تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً
القائمقام أبوعَـزام !
رواية واقعية تنقصها الصـراحة,من الحياة الأجتماعية
في العراق,.. في الحقبة بين سنة 1948- 1958م
بعد أن تمت حفلة العشاء, وتبادل أحاديث الساعة التي ترددها الأذاعات, يتهيأ الوزيروحرمه للخروج, وتبدي السيدة " لهيب "وضيوفها الأسـف على مغادرتهم, فيعدها الوزيربتكرارالزيارة أوتشريفها لهم في أي وقت تحدده,.. وبعد ثواني من مغادرة الوزيروزوجته,.. ترجع السيدة " لهيب" فرحة, الى الصالون, وترحب بضيوفها ثانية بلهجة أهل الشطرة,.. فتغمر" نسمه ", الدهشة لدقة لهجتها, وتستفسرمنها عن مقدرتها,.. فتعدها بمعرفة ذلك في الوقت المناسب,.. ثم يطلب الدكتورسرحان الأذن بالمغادرة, قائلاً : لم نكن نتوقع زيارة الوزير, ولا ندري سبب زيارته لكم من دون سابق معرفة؟,.. فتنزعج " لهيب " قائلة : أرجوالبقاء, فأنا بحاجة لوجودكم , وأني مستغربة من تصرف الوزير,.. ألم يكن بدراية لأصول الزيارات؟ فلماذا أقتحم بيتي, بحجة أعجابه بـ" نيران " لما رآها في حفلة الروضـة!
**وبعد هدوء التشنج, تعقب" لهيب": كنت مُخططة لسيناريو خاص معكم , كي أشـم فيكم نسيم الشطرة وريحة كيمرها,..وتمنيت أن نكون بمفردنا حتى أزيل آلام الماضي وأطفأ الحريق المستعرفي صدري!,.. فتصاب " نسمة " بالغثيان والدواروتتراقص في ذهنها مشاهد هي أقرب للحقيقة من الخيال قد حدثت معها يوم أن كانت توزع الكيمرعلى الزبائن في الشطرة ,..ألا أنها لم تجد ما يربط هذه السيدة الغنية بالوزير وتسألها: يعني لم توجهي الدعوة لهم؟
* فيستفز هذا السؤال أشجان أم نيران وتقول:أطلاقاً !, ولكن ما العمل؟, فهو في بيتي في لحظة وجودكم , وغباء المعينة نبعة هو السبب, لأنها لم يســبق لها التعرف بكما, وعلى أية حال,أرجو منكما الجلوس قليلاً, وتؤشر بيدها : تفضلا,..تفضلا !,..فنظرت " نسمة " لوجه سرحان والغضب كسى وجهها, فهمست بأذنه,(أشوفك فرحان!), ولم يرد عليها وقادها وجلسا ثانية,... فيما أحمد ونيران يلعبان ,.. وتبادر" لهيب " بكسـرالوجوم والتخمين أوالحَـدس عما دار خلال تناول العشاء, وتغيرمجرى الحديث وتسألهما:
* كيف أحوالكم في سكنكم؟ فتجيبها"نسمة"وهي تنظرالى ردة فعل سرحان:
بكل تأكيد, جيدة جداً, وخاصة أبوأحمد فهو بمنتهى السعادة!,وكل يوم يُرحم على من قال:الجار قبل الدار!,والله يا أم نيران نحمدُ الله الذي أتم نعمته علينا بهذا السكن,.. وانشاء الله نتعرف مع بعضنا,فأني حصلتُ على تخصص بالخياطة الحديثة للسيدات من لندن, أثناء أكمال أبو أحمد دراسته في جامعة لندن!, فتباركها , ثم تعتذرعن تشنجها بوجود ذلك الضيف الثقيل,
* وتتقمص الفرح وتبتسم قائلة : لا يمكن أن تعرفون سعادتي بوجودكم!,..وخاصة بنسمة,..
وبالمحروس أحمد وتعلق " نسمة " بأبتسامة خبيثة : بـس لا تنســـين أبو أحمد!,.. فتتفهم
" لهيب " مشاعـرالزوجة بوجود أمرأة جميلة ووسيمة,.. وتدرك ما تبغي الأشارة له لتبديد الغيرة التي أستعرت بأحشاء " نسمة ",.. قائلة:
* الدكتورسرحان سيكون أخي, طالما هو من الشطرة,.. فـذهـُلت " نسمة " لكلام " لهيب "
و ُذهلت " نسمة " من كلام " لهيب " وأيقنت تكهنها, وبدأ شريط الذكريات بالتسرب, وتخيلت الأحداث أمامها, وتذكرت الشطرة وقائمقامها, وزوجته " صبرية " وصحون الكيمرالتي رمتها عليه لما أراد التحرش بها لأغتصابها, فهربت من بين يديه,.. وطفرت سياج الحديقة!, وراحت تقارن بين الماضي والحاضرولم تجد رابط بين هذه السيدة الغنية و" صبرية " الزوجة الثانية للقائمقام!,..ثم راحت تحلل تصرفات الوزير, وتلهفه لرؤية " نيران " بشكل أثارأنتباه الجميع , مما دفع زوجته أم عزام لـتَحـضن الطفل " أحمد ",.. وتبين للحاضرين أنها كزوجها مُغرما ن بحب الأطفال, وعلى أية حال, توشحت " نسمة " بغيمة سوداء حجبت عنها صوراً تـَراقصت في ذهنها,.. وتنهض فوراً وبحركة (هستيرية) , تـَحضـن السيدة " لهيب " قائلة : أنت,أنت من رأيتها في بيت قائمقام الشطرة عندما تحرش بي؟, فأجابت, نعم أنا " صبرية " !, وتصمت,.. " نسمة " ثم تـَصرخ , وأنا بائعة الكيمر," نسمة ",.. ويتبادلن العناق والقـُبـَل, بعيون دامعة !
** الدكتور سرحان يرصد, هذا المشهد وهوكالمسطول,..ولم يدرك ما الذي يجري أمامهُ!,.. ويستمرالمشهد لبضعة دقائق,.. وتهدأ النفوس, وتعود " نسمة " الى زوجها فتجده ســارحاً,.. وتقول له : ألم أقل لك يادكتورأن وجه هذه المرأة ليس بالغريب,..فينهض سرحان ويصافح "لهيب" بحرارة, قائلاً: أذن أنت من سكنت عند قريبتي (أم علي زوجة رئيس بلدية الشطرة), يوم فرار زوجك القائمقام !,وتصمت " لهيب ", وتقول: وهل بالأمكان نسيان مثل ذلك اليوم؟
,وتعقب" نسمة "على ما سمعته : والآن ماهي العلاقة بينكما ؟,فتجيب " لهيب " بمرارة:
* والله لا أدري من أين أبدأ الشرح ,.. فقصتي تحتاج لعدة جلسات لأكمالها, و أعدكم بسرد ما في جعبتي في الوقت المناســب, وتعقب: وبعون من الله, تمكنت من الوصول الى مستوى جيد ومرموق في بغداد,..وكما قيل : قطرة السم تفسد برميلاً من العسل,..
فقد طاوعته بالزواج عرفياً, ولم يعترف ليومنا هذا بأبوة أبنته, وبعد أن أنكشفت أعماله فصل من الوظيفة,.. ولم يسأل عني ألا بعد أن رأى " نيران", ولـَفتهُ أسمها,عندما غنت في الروضة وجاء هذا اليوم برفقة زوجته, أم عزام ليتأكد من أنني" صبرية " الخادمة عنده في الشطرة!,..
ولم تكن لديه الجرأة ليعترف بزواجه الناقص,..خوفاً من زوجته التي ستحرمه من أرثها ومن الوزارة, وحمداً لله الذي أكرمني بالمال والجاه,..وبعد أن شطبته من حياتي, ظهرلي فجأة,..ولا أدري ما العمل؟,.. وما هو النهج الذي سأسـير فيه لأتجنب شـره ومكائده !,.. وها هو اليوم بدأ بتنفيذ خارطة طريق جديدة من أجل أسترداد أبنته التي أنكرها وهي طفلة ولم يعترف بها أوأن يقدم لنا المال لشراء الدواء والحليب, وطردني من مكتبه ولم تخطر بباله "صبرية " الغلبانه,..
وها هي أنا الآن,..كما تشاهدونني بأعينكم!,أعجبته لأني أصبخت شـكل ثان!,..وعلى أية حال, أراد سرحان أن يهدأ من أنفعال " لهيب ", فنظرالى" أحمد ونيران " وهما منسـجمان باللعب, ويقول : كم أتمنى أن تدوم صداقتهما!,..فتتوجه " نسمة " نحوهما وتشـاركهما باللعب, فيستغل سرحان الفرصة ليتحدث مع " لهيب " فيقول:أعتبري" نسمة " أختك, وبأمكانك الأعتماد عليها في أدارة شـؤون بيتك, فهي نـسـمة جنوبية, درســت في أرقى معهد للخياطة في لندن, .. وهي تفرق عن أية أمرأة أوربية!,.. فتهدأ " لهيب " وتتمنى له ولزوجته الأستقرارفي بيتهم وعمله, وأنها مستعدة لتقديم أية مساعدة,لأتمام كل ما يحتاجه,فيشكرها الدكتورسـرحان , ويقترح عليها زيارة الشطرة معاً في عطلة نصف السنة, فتغمرها السعادة, ويشرق وجهها بشـعاع غير مرئي معبراً عن جمالها الفطري, فيتمعن بها سرحان وهو شارد الذهن, ومستغرباً من جحود الأنسان وخديعته مع من تفانى بحبه ومكنه من تحقيق حلمه, ويخون نعمتة بسبب المال أوالمركز, فيبيع نفسه ليكون مطية لغيره !, وما أن يخنع, يـُرمى َرمية الكلاب كأعمى بطريق مـُظلم !
** وبعد فترة وجيزة,..تقترب " نسمة " من زوجها الملتهب بحديث السيدة " لهيب ",وينتابها بعض الفضول,..وتقول : والله أشـتقنه يا أبوأحمد لأخبارالشطرة,..فعسى أن توافق أم نيران على السفرمعنا للشطرة!,.. فتشكرهم على تحمسهما لمساعدتها وتعدهم بتنفيذ رغبتهما حالما تصفي مشاكلها مع أبو عزام وأتحرر منه !
* وبلفته ذكية من سرحان لتفهمه ضحالة المرأة وغيرتها حينما تحس بتثمين زوجها لأي أمرأة أخرى حتى لو كانت أقبح منها,..أنها الغيرة!, ولذا ختم سرحان كلامه مع " لهيب " قائلا لها: أعتبريني كأخيك الصغيربالرغم من أنك تبدين أصغر مني, ويظهر القلق على ملامح " نسمة" لسماعها الأطراء المعمق أو قل الأعجاب المتبادل بين زوجها و" لهيب ", و(تتنحنح), قائلة: " نحن هنا يا دكتور", فتدرك أم نيران أرتفاع حرارة غيرتها,..فتهون عليها الأمرقائلة :
* لا تخافي يا أم أحمد لقد هـَرمنا,.. وفاتنا القطار!, ولم أعـُد ملفة لنظرأي رجل!,..فأأبو أحمد
دكتوراه بالأدب, وأراد مجاملتي, ولذا راح يطبق قدراته في البلاغة الأدبية, وأطمأني حبيبتي, فليس في الكون ما يعوضه عن نسمة الشطرة ؟ ثم دعت لهما بالسعادة, وتطوقها وتقول لها : أكيد أبوأحمد كان يجاملني ليخفف عني ما أعانيه من عذاب وبلا,.. ودعت لهما بالسعادة,..ثم ينقلب الموقف الى التراجيديا,.. وتنهمردموعها لهذا الأطراء,.. وتزداد نشوة, لتحسسها لمعنى الحب والأحترام بين الأهل والأصدقاء, فيهيم الدكتورسرحان بها, ويقف أمامها وجهاً لوجه,.. ولولا تخوفه من سوء فهم زوجته, لقبلها تسع وتسعون قبلة وليخسأ من يقول أن علائق المرأة والرجل هي الجنس وبـــــس!, وعندما حان الوداع شكر"لهيب" قائلاً: كلامك شهادة أعتز بها!
***ودارت الأيام, وبينما كانت " لهيب " تتناول فطورها وتتصفح جرائد الصباح, رن التلفون,
وبعد لحظة تصل المعينة نبعة لتخبرعمتها : أبوعزام !,.. يطلب التكلم معك,.. فهرعت لتكلمه, فقال: حبيبتي "صبرية" يجب حل المشكلة بيننا من أجل نيران,وحرام حرمانها من حنان الأب!
* فتصمت " لهيب " قليلاً, ثم تعقب على أفتراءه : وهل أنا التي حرمتها يا صاحب المعالي؟!,
فيجيبها : غلطة ومش حاتعود!,.. فتكتم أم نيران غضبها,..وتستهزء به قائلة:
* صلوات على النبي صرت تتكلم اللهجة المصرية, هل أمشغل وحده مصرية ؟,فالثعلب يفتش على وحده من طينته !, ومع كل الأسف, أن يكون لـ "نيران " أب جاحد, فـيـزجرها قائلاً:
* لماذا الغلط يا حبيبتي,..فتجيبه بعصبية : هم لك لسـان وتتكلم عن الذنب,..رحم الله المصري أللي كال : أللي أختشوا ماتو!, فما العمل؟, ولم تتمالك غضبها, وتمطره بوابلاً من حقدها عليه
قائلة : أنني لا أستطيع أن أنزل الى مستواك المتعجرف, وتخدعهم بالكلام حتى زوجتك التي رميتها في اللحظة التي علمت فيها بمرضها العضال ورميت شباكك عليَ , وأنا صبية لا أفهم من الدنيا شيئ , فخدعتني بغرامك الوهمي, وما أن وقعت بشــرأعمالك , حتى هربت من الشطرة غير مبالي بما سيحصل لي وأنا حامل بنيران , والآن تـُذكرني بالذنوب؟, يا.....,..
فيفقد أبو عزام الأمل من ترويضها, وراح يعزف نـفـس الأسطوانة المشروخة,.. فيقول : لقد ضحيت بكرامتي ورضيت بعيشة الذل مع أم عزام حتى أصل الى ما أنا عليه من أجل عينيك يا نورعيني!, ويعقب : أن أيام أم عزام معدودة, وسوف تودعنا قريباً,.. وبعد ذلك تعودين لي ونعيش برفاه وسعادة وصفاء!,..فترد عليه بأشد قسوة قائلة : يا عديم الوفاء , هل تتمنى الموت للتي آوتك يوم كنت محامي نكرة, فجعلت لك قيمة بين الناس!,... فيتظاهربالبرود قائلا ً: لماذا أنت عصبية يا حبيبتي؟!, فترد عليه : حَبايه أبعينك,هل لك عـلم بمعنى الحـب؟,فيصمت الى ان أنتهت من رزالتها وهوغيرمبالي لما يسـمع,..من أجل ان يمتص غضبها, فيسألها هل تذكرين سلام العين ؟,.. وكيف كنا نتبادل التحية بها!,.. وهل نسيت القصيدة التي كتبتها لك بعنوان :
" ياسلام العين يا أحلى كلام = رد لي عمري بنظره منك لوسلام"
** وما أن يكمل القصيدة, تقول له : هل يجوز لمسؤل في الدولة ترك عمله ليتغازل بالتلفون مع خادمته كالمراهق؟,.. لكن العيب ليس فيك,.. بل بالمسؤل الذي رشحك لهذا المنصب!,.. وبالدولة التي أناطت بك وزارة المعارف,.. وأنت الفارغ من المعرفة,.. واغلقت التلفون!
يتبع في الحلقة / 18 ,.. مع محبتي
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://www.algardenia.com/maqalat/20612-2015-12-11-08-15-23.html
935 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع