زينب حفني
أكاد أجزم بأن بعضكم لم يسمع عن هذا اليوم من قبل! وقد ذكرته أمام عدد من صديقاتي فرفعن حواجبهن وسألنني.. هل هناك بالفعل تسمية من هذا النوع، أم أنه من وحي أفكارك؟ وحقيقة لم أندهش من ردّة فعلهن فهناك من أبعدن أنفسهن عن كل ما يجري في العالم من وقائع، مؤمنات بأن دس أنوفهن في القضايا المشتعلة لن يحل شيئاً منها!
وعودة إلى اليوم العالمي للتسامح، فقد أعجبني رسماً كاريكاتوريّاً يُظهر رجلين أحدهما رجل أمن والآخر رجل شارع متعانقان وهما يبتسمان، وقد أخفى كل واحد منهما هراوة خلف ظهره. رسمة ساخرة تُبيّن أن كلا الطرفين متأهبان لينقضّا على بعضهما في أي لحظة! وتغمز بأن العلاقة بين الحكومة ورجل الشارع يُغلفها الشك والريبة!
ماذا يعني اليوم العالمي للتسامح؟ من المعروف بأنّه تمَّ بمبادرة من منظمة اليونسكو التي أعلنت عام 1995م بأن يكون 16 نوفمبر من كل عام، اليوم العالمي للتسامح. حيث تسعى حكومات دول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى العمل على النهوض برفاه الإنسان واحترام حريته وتشجيع التسامح والحوار بين مختلف الثقافات والحضارات.
هل فكرة التسامح تحتاج إلى قرار رسمي أممي، أم أنه تربية وسلوك ونهج اجتماعي أصبحنا نفتقده بشدة في كل مجتمعات الدنيا؟ هل نحتاج إلى تخصيص يوم للتسامح، أم أن أيامنا وليالينا أضحت بحاجة لشيوع فكرة التسامح مع ارتفاع نبرة العنف والعنصريّة والتعصب الديني بأنواعه؟ هل نُجيد لغة التسامح في تعاملنا مع بعضنا، أم أنها انقرضت مع غيرها من اللغات القديمة التي لم يعد لها وجود على أرض الواقع؟
بلا شك أن العنف المتزايد في العالم نتيجة حوادث العنف المتكررة، جعلت الكثير من المجتمعات المتحضّرة تمحو هذه الكلمة من قاموسها من منطلق لا يفلُّ الحديد إلا الحديد! وأن محاربة العنف لن يُجدي معها التربيت على الأكتف وإعلان العفو عمّن سرق أمن الشعوب وأفقدها أحباء على قلوبها!
قيام مجهولون بحرق مخيم للاجئين السوريين في فرنسا ردّاً على هجمات باريس، يعني بأن لغة الحقد قد تمكنت من البعض وأخذوا هؤلاء الأبرياء بجريرة ما فعله الإرهابيون بهم. رفض عدد من الولايات الأمريكيّة استضافة لاجئين سوريين على أرضها بحجة أنّه قد يكون بينهم إرهابيين، يؤكّد بأن خطاب الكراهية غدا هو المسيطر على عقول الكثيرين! زعيق عدد من السياسيين الأوروبيين أمام الجماهير وعبر شاشات التلفاز، والمناداة بقبول اللاجئين المسيحيين فقط ومنع دخول اللاجئين المسلمين إلى أراضيهم، يعني بأن التسامح قد انحسر من الأذهان وتحكّم التمييز الديني على الأذهان، وطغت لهجة الكراهية والحقد على الغرباء!
تذكّرتُ عنوان القصيدة الشهيرة «لا تصالح» للشاعر المصري (أمل دنقل)، وكأن العالم اليوم بأسره بات يزأر في وجه بعضه البعض بترديد عبارة «لا تسامح». نعم أصبح اليوم التسامح يعيش غريباً! ويحتاج إلى تدريسه في مناهجنا التعليميّة إذا أردنا أن نخلق عالماً مسالماً. تدريس فكرة التسامح سيدفعنا إلى أن نحب الآخرين مهما كانت ملّتهم أو مذهبهم أو جنسيتهم. نشر التسامح في بيوتنا وبين أفراد أسرنا، سيُعلمنا أن نغضَّ الطرف عمّن يطعننا في دهاليز الظلام، بدلاً من سن سكاكيننا لنرد له الصاع صاعين ونتشفّى بإسالة دمه على الأرصفة. تعميم التسامح في إعلامنا سيُشجعنا على أن لا نتهيّب من الغير، وأن لا نتحيّن الفرص للانقضاض على من يخالفوننا، ونقتنع بأن التسامح هو الوجه الآخر للتحضّر والآدمية.
يوم نُدرك بأن التمسك بمبادئ التسامح ليس ضعفاً ولا تهاوناً في حقوقنا، سيعمُّ السلام مجتمعات الأرض كافة.
1571 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع