د. منار الشوربجي
تستحق مجموعة لاند مارك الإماراتية التحية لأنها كانت أول من بادر بمقاطعة منتجات «ترامب هوم» لمستلزمات المنازل بعد أن دعا صاحبها دونالد ترامب، المرشح الجمهوري المحتمل لرئاسة الولايات المتحدة، إلى حظر دخول المسلمين الأراضي الأميركية «حتى نعرف ما الذي يحدث بالضبط».
والحقيقة أن كلمات ترامب بشأن «ذلك الذي يحدث بالضبط» هو في ذاته لب القضية.
وهي التي لخصها في عبارات قليلة لاعب الكرة الأسود المسلم الشهير أمير عبدالله، حين قال: «إنني أشجع كل شخص أن يعلم نفسه قبل أن يتخذ موقفاً إزاء أمر قد لا يعلم عنه شيئاً». ورغم الكلمات المهذبة للغاية التي نطق بها أمير عبدالله، إلا أنها تحكي باختصار قصة دونالد ترامب الذي كلما نطق بعبارات فجة ارتفعت أسهمه الانتخابية. فمن يستمع جيداً لدونالد ترامب يدرك بوضوح أن الرجل رغم نجاحه في مجال المال والأعمال، إلا أنه يحمل رأساً جاهلاً بالعالم من حوله.
وهي آفة ليست بعيدة عن الترشح لمنصب الرئاسة بأميركا. فقد سبقه دان كويل الذي كان عضواً في مجلس الشيوخ ثم نائباً لبوش الأب، بينما لم يكن يعرف كيف يكتب كلمة «بطاطس» باللغة الإنجليزية.
وبوش الابن لم يعرف كيف ينطق كلمة «يونانيون» بالإنجليزية. أما سارة بيلين التي ترشحت لمنصب نائب الرئيس في 2008، فلم تتورع عن أن تهاجم العرب بالجملة، ولم تستطع أن تسمي صحيفة أو مجلة واحدة تقرأها بانتظام.
وترامب في حقيقة الأمر يعبر عن تلك الحالة نفسها والفارق يتعلق بالدرجة. فالرجل بالغ الفخر بعنصريته وجهله معاً ومعتزاً بهما ومصراً طوال الوقت على عدم الرجوع عنهما. فحين قال أوباما إن «المسلمين أصدقاؤنا وجيراننا وزملاؤنا في العمل بل وأبطالنا الرياضيون»، رد دونالد ترامب بكل صلف: «أي رياضات تلك التي يتحدث عنها ومن هم هؤلاء» الأبطال. والعبارة في الحقيقة تجسد الجهل ليس فقط بالعالم الخارجي، وإنما بالواقع والتاريخ الأميركي ذاته.
فأى أميركي في عمر دونالد ترامب لابد وأنه عاصر محمد علي كلاي في أوج مجده. ومحمد علي كلاي، بطل الملاكمة الأسود، الذي كان ملء السمع والبصر في الستينيات والسبعينيات، لم يكن يخفي إسلامه مطلقاً. ولو لم يكن الرجل المتعصب سمع عنه كبطل رياضي فلابد أنه سمع عنه لأنه رفض الخدمة في حرب فيتنام في وقت كانت فيه الجندية في الجيش الأميركي إلزامية.
ولا يمكن لأي أميركي أن يجهل أمير عبدالله ولا حتى كريم عبد الجبار لاعب السلة الأسود المسلم الشهير، والذي قال بحق أن دونالد ترامب هو «انتصار لداعش»، ووصفه بأنه قد رفع نفسه لمستوى الأشرار «أمثال جيمس بوند.. هو مثل كل الأشرار، مصيره الفشل».
وترامب في السياسة الداخلية كما في السياسة الخارجية، لا يقدم سوى كلمات جوفاء لا تحوي أية برامج ولا خطط يمكن الحكم عليها. وهو كلما سئل عن خطته المحددة لإصلاح برنامج ما في السياسة الداخلية يستخدم تعبير «الإدارة الناجحة»، وكأن الولايات المتحدة متجر كل المطلوب لها أن تجد لها مديراً ناجحاً لا بلد له مؤسسات تعمل وفق الدستور، ويقوم بعضها مثل الكونغرس والمحكمة العليا بصنع قراراتها على نحو جماعي معقد لا يشبه بحال مجالس إدارات الشركات التي يملكها ترامب. وفى السياسة الخارجية، لا تجد لدى ترامب مجالاً للدبلوماسية مطلقاً. فكل ما يعرفه هو القوة العسكرية فقط.
والحقيقة أن الأميركيين الذين رفضوا ما قاله ترامب بحق المسلمين أكثر بكثير من الذين أيدوه. لكن مؤيدي ترامب كما هو واضح من استطلاعات الرأي أغلبيتهم الساحقة من البيض الرجال الذين يحملون المؤهلات المتوسطة.
وتلك الفئة تحديداً لديها مخاوفها الكبيرة من كل من هو مختلف عنهم سواء أكان أميركياً أو غير أميركى. فهم يرون، دون دليل علمي، أن الأقليات عموماً مسؤولة عن تدهور أوضاعهم المعيشية أو أنها ستكون يوماً ما مسؤولة عن ذلك. وهؤلاء، خصوصاً من يعيشون منهم في جنوب الولايات المتحدة هم أول من هجر الحزب الديمقراطي في السبعينيات لشعورهم بأن الحزب ذهب بعيداً نحو دعم السود على حسابهم. وهم كذلك يشعرون بقلق عميق إزاء المهاجرين عموماً لأن تدفقهم يعني، بالنسبة لهم، فقدان الوظائف وتدهور أحوال المعيشة.
أضف لذلك، أن هناك قطاعاً من الأميركيين يفضلون الرؤى الحدية، من نوع الأبيض والأسود فقط، لأنها بسيطة ويكرهون التفاصيل المعقدة للقضايا. لذلك، فإن كلمات دونالد ترامب تروق لذلك الفريق الذي يعادي الأفكار المركبة.
وترامب ليس حالة فريدة في اجتذاب كلا الفريقين، إذ يوجد تيار مهم داخل الحزب الجمهوري يغذي مخاوف هؤلاء من الأقليات والمهاجرين لأسباب انتخابية بحتة. وتلك ليست مسألة جديدة، فهي استراتيجية انتخابية متبعة منذ عهد نيكسون، ولا يزال الحزب الجمهوري يستفيد منها حتى اليوم. كل ما في الأمر هذه المرة أنها صارت أكثر فجاجة من أي وقت مضى لدرجة يصعب معها كسب قطاعات أخرى.
737 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع