رواية وردة التوليب السوداء / من روائع الأدب العالمي /ح٤

                                                          

                                  د.طلعت الخضيري

           ورده  التوليب السوداء الحلقه الرابعه

  

     

على منصه  الإعدام

لا تبعد منصه  الإعدام إلا بأمتار قليله عن باب السجن ، ونظر كورنيليوس  إلى الحشود البشريه المتعطشه للدماء ، والتي قطعت قبل ثلاثه أيام أجساد أقربائه كورنيل وجان إربا ، وهم ينتظرون اليوم مزيدا من الدماء أي دمائه هو.
وصعد المسكين سلم المنصه،وهو مرفوع الرأس وبكبرياء ، فإنه انتظر أن يقابل خالقه قريبا  ليشكو له   ظلم  الأنسان لأخيه الأنسان ، وليكون مع جمع الأبرياء من أمثاله تحت رحمه وعطف خالقهم الذي يعلم كل شيأ  عنهم  ، ويعلم  هووحده ببرائتهم ، ومن يدري فقد يتاح  له أن يرى هناك ورود التولب ووردته السوداء.
وركع ليضع  عنقه  فوق صخره الجلاد ، ولم يرغب في أن يغمض  عينيه ،  وذلك لسبب بسيط ،  وهو أنه كان باستطاعته أن يرى نافذه زنزانته، وقد تكون روزا خلفها ،  وهو أخر ما يتمنى أن يراه وهو يفارق الحياه.
وشعر بنسمه هواء بارده  تمر فوق  رأسه ، ولم تكن إلا حركه سيف الجلاد ،ألذي أخذ يدور  بسيفه أعلى هدفه ، وسمع هتاف الجماهير تستعجله لإداء واجبه .
وتفاجأ المسكين  عندما  شعر  أن أيادي قويه قد مسكته ورفعته  إلى الأعلى ، ليرى نفسه واقفا على قدميه  ، وبجنبه شخص يحمل  صفحه  كبيره من الجلد  ختمت بالشمع الأحمر وأخذ يقرأ بصوت عالي مايلي
إن  الحاكم الأعلى للمقاطعات  السبعه  لهولندا ،ألأمير  وليم أورانج ،قد أمر بتخفيف حكم  الأعدام إلى السجن المؤبد.
وأخذ كورنيليوس عند سماعه تخفيف الحكم بمراجعه نفسه، وشعر أنه سيكون سعيدا  للعيش في سجن ستكون به رفيقته روزا ، ونسي المسكين أن في هولندا  خمسه مقاطعات ، وفي كل  مقاطعه هناك  سجن ،   تكاليفه أرخص من السجن  المركزي  في لاهاي ،وتم إعلامه في ما بعد أنه سينقل  إلى سجن قلعه لوفشتاين و الذي يقرب من مدينته دوردرخت.
طمع  الجار
نعود  إلى جار كورنيليوس ،أي ألسيد بوكستر ، فكما ذكرنا ، أنه لم يفقد  الأمل للحصول على  القطع الثلاثه لبصله التوليب ، لذا تبع جاره  إلى مدينه لاهاي ،وخطط للحصول على ما أراده ، فتوجه أولا إلى السجان  غريفوس ، باعتبار أنه أحد أصدقاء السجين ، وعرض عليه مبلغ من المال في سبيل الحصول على ما أراد  ، ولكن  غريفوس وهو الموظف الشريف  طرده ،  لذا  فكر  بخطه أخرى وهي إغراء ألأبنه    الساذجه   روزا ،  وعرض عليها أن يهديها مجموعه من  الزينه الذهبيه مقابل مساعدته ،  ولكن تلك الفتاه  الطاهره طردته شر  طرده ، ولم يتبقى لديه من حل إلا التوجه نحو  الجلاد ، واتفق معه أن يعطيه مبلغ مائه فلوران مقدما ، مقابل أن يسلمه جثه المحكوم ، وتقبل  بوكستر تلك الصفقه بعد أن حسب الربح الذي سيجنيه بعد الحصول على البصله  ووردتها السوداء  وهو جائزه المائه الف  فلوران ،  التي  عرضتها مدينه هارلم.
لذا فقد ظل بوكستر يحوم حول السجن في ليله الإعدام ، ليحصل فجرا على أقرب مكان قرب منصه  ألإعدام ، وتم له ما أراد ، وعندما أتي بالسجين ، أشر بوكستر إلى الجلاد أشاره متفق عليها  وأجابه الأخير بمثلها، وكان من العاده أن تسلم الجثه بعدالأعدام إلى أقاربه أو أحد محبيه ، وكان مخطط أن يصعد بوكستر لاستلامها  ضنا أن كورنيليوس لن يترك  قطع  البصله وسترافقه حتى آخر لحظه من حياته.
وفوجىء الرجل  الشرير  بصدور تبديل الحكم ، وأنه اقتيد إلى عربه  أبعدته عن الساحه ، وخاب ظنه كما خاب أمل المتفرجون  بعدصدور العفو بحق السجين ، وكانوا  يتمننون أن يتلذذوا بموته ،  كما تلذذوا بقتلهم أقربائه  من قبل ، فهل ياترى  سيعود بوكستر الى مدينته يائسا أو أنه سيخطط أمورا أخرى؟

ألسكن ألجديد
سارت العربه إلى قلعه ، تشرف  من بعيد على مدينه السجين ، أي دوردرخت ، إختصت تلك القلعه  يإضافه ألسجناء السياسيون ألمهمين ، وكان الليل قد أطل على القلعه وما حولها عند وصول السجين إليها ، واقتيد من قبل حارس شاب إلى غرفه في أعلى القلعه ، وكانت أشبه بفنادق الدرجه الأولى إذا قورنت بما كان  عليه في سجنه  السابق ‘ فالغرفه واسعه ولها شباك أوسع مما سبق ، والمهم أنه علم أن ذلك السجن  على قرب من مدينته .
حمام مدينه دوردرخت
وعندما حل الصباح ،تبين له من النافذه  منظر مدينته عن بعد، بمداخنها وأسطحها القرميديه ، تحيطها الغابات ونهر الفال  ، وهو  يمتد  حولها.وفوجأ خلال النهار بوصول سرب من الحمام ، قادما من المدينه ، وحط بعضه جوار نافذه   الغرفه ، وقبل أن نسترسل بسرد ماسيحدث  نتيجه قدوم ذلك السرب ، دعنا  نسترجع ما حدث في دار  كورنيليوس ودار جاره  ، فقد بقت السيده مرضعه كورنيليوس الوفيه في الدار ، تديره وتنتظر رجوع صاحبه ،, أما دار جاره  بوكستر فلم يكن به إلا خادم واحد ،  تركه سيده دون أن يترك له  إلا القليل من المال , وعددا من الحمام ، وعندما بدء الخادم  يشعر بقله المال وقله الغذاء ،  بدأ  يوميا بذبح الحمام ليسد به رمقه , وكأن ما تبقى من الحمام قد عرف مصيره فقد  تمكن من الهروب واللجوء أإلى بيت  الجار الطيب كورنيليوس ، واستقبلتهم المرضعه  بالترحاب ، مما أثار حفيظه خادم الجار وهددها  بتقديم الشكوى ضدها ، فتفاهمت  المرأه الطيبه  معه بأن اشترت الحمام منه  بسعر أعلى بكثير من سعر السوق , وانتهت  المشكله وصار ذلك الحمام يطير يوميا حول المدينه ثم يرجع مساء إلى أعشاشه ببيت الرجل الغائب كورنيليوس ، وسنرى ما أراده الله  سبحانه وتعالى مكافأه لصاحب المنزل و للسيده  الطيبه مرضعته.
لنعود مره أخرى إلى سجن لوفشتاين , وعن الفكره التي أتت إلى السجين  ، وهو ينظر إلى ذلك الحمام ،  فبما اأن الحمام قد أتى من مدينته دوردرخت فمن المحتمل أنه سيرجع إليها مساء ، وماذا لو استطاع أن يرسل رساله مع أحدها قد تصل إلى أحد الطيبين من أهالي مدينته والتي سيوصلها إلى مرضعته.
في  تلك الأيام كان عمر كورنيليوس  ثمانيه وعشرون سنه ، لذا كان له  الحق  في أن يشعر بالحب نحو فتاه كانت في سن الثانيه  والعشرين ربيعا ،  وكان تفكيره ينصب  أيضا إلى حب آخر ،   وهو حب  بصله التوليب ،  إذا فكان من حقه أن يحاول المستحيل ليصل إلى هدفه ، وبدأ برسم الخطه  لللإتصال  بحبيبته روزا الطيبه البريئه ، وبدأ بالتقرب  من الحمام يإطعامهم من وجبات  طعامه الهزيله  ، إلى أن تمكن بعد شهر من إصطياد أنثى حمامه ، وشهرين آخرين  لاصطياد  ذكر حمام  , وضعهما سويه في قفص صغير كان قد تركه سجين قبله ، وذلك  على حافه  النافذه وانتظر حتى أنتاج البيض ،  ثم كتب رساله   يتوسل إلى من يجدها إيصالها إلى مرضعته في دوردرخت ، وتوسل إليها أن تتصل بحبيبته روزا وتخبرها عن موقع سجنه.، ثم وضع  الرساله تحت جناح  الحمامه الأنثى ، وأطلق سراحها متأكدا أنها سترجع  إلى عشها حيث يتواجد البيض في حراسه الذكر ، وعند المساء خاب ظنه   حيث عادت الحمامه ولم تزل الرساله تحت جناحها ، ومضى  خمسه عشر يوما وهو يعاود الكره بدون نتيجه ، غلى أن  حدثت  المعجزه  ،  فقد عادت الحمامه بدون  الرساله.
لقد  بدأت  التجربه في خريف  سنه  1673 وأتى الشتاء دون أن  يتحقق شيئا  لصاحبنا.
وفي شهر شباط  بينما كان كورنيليوس  يتأمل   عند حلول الظلام ، وانعكست أضواء النجوم على الغابات  المحيطه بالقلعه , سمع صوتا رقيقا  كان قد ألفه سابقا وأحبه ،  ولم يكن إلا صوت روزا  ،آتيا من خلف باب الغرفه ، وتوجه كورنيليوس  نحو  الباب وهو لا يصدق ما سمعه ، ورأى وجها جميلا يطل  عليه من خلف كوه الباب  الصغيره  ، والتي أضيف أليها قضبان  من  الحديد  متشابكه ، وسمع صوتا عذبا يناديه (  سيدي سيدي)  ،  أما هو فصاح  بصوت عال ( آه روزا.. روزا) فطلبت  منه أن يخفض صوته ،  حتى  لا يسمعه أباها ، وأخبرته أنهما وصلى للتو ،  وأن أباها يستلم مهامه من سلفه ،  وسيصعد قريبا على  أثرها , وقصت له ماحدث وهو أن مرضعته قد استلمت  الرساله ،  فتوجهت  إلى لاهاي وسلمتها إلى روزا , وصادف أن روزا كان لها  قريبه  ،هي مرضعه  الأمير الحاكم  وليم  أورانج ، والذي أكرمها بإداره مزرعته  قرب لاهاي ، وادعت روزا المرض  وطلبت  من أبيها أن تقضي  بعض الوقت  عند قريبتها  في تلك  المزرعه، وتم  لها  ما أرادت  ، وهناك  انتظرت قدوم الأمير  وليم أورانج  لزياره مزرعته  ، فتوسلت إليه أن يكرم  أباها المريض بنقله من إداره سجن لاهاي إلى إداره سجن دوردرخت المحاط  بالغابات لاسترداد صحته وعافيته ،وتم لها ما أرادت وتم نقل والدها   لإداره سجن لوفشتاين ، ألمطل على مدينه دوردرخت.
وهمس  الشاب  - إذا أنك تشعرين نحوي  بقليلا من الحب. وأجابته
- إنك متواضع بقولك قليلا ، ثم همست هاهو أبي آتيا نحونا.
لقاء  ألمعارف
بعد أن زار السجان غريفوس عده سجناء ، يتبعه كلبه ليتعرف عليهم كما فعل سيده  ،  بما معنى  ان يهاجمهم بالمستقبل إذا سنحت له  الفرصه  بذلك ، وأخيرا دخل  السجان  غرفه  كورنيليوس  وهو يحمل  فانوس صغير ، رفعه ليرى وجه السجين قائلا
- إنني رئيس السجانين وعلي مراقبه  الجميع ، إنني لست فضا وإنما  أطلب النضام دوما.
ورفع السجان المصباح إلى وجه  السجين  ثم  قال بتعجب :
- هو أنت  السجين ياللمصادفه.
- نعم أنا هو ياعزيزي  وإني أرى أن  ذراعك قد  شفت بما أنك تحمل بها مصباحك.
-  في الحقيقه إني أرى  أخطاء السياسيون ومنها أن الأمير أورانج وهبك  الحياه ولوكنت أنا بدله لما فعلت ذلك.
- ولماذا يا عزيزي؟
- لأنكم العلماء  تتعاونون  مع الشيطان ولن  تكفواعن التآمر.
وأجابه السجين ضاحكا :
قد يكون السبب في كراهيتك لي إنني لم أعالج  ذراعك جيدا ، أوقد طلبت ثمنا باهضا لعلاجك.
- كلا فقد شفيت بعد ثلاثه أسابيع كماأخبرتني  ورفضت علاج طبيب السجن الذي رغب بإجراء عمليه لي ويتم الشفاء بعدها بعد عده أشهر. والمهم الآن أن أأدي  واجبي وأخذل الشيطان ، وأكرر قولي خطأ  قرارالأميرألعفو عنك.
و ضحك كورنيليوس قائلا - لقد حرمك الأمير من التلذذ  برؤيه قطع رأسي.
- لاريب في ذلك وتذكرأن أقربائك لا يستطيعون  بعد  موتهم   ألتئامر على أحد.
ثم نظر السجان إلى النافذه وتقدم نحوها للتأكد من بنائها ،فرأى عش الحمام خلف النافذه ثم صاح
- وماذا هناك ؟
- إنها حمامي  الذين أستأنس بمرافقتهم.
- وهل للسجين الحق في أن يمتلك شيئا ما هنا ؟ ثم أضاف حسنا سيكون مصيرهم جميعا غدا في جدر الطبخ   بمطبخي.
وانتهزت  ابنته إنشغال  ابيها بفحص النافذه فهمست إلى حبيبها  أنها ستعود للقائه في الساعه التاسعه ليلا عندما يأوي الأب إلى فراشه.
وبعد خروجهم ذهب كورنيليوس إلى النافذه وخرب العش بينما طارالحمام  وهم فزعين , واتجهوا نحو المدينه وهكذا استطاع صديقهم  إنقاذهم قبل حلول وقت غداء الحارس في اليوم التالي.

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

http://www.algardenia.com/maqalat/20449-2015-12-02-07-45-31.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1014 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع