شجرتنا........

                                              

بين العلو والعمق علاقة تناسبية، فبقدر ما تعلو الشجرة، بقدر ما تكون جذورها ممتدة في عمق الأرض، فإن كانت الجذور صغيرة وسطحية، فهل تتوقع أن تشهق الشجرة إلى أعلى؟ ولنفرض أنه صار وطالت هذه الشجرة بجذور لا تكاد تحملها، فالأكيد أنها كما طالت وارتفعت ستسقط وتدك فلا دعائم تسندها.

وكذلك هو الحب! فكما عليه أن يعلو فوق سطح الأرض، غير أنه في حاجة إلى تاريخ عميق من الجذور، وهو ما يعني أن عليه أن يتجاوز العاطفة، لأنه حالة أرقى منها. فالعاطفة هي أساس الحب، وليس الحب هو أساسها، بل هو ما يجمِّل العاطفة ويجعلها متحولة. فماذا تعني مفردة الرحمة مثلاً؟ إنها العاطفة عندما تتحول وتُشِع فتصبح رحمة، وعليه فمن أين تأتي القسوة؟ من الجبن! فمفهومنا عن الشجاعة مغلوط، فشجاعة الجندي والمحارب قد تكون في أغلبها شجاعة عادة وتدريب، مجرد آلة بشرية اختزلنا الإنسان فيها لنوهمه بالشجاعة والمواجهة، بينما الشجاعة الحقيقية حين تصبح الروح هي الشجاعة، وشجاعة الروح شيء وشجاعة الجسد شيء آخر، فإذا نجحنا في أن نخلق شجاعة الروح فمن السهل على البشر أن يتحابوا ويعبروا عن حبهم فيلامسوا عنان السماء بجذورهم الشجاعة.

آفة البشرية تكرار نموذج «الفرجار» الإنساني، والفرجار عبارة عن أداة هندسية ذات طرفين، أحدهما متمركز في الوسط والثاني مثبت بقلم رصاص ليدور حول الطرف الآخر يرسم محيط الدائرة المنشودة، وهذا هو الإنسان الآفة... الإنسان الأناني إلى حد النرجسية، هذا المخلوق إحدى قدميه مثبتة على الأرض والأخرى تدور حوله، كل ما ابتعد عن المركز الذي هو نفسه، اقترب منه لأنه مرتبط به لا يفكر أن يغادره لأنه مشغول بالدوران حول ذاته ليرسم دوائره... أسير نفسه وشعاره: «نفسي ثم نفسي ثم نفسي وإن بقي شيء من نفسي فلنفسي»، هذا الإنسان الآفة لا يخطو خطوة ولا يتفوه بحرف قبل أن يعرضه على نفسه ومصلحتها، فإن وافق هواها تبنّى الأمر ولكن بحيلة توهمك أنه إنما يفكر بالمصلحة العامة، ولا بأس بالتضحية في سبيل الجميع. فكيف يُكشف على حقيقته؟ بمقدار ما يقابل من وعي ناضج ومستوعِب، فعبر هذا الوعي ستختفي أشياء عدة من حياتنا، لأنه وعي له جذوره الضاربة في الأرض.

تعلمنا أن نكون أعداء للحياة، بأفكار وأيديولوجيات سلبية، امتدت فترات طويلة، فنامت وصحت معنا حتى ظننا أنها جزء من عظامنا، فهل هي كذلك؟ امتلأنا بما ينغص علينا حياتنا، ومن الوقاحة أننا لا نتورع عن أن ننسبه إلى الدين، فهل يكون الدين ضد الإنسان وضد الحب وضد العمق؟ أزح الحشو وتعلم كيف تفرغ نفسك مما علق بها كي تتمكن من الامتلاء بالله، فإن امتلأت بالله ستكون غامراً وستعرف صوابك، ولن تكون في حاجة إلى مَنْ يعرِّفك خطأك، ولكن كيف ستمتلئ بالله إن كنت ممتلئاً بنفسك وباللف حولها ترسم دوائرك؟ في اللحظة التي ستفرغ فيها من نفسك ستفيض نفسك بجديد قد لا تكون تذوقته من قبل، فامنح روحك هذه النفحة من الروحانية، فمن الواضح أن الماديات لم تنفعها كثيراً.

كل ما يجعلك لا واعياً هو خطأ تقترفه في حق نفسك وروحك، وكل ما يساعد على أن تكون واعياً هو الأصوب، وبالتدرج تعاون مع وعيك، وقلل من اللاوعي الذي تلجأ إليه بمسكراتك وحبوبك ودخانك، فأنت اليوم في حاجة إلى مساحة من الوعي أكبر من ذي قبل، وكي تتوسع مساحة وعيك عليك باستصلاحها، فلا تفقد وعيك من كلمة تظن أن فيها إهانتك، أو من كأس تظن أن فيها علاجك، فكل هذه الأمور الخارجية مجرد جذور هشة، ومن السهل أن تتكسر تحت وقع أية قدم. لكن الوعي العميق لا يقتلع من جذوره، لأن الجذور تبقى تحت الأرض. أنت لا تراها وغيرك لا يراها، ولكن هذه هي جذور الوعي، وعند الاختبار تُعرف صلابتها... جذور لا نراها، صحيح، لكنها تؤثر في أغصاننا وأوراقنا، انتهاء بثمارنا وأزهارنا، فإن كانت جذورنا خافية علينا لكنها الجزء الأهم في شجرتنا، وعلى قدر عمقها يكون الإيمان ومعه الأمان.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

928 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع