عامر السلطاني
في طفولتي كنت دائماً اشاهد اخي الكبير ( الله يرحمه ) يتهيأ لتسجيل حفله ام كلثوم الشهريه التي تبث مباشره من الاذاعه المصريه على الشريط الدائري القديم للمسجل الكاسيت .
لم أعرف حينها من هي هذه المطربه التي يُعطيها كل هذا الاهتمام ومن اي بلد ، وعند أستماعي لأول اغنيه ( أنت عمري ) عشقت هذا الصوت وعرفت انها من مصر فأحببت البلد الذي أنجب هذه المطربه الرائعه .
في الدراسه المتوسطه بدأت اعرف حجم ودور مصر في النضال العربي ضد الصهيونيه والاحتلال ومن هو سعد زغلول وجمال عبد الناصر ومن خلال مشاهداتي للافلام المصريه تكونت لي صوره واضحه عن هذا البلد وبدأت اعرفه عن قرب واعرف أسماء مدنه وازقته ولهجتهم الجميله والخفيفه على اللسان كخفه دم أهلها وطيبتهم ، ولم يكن في بالي ان الايام ستحملني للعيش هناك
وكانت تُخفي لنا مالم يكن بالحُسبان فهل يُعقل أن بلد في القرن الواحد والعشرين صاحب أعرق حضاره في التاريخ يُحتل أرضه ، ويفقد شعبه نعمه الامان والاستقرار وتشرد العوائل وتزهق الارواح وتسرق الممتلكات وكأن التاريخ يعود للوراء ويدخل هولاكو من جديد لبغداد !!!!!!؟
وحدث الاحتلال عام ٢٠٠٣ وجرى الذي جرى في العراق ، فكان قراري بالرحيل والاستقرار في مصر والعيش في هذا البلد العربي بسبب الظروف التي اجبرت الغالبيه من ضباط الجيش العراقي لترك منازلهم نظراً للتهديد الذي تعرضوا له وحمله الاغتيالات الممنهجه والمبرمج والمخطط لها لا لشئ ولكن لمجرد انهم دافعوا عن البلد ووقفوا ضد الاطماع الفارسيه من تحقيق احلامها التوسعيه على المنطقه العربيه ولأن الغدر لايتمكن احد من مواجهته لذا كان قراري بالهجره والرحيل والاستقرار في مصر .
عشت في مصر احلى واجمل ايام حياتي جمعتني صداقه مع اشخاص وكأني اعرفهم منذ طفولتي فالحياه بسيطه وممتعه لاتحس بالغربه اطلاقاً وأنك فعلاً في بلدك ، ولكني اعتب على حكومتها التشديد على دخول العراقيين وعدم السماح للأغلبيه بالدخول رغم ان باقي العرب يدخلون بكل حريه ومن دون تأشيرات دخول ، وهذه سياسه دوله لا نريد الدخول في تفاصيلها ولكني من باب حبي لمصر واعتبارها البيت الكبير لكل العرب ذكرت هذا العتب وهو عتاب المحبين .
الطريق الى الغربه هو طريق صعب ، البحث عن المجهول في عالم يختلف عن ماكنت فيه وتعودت عليه ، رغم الاختلاف في نمط الحياه الا أن الفرد يجد نفسه سرعان ما تأقلم مع ناسها لانهم بطبيعتهم طيبين ويحبون العراق واهله ، ويذكرونه دائماً بالخير وسبب ذلك الحب أن اكثر من اربع ملايين مواطن مصري كانوا يشتغلون في العراق وكانت معامله العراقيين معهم طيبه وكأنهم اهل الدار ،
عندما تركت بلدي ورحلت الى مصر شعرت انى تركت روحي وقلبي وسافرت بجسد بلا روح ، شاءت الظروف ان تتكرر نفس الحاله ونفس المشاعر عام ٢٠١٢ عندما حصلت الموافقات عن طريق الامم المتحده وسافرت من مصر الى امريكا بعد ان عشت في ام الدنيا ٨ سنوات لم اشعر بالملل او الغربه ابداً وكأني اعيش بين اهلي وناسي ووطني الثاني وتكررت نفس العاطفه ونفس الدموع التي لم اتمكن من السيطره عليها اثناء رحيلي من بغداد هي نفسها اثناء رحيلي من مصر لتعلقي بهذا البلد وحبي له وجمعتني صداقه اخويه مع الكثيرين من اهله .
بعد مايقارب الاربع سنوات من مغادرتي مصر احس بنفس الشوق واللهفه اليها كما احسه لبلدي العراق وعندما اتذكر ايامها الجميله على النيل والاسكندريه وشرم الشيخ وكل مكان زرته اشعر بالحنين والشوق كما احسه لشوارع ومدن العراق .
بغض النظر عن الدخول في الجانب السياسي ولكن هنالك حقيقه ثابته على الجميع ان يعترف بها ويؤمن بها وهي لولا تدخل الجيش في الوقت المناسب لكان حال مصر مثل العراق ولكن الله سبحانه وتعالي أبعد شر الاعداء عنها وحفظها من كل سؤء .
قد يستغرب البعض عن الاسباب التي دفعتني ان اكتب مقالتي في هذا التوقيت بالذات ، وبكل صراحه أقول ان شده الحنين والشوق لزياره العراق او مصر قد وصل الى ذروته ولم تبقى هنالك طاقه لتحمل الابتعاد عن الوطن ، فالعراق اليوم يمر بفتره عصيبه جداً لم يشهدها التاريخ من قبل والافق والمنظور القريب لايدعونا للتفاؤل بالتغيير نحو الافضل او الخروج من هذا النفق المظلم الذي تم ادخال البلد فيه ..... اما الحبيبه مصر فالاجراءات المعقده لدخول العراقيين اليها وكأننا ليس عرب تجعلني أشعر بالألم والحسره والاشتياق لزيارتها وهنا ينطبق المثل ( ماباليد حيله ) .
قد تُجبرنا الايام ان نبتعد ولكن قلوبنا وانظارنا وتفكيرنا وعواطفنا تبقى متعلقه بكل من حفر ووضع الأثر الكبير في نفوسنا ولا أجد اطلاقاً غير العراق ومصر من ترك هذا الأثر في كل كياني فاليوم أشعر ان القيود التي يفرضها الحكام قد تحدد حريتك حتى في التعبير عن مشاعرك تجاه الاشخاص او البلدان وتمنعك من زيارتهم ولقاء من تحب وتعشق ، سامح الله حكامنا ، ونصر شعبنا وحفظ بلادنا من مكروه .
1544 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع