كتابة إيمان البستاني
من حكايا بنت البستاني/ انا ...... وبابا نويل
مدرسة دار السلام الاهلية في كرادة مريم - لو بحثت عنها اليوم - لن تجد لها طابوقة واحدة - هي اول مدرسة ادخلها بعمر ( ٥ ) سنوات كطالبة في الصف الاول الابتدائي , البناء واسع تتوسطه حديقة كبيرة وصفوف كانت معدة لكافة المراحل وهي مدرسة اهلية للسبتيين المسيحيين..
ولان والدي كان يدرّس فيها طلبة السادس الاعدادي بفرعيه , تكرموا بقبولي في هذه السن المبكرة
كل ما أتذكره بقوة للأن من هذه المدرسة هو كيس رقائق البطاطا المقلية الذي يباع في كشك يتصدر الحديقة , وأغاني تشلع القلب لفيروز يبثها ذاك الكشك المبارك , ورغبتي في الهروب من الصف , و دور الوسيط الفاشل الذي كنت العبه بأمتياز بين طلبة كبار بشوارب هم طلبة والدي ينتظروني في كل فرصة لايصال رسالة شفهية لوالدي مفادها انهم بحاجة لمساعدة بعد ان خاطوا وخربطوا في الامتحان , واكثر الاحيان كانت الرشوة المقدمة لي هو ذاك الكيس من رقائق البطاطا المقلية المفضل عندي , ومع اول قضمة أنسى اسم الطالب وثلاثة ارباع الرسالة المكلفة بأيصالها!!!
كانت لنا معلمة جميلة الست لورا اتذكر أناقتها وعقد اللؤلؤ المزين جيدها , وكانت تدرسنا الانكليزي والموسيقى والدين , درس الدين هذا الذي حُشرت فيه حشراً , كان فرصة طيبة لقيلولة لذيذة لولا انه اخذ منحى الجدية حين جلبوا لنا بوسترات ايضاحية لقصص الانبياء واحدها بكبر الحائط , لا زالت قصة النبي يعقوب وأخيه التؤام عيسو امام عيني لحد الان , وكيف سُمي بيعقوب لانه عقب اخيه في الولادة , وكان الفرق بينهما ان عيسو كان مشعر كأنه تيس جبلي , في حين يعقوب كان املس او املط
والبوستر كان فيه النبي يعقوب صبي ملتحف بجلد خروف بين يدي والده النبي اسحق الكهل بحيلة وتدبير من والدته حتى ينال النبؤة من ابيه ولكي تحرم ابنها عيسو منها , لا احد يسألني الان لماذا لأنه كل ما بقي في ذاكرتي هو جلد الخروف
وكانت الست لورا تعزف لنا على البيانو كل يوم سبت في القاعة الكبيرة تراتيل دينية لا افهم منها شيء سوى الغوص في المقاعد الخشبية التي تشبه مقاعد الكنيسة حتى لا يبدو علي اني اغرد خارج السرب
الى ان جاء يوم عيد الكرسمس وكان عندهم تقليد بأن يقوم استاذ سامي الذي يدرسنا الحساب بلبس زي بابانويل , ويجمعون يومها كل الطلبة في تلك القاعة وكأنه يوم الحشر لزحمته , وعندها يدخل علينا من جهة المسرح هذا المخلوق بلحيته البيضاء وكرشه الكبير شاحطاُ خلفه كيس كبير مليء بالهدايا
واكراماً وتقديري لوالدي اقترحوا تلك السنة ان يعطيني بابانويل هدية خاصة وكأنهم بهذا ايضاً يذيبون جبل الجليد الذي بيني وبينهم
جلسنا في القاعة الكبيرة وبدأت ست لورا بالعزف على البيانو الضخم واللماع بلونه الاسود الموضوع في المسرح والكل تحت على المقاعد يردد خلفها الا أنا ( أطرش بالزفة ) , وهنا دخل علينا بابانويل ولحد الان اتذكر منظره وهو متجه بخطواته نحوي , ذبحني عندما اطلق ضحكته الشهيرة , عندها بدأت بالبكاء والنحيب , فسكتت موسيقى ست لورا , وسكت الجميع والكل ينظر لي إما بعطف او بأشمئزاز , حتى تقدمت مديرة المدرسة ( ست سلمى ) وكانت تشبه نجاة الصغيرة داخل كوستم انيق وهي تربت على كتفي وتقول - لا تبكي يا صغيرتي هذا سيعطيك هدية من بابا - يا هدية , يا بابا , ازداد البكاء لان بابا نويل لحظتها كان قريب مني بأربع اصابع وهو منهمك بأخراج علبة شوكولاتة كبيرة عليها وردة كبيرة لونها وردي
كان الحل الانسب والوحيد هو استدعاء والدي من مكتبه لانهاء حفلة اللطمية هذه , بالفعل حضر والدي وكانت تبدو عليه عصبية واضحة , اخذ علبة الشوكولاتة من مقصوف العمر بابانويل وناولني اياها وابتسم للجميع وشحطني من يدي وهي اسرع وسيلة لأزالة العائق الوحيد الذي افسد عليهم حفلتهم السنوية
استقبلني الاهل بالبيت كأني خارجة من سجن , بقت العلبة بحضني لا تفارقني مما جعلها تذوب وتسيح , وكلما طلبوا اخذها لتنظيف ملابسي يصيح بهم والدي قائلاَ - اتركوها دخيل الله ....لقد دفعت ثمنها دموعا عزيزة
في أمان الله
857 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع