خالد القشطيني
في هذه الأيام التي يجري فيها كل هذا التطاحن المؤسف في العراق باسم الدين، يغيب عن معرفة الكثيرين، لا سيما الغرباء عن العراق، أن هذا البلد من أقل البلدان الإسلامية مراعاة للدين. وتمتد جذور الشك والتحدي العلماني إلى فجر التاريخ، كما يشهد بذلك كثير من المقاطع من ملحمة غلغامش السومرية. وفي العصر العباسي ظهرت مجموعة الشعراء المجان، وعلى رأسهم أبو نواس، ممن يأبى أكثر الناشرين نشر بعض أشعارهم الإلحادية. وتبنى خلفاؤهم مذهب المعتزلة الذي غلّب العقل على النقل.. وغير ذلك من الامتدادات العلمانية والجدلية.
الزواج المختلط بين الطوائف والأديان ظاهرة شائعة بين العراقيين. وحتى السنوات الأخيرة، كان من الصعب جدًا أن تجد أحدًا منهم يلتزم بالفرائض. فتح كل ذلك الميدان للحزب الشيوعي ليصبح أكبر قوة سياسية في العراق، بل والشرق الأوسط، حتى فتك بهم حزب البعث وشردهم.
كثيرًا ما تؤدي هذه الخلفية بالعراقيين إلى الوقوع في شتى الشطحات والمطبات. وياما وقعت بمثلها في هذه الصحيفة. كنت أروي في إحدى مقالاتي حوارًا بين تاجرين.. أقسم أحدهما لزميله واسمه علي، فقال له: «وسميك الإمام علي بن أبي طالب، أنا ما... إلخ».
ما إن نشرت الصحيفة ذلك، حتى ثارت ثائرة كثير من القراء وتوالت الاعتراضات والانتقادات.. كيف تكتبون ذلك، فالقسم لا يجوز إلا بالله تعالى؟
نادى عليّ رئيس التحرير.. كيف يا أبو نايل تكتب ذلك وتثير علينا القراء؟!
شرحت له بأن مثل هذا القسم شائع في العراق. وكنت أقتبس كلام أحدهم، وناقل الكفر ليس بكافر. ثم ذكرت له ما قاله شاعرهم محمد مهدي الجواهري، رجل نجفي تعمم وتخرج من مدرسة النجف.. ألقى قصيدة في رثاء صاحبه المناضل الشيوعي جعفر أبو التمن، وأقسم فيها قائلا: قسمًا بيومك والفرات الجاري والثورة الحمراء والثوار!
ها هو شاعر نجفي يقسم بـ«ثورة أكتوبر» البلشفية والثوار البلاشفة، لينين وستالين! ما رأيك برجل معمم يقسم بالرفيق ستالين؟!
ضحك رئيس التحرير، وقال: انتو يا العراقيين بلوى بلواكم! اكتب تصحيح واعتذار. فعلت وأطلعته عليه بالإشارة للاستعمالات العامية في بغداد. فقال
ما ينفع. اكتب غيرها. كتبت. ما ينفع أيضًا. قلت له في الأخير: يا عزيزي اكتب أنت الاعتذار بلساني وأنا أنشره. فعل وكتب: آسف على السهو الذي جرى في المقالة الفلانية بنتيجة الخطأ الذي وقع به الكومبيوتر!
بارك الله في الكومبيوتر! كم من أوزار تحمل عنا ومن الجرائم والسرقات تستر فيها علينا وقام بها لحسابنا!
774 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع