آخر وجهه المؤلف إلى 21 عراقياً وعراقيةً حول أحوال يهود العراق وحول مجزرة الفرهود. وختم كل من الاستطلاعَين بقراءة مكثفة. وتحتوي هذه الاستطلاعات على معلومات وآراء جمّة تزيد القارئ استيعاباً وفهماً لمجريات الأمور وتطورها.
ويحتوي البحث على ملاحق رسميّة مهمّة أذكر منها:
-نص قانون إسقاط الجنسيّة العراقيّة عن المواطنات والمواطنين اليهود الصادر قي عام 1950.
-نص قانون تجميد أموال اليهود المسقّطة عنهم الجنسيّة العراقيّة الصادر في عام 1950.
-نص تقرير اللجنة الخاصّة التي شُكِّلت بأحداث الفرهود ضدّ اليهود في عام 1941.
وقبل الانتهاء من هذه المراجعة أود أن أُشير إلى ملاحظات قليلة لا تحطّ من أهمية هذا البحث القيِّم :
- لقد غاب عن ذاكرة المؤلف أمرين هامَين كان لهما تأثيراً مصيريّاً على يهود العراق :
الأوّل هو نشاطهم البارز أثناء مظاهرات الوثبة التي أدّت إلى الإطاحة بحكومة صالح جبر عام 1948 وأسفرت عن تغيير جذري في معاملة السلطات لهم وخاصّة استياء نوري السعيد من انضمام الشباب اليهود إلى صفوف الحزب الشيوعي ودورهم البارز في تلك المظاهرات, فمن حينذاك أخذ ينظر إليهم كعنصر هدام لكيان المملكة, وقد قالها صراحةً لوفد من زعمائهم "إنّكم لا تستحقون الحماية" ملمّحاً أنهم لم يحافظوا على شروط الذمة بانضمامهم إلى خصوم الحكومة .
الثاني هو إعدام الثري شفيق عدس باتهامات ملفّقة وواهية. وكان هذا الحدث بمثابة نقطة تحوُّل عند الكثير من يهود العراق الذين أخذوا يشعرون بانعدام الأمن والطمأنينة, مما حدا بالكثير منهم إلى ترك العراق. لقد جاء ذكر اعدام شفيق عدس هامشياً من قبل المؤلف بالرغم من أن الكثير ممن استطلع آراءهم أفادوا أن هذا الحدث كان بمثابة نقطة تحول لديهم وأخذوا على أثره يشككون بإمكانية اليهودي في الاستمرار بالعيش في العراق.
- لم يكن الحاخام ساسون خضوري مالياً معروفاً أو عضواً في مجلس الأعيان العراقي كما جاء في ص. 213 من الكتاب بل كان عالماً دينيا ورئيساً للطائفة اليهودية/الموسوية في العراق لسنين طوال.
- لم يكن الحاج أمين الحسيني يوما ما مفتيا لفلسطين كما جاء على صفحات كثيرة من الكتاب, وإنما كان مفتيا للقدس لا أكثر.
- في السطر الأول من ص. 98 في الكتاب جاء : " راجع الملحق الخاص بسوق القزازين للدكتور نسيم قزاز". بحثت عن هذا الملحق فلم أجد له أثراً في الكتاب.
- في ص. 340 جاء ذكر كتاب يونس بحري على النحو التالي : "سبعة أشهر في سجون قاسم" والصحيح سبعة أشهر في سجون بغداد.
- في ص. 267 كتبت كلمة هاسوفير بالعبرية (הכומר) والصحيح (הסופר).
الخلاصة : إنّي أرى في هذا الكتاب الممتاز بحثاً شاملاً وحياديّاً وكتاباً موسوعياً يحمل بين دفتيه مادة غزيرة ومتنوعة مهمّة للقارئ والباحث العربي المعني بتاريخ يهود العراق في العصر الحديث بل بتاريخ العراق عامة. وليس في وسعي إلا تقديم الشكر للأستاذ كاظم حبيب لكونه سباقاً بوضع الكثير من الأحداث في نصابها الحقيقي والصحيح.
د. نسيم قزاز محاضر في جامعة بن غوريون في بئر السبع سابقاً.
عضو في إدارة رابطة الجامعيين اليهود النازحين من العراق.
بئر السبع, تشرين الثاني 2015
975 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع