تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً
القائمقام أبوعَـزام !
رواية واقعية تنقصها الصـراحة,من الحياة الأجتماعية
في العراق,.. في الحقبة بين سنة 1948- 1958م
*** بينما كان معالي وزير المعارف في مكتبه يتصفح الجرائد الصباحية, أعلمته السكرتيرة بوصول صديقه المحامي (الدكتورعادل وصفي), فينهض لأستقبال زميله منذ أيام الدراسة في كلية الحقوق,..وقد حصل على الدكتوراه في القانون من جامعة السوربون في فرنسا , فيعانقه ويدعوه الى الجلوس بجانبه,.. وراح يتحدثان عن ما في جعبتهما منذكريات , ثم يعتذرالضيف لعدم تهنئتة بالوزارة في حينها بسبب وجوده خارج العراق,.. فيهون أبوعزام الأمرويقول له : أنني في محنة وأريد أن تـَمد لي يـَد العون, فأنني الآن بوضع تعيس!,.., فيعقب الصديق :
* لماذا هذا الأنهيار؟,.. فقد كنت من خيرة طلبة دفعتنا,..ودائماً تتصدى للمشاكل,.. مهما كانت جسيمة, ولا تتهيب من كل من يقف وراءها,.. فيرد عليه أبو عزام : هذا أحد جوانب الحياة,..
وليس الحياة كلها!, وأنني فاشـل بحياتي الزوجية, فيستغرب المحامي: كيف أنهارت قدراتك؟, ثم يصمت للحظات ويعود كما كان , ويسرد عليه ملخصاً لحياته منذ فراقهما قبل سنوات,..
و يقص عليه حكاية زواجه من أم عزام, وكيف عن طريقها صارقائمقاماً , وكيف تزوج من زوجته الثانية " صبرية " عـُرفياً ,وصارت تهدد بحرماني من أبنتي , أن لم أتزوجها بصورة
رسمية في المحكمة الشرعية,.. وأنت تعلم خطورة ذلك على منصبي في الوزارة !,... فيسأله المحامي عادل : وهل أنت تراغبها كزوجة أم كخليلة؟,..فينظرالوزيرلصديقه بحياء قائلاً :
لقد هرمنا يا صديقي, وفاتنا القطار,وأريدها كزوجة تليق بمستواي الأجتماعي ,ألا أن أهمالي لها عدة سنوات, وعدم أعترافي بالطفلة, ولـَدعندها حقداً وكراهية نحوي, ولاأدري ما العمل؟
**يستغرب المحامي عادل من منطق صديقه الذي زاول لفترة طويلة مهنة المحامات وقال له:
يا أخي أنت تعلم أن القانون بجانبك, وبأستطاعتك رؤية أبنتك في الوقت الذي ترغبه وتحصل على حكم من المحكمة تلزم به زوجتك ولا يمكنها منعك من رؤية أبنتك البته!, فيجيبه الوزير:
* أنني على علم بما تفضلت به,..ولكني أطمح بأنتزاع البنت منها,..فهل هناك مـُسـتند قانوني
يمكن الأستناد عليه , حتى أنهي حالة اللازواج والزواجالتي أعيشها, وأتخلص من طلبها بعقد القران عليها , وتهدد بهدم الهيكل على من فيه, فهل أستوعبت المشكلة؟, فيسخرالمحامي عادل من جواب زميله قائلاً: على ما يبدو أنك نـَسـيتَ القانون؟!, بالطبع تستطيع,...عندما تبلغ البنت السابعة من عمرها,.. أوأذا تمكنتَ من أثبات سوء سلوك الأم وزواجها من رجل آخر,..ألا أن ذلك يكتنفه مخاطرعديدة !, فيبتسم الوزيرويقول: (المبلل ما يخاف من المطر),.. وحالتي منذ خروجي من الشطرة مثل:(السـدانه بالماي!,والسدانة وعاء من الطين المجفف لخزن الحبوب),
فيتألم المحامي الدكتورعادل لتدهورحالة أبوعزام ويؤكد له الوقوف بجانبه لأنقاذه من محنته!,
*** وبعد عدة أسابيع يشــتد المرض على أم عزام , فيقعدها الفراش, وقد ما زاد الطين بـَلة, تدهور صحتها النفسية,.. وصارت مقتنعة بقرب أجلها ودَبَ عندها اليأس من ترويض زوجها وحمايته من مجونه وعشـقه لـ " صـبرية ", وهي الآن أمام الأمرالواقع , بين مرض لا يرجى منه الشفاء وبين زوج أخبث من المرض الخبيث !, فكل منهما يتربص بها !, فأين المفر؟!
*** وفي أحد الأيام , يزورها أبوعزام ليطمأن على صحتها, فيجدها راقدة في سريرها ألا أنها كانت في غيبوبة ولم تشعر بوجوده,..فبذل مجهوداً كبيراً لأيقاظها, فيـسلم عليها بكلمات منمقة, وتبتسـم له بسـخرية, وترد عليه بأقتضاب قائلة : هل جئت لتزورني كزوجة وحبيبة, أم لضبط ساعة الصفر؟,.. فيتألم أبوعزام لما سمعه, بالرغم من معرفته للحقيقة, حيث أن المكاسب التي
منحتها له أم عزام جعلته يشـعـربذنوبه بحقها, وقالت : أحببتك بصدق ورفعتك لأعلى المراتب! وكانت الجملة التي الأخيرة كرصاصة في قلبه, فحاول التملص من التعليق ولم يتمكن,..فأجاب
بصوت مبحوح لا ينم على كونه كرجل قانون ودولة,.. وأطرق رأســَهُ قائلاً:
* أنني أسأل عنك كل يوم,..والخادمة تقول: أنك نائمة, وأطلب منها تبليغك تحياتي!,.. وكما
تعلمين , أن أعمالي لا تنتهي ألا بعد منتصف الليل,لأنني أراجع كل شيئ بنفسي!, ثم تتمالك
نفسها وتستعين بالله, وتكلمه بجدية : أنك تعلم أن الأعماربيد الله,.. ولكن ينتابني شعور بقرب أجلي!,..لذا لدي رجاء عندك, ياريت تنفذه من أجل خاطري , فتبدوعليه البهجة ثم ويقول : طلباتك أوامر,..أنت تأمرين يا حبيبتي,..وأنا أنفذ,..أمريني!
* أريد أن تستدعي محامي العائلة عبدالغني عيسى, لعمل تصفية لأملاكي,.. وليسجل نصف مـُلكيتي بأسمك والنصف الآخر يوزع على الفقراء,..وتبني لي مسـجداً يحمل أسـمي, ويوزع
فيه العشاء كل ليلة جمعة على المصلين,..وتعمل لي مأتما لمدة سبعة أيام !,.. فتطفح السعاده على وجه أبو عزام لقرب اليوم الموعود الذي يتخلص فيه من الكابوس الكاتم على أنفاسه, ثم يحاول التظاهر بالحزن, ويقترح عليها عمل توكيل له للقيام بكل الأجراءات التي ترغبها,لأنه محامي وقد مارس مثل هذه الأعمال للعديد من الناس,..فتتعصب أم عزام وتجيبه بغضـب :
* كلا,.. حيث لدي أسـرار عائلية, ولا أريد أن يطلع عليها أحداً, سوى محامي العائلة!, فيخنع لأرادتها قائلاً: كما تحبين, ولا تزعجين نفسك يا حبيبتي!
*** وتمرت الأيام, لتذكرنا بأحباب لهم صلة قوية مع أبوعزام وزوجته راغبة خاتون وضرتها " السيدة صبرية " التي أبتسم لها القدر, وصارت واحدة من سيدات الطبقة الراقية في بغداد, ثم غيرت أسمها الى" لهيب" حتى جمعها القدربأبن خالها الدكتوردايخ زميل الدكتورسرحان زوج
" نسمة ",.. وتشاء الصدف أن يكون على معرفة بليلى خطيبة زميله الدكتور دايخ , فيخبره بأنها مطلقة, وتتهدم العلاقة بين دايخ وليلى,.. فتترك عملها في عيادته, فـَتحــس بذنبها لكتمان طلاقها عنه, وبعد عـدة أيام تندم ليلى لتهورها,وتقررمكالمته لجـَس نبضه والتعرف على قراره مباشرة! ,.. ثم أختارت الوقت المناسب وأتصلت به, وتأسفت لما بـَدرمنها من سـوء تصرف !, وتركها للعيادة من دون أذنه, وسردت عليه سبب عدم أعلامه حقيقة أمرها في حينها, وقالت :
* كنت مصممة على أبلاغك عن كل صغيرة وكبيرة ولكن الحظ حال دون ذلك, وبكت قليلاً , وبعد ان هدأت سألته بغنج : أنت مازلت زعلان مني ؟, وصمت لفترة , ودهشت لعدم مبالاته, ثم قال لها : أنني أســعد من ســعيد !, فرب ضارة نافعة,.. وراح يسطنع الضحك, فلم تتمالك أعصابها,.. فسألته بغضب : ما بـكَ يا دكتور؟, هل أعتبرتصرفك مزحة لتتسلى بها؟,.. فيجيبها بكل برود : لا,.. والله أنا أكلمك بكامل الجدية, وأعـيـش أســعد أيامي,.. فقد وجدت حياتي التي فقدتها منذ سنين!,..وقررت بعدم تكوين أية علاقة مع العاملين معي خارجة عن نطاق العمل !, وتمنى لها كل سعادة وكل خير,..فتسأله : هل هذا يعني عدم رغبتك بعودتي للعمل معك؟,.. فلم يجيبها,.. وتكررالسؤال عدة مرات, فيرد عليها : بشرط ,..علاقة في العمل و(بــس!),..
أي بالعربي الفصيح : فقط لا غير, مفهوم؟, فتغلق التلفون بعصبية, وتـَلعن اليوم الذي عرفت فيه الدايخ والسرحان !
** بعد أيام من اللقاء بين الوزيرأبوعزام والمحامي الدكتورعادل وصفي , يلتقي الهرمان في بيت معالي الوزير,..ويستمرتبادل الذكريات,..ثم يسرد أبوعزام قساوة الزمن عليه فقد غمره من ناحية وسلبه أعزما لديه من ناحية أخرى!,..ويقول لصديقه : أم عزام تريد مواجهة محامي العائلة ليصفي لها املاكها, حيث تشعر بقرب أجلها, وأم " نيران " تطالبني بأقامة حفل لتسجيل زواجنا رسمياً في المحكمة الشرعية!, فهل هذا ممكن وأنا بهذا الوضع في الدولة,... كما أن تدهورالوضع السياسي وتربص أعداء الحكومة للأطاحة بها , مطالبين بالتغيير,.. فما العمل؟
* يتألم المحامي عادل على ما يعانيه زميله, فيهون عليه الأمر, ويطالبه بتجزأة المشكلة وعدم تهويلها أكثر مما تستحق,.. فالأهم أولاً, ثم المهم,..وهكذا,..أما بالنسبة للزوجه " صبرية " فقد ثبتت التحريات التي أجريتها أستقامتها وعفتها,..فيؤيد أبو عزام أستنتاجه قائلاً:
* صدقت والله, فقد كان والدها طيب وأصيل,..ألا أن الظروف المحيطة بي آنذاك لم تسمح لي بالزواج عن طريق المحكمة الشرعية,.. وأقنعتها بالزواج المؤقت,(العرفي), ولثقتها في الوفاء بتعهدي, وافقت ورافقتني الى الشطرة على أمل تغيرالأمورنحوالأحسن, ولكن ما حدث العكس حيث أقترفت أعمالاً رمتني بوحل الرذيلة وجرتني الى الهاوية, وطردت من الشطرة, فأنقذتني ام عزام,..فهل بأمكاني الآن أن أتزوج "صبرية", وأم عزام على فراش الموت؟,..ولا أدري يا صديقي كيف أخرج من هذا المستنقع؟
***ومرت الأيام فأشتاقت " نسمة " لسماع صدى لقاء" صبرية ", مع الحبيب الأول, بن خالها الدكتوردايخ, فمن المحتمل صحوته بعد أن رأى المحبوبه بشكل ثان , فهي الآن لا تقل روعة
عن أجمل نساء الوجهاء في بغداد,... وفي أحد الأيام , وبينما أبو رزوفي جالساً في أحد زوايا الهول يستمع الى(أذاعة لندن), يدخل الدكتور سرحان برفقة زوجته " نسمة " وولدهما أحمد,..
وترصد " لهيب " دخولهم من على بـُعد, وأستقبال الحاج أبو رزوقي لهم , فتهرع نحوهم وهي طافحة بالسعادة وموشحة بأبتسامة تشرح الفؤاد, مرددة عبارات الترحاب فينسحب أبو رزوقي
جانباً على مضض, وما أن يجد فرصة لأقتحام العتاب والسجال,.. يوجه كلامه الى ســرحان : هاي وين أنت يا دكتور,..هل نسيتنا؟,كم بودي أن نختلي يوم ما لنتحدث عن بريطانيا العظمى, حيث أنبثقت في حياتنا متغيرات عديدة بعد نهاية الحرب العالمية, فمثلاً,... أم رزوقي صارت مناضلة تناصرالرفاق وتقف ضد الأنكلير!,.. وينتابها الفزع عند سماعها مذيع محطة الأذاعة البريطانية بصوته الجهوري : " هنا لندن " !,..فتستغرب أم رزوقي , من هذه التهمة وتطلب من الدكتورسرحان أن يحكم بينها وبين أبورزوقي حيث يصرعلى أن ليـس هناك محطة تنقل الأخبار الصادقة مثل أذاعة لندن!, فهل هذا صحيح؟
*** يستوعب الدكتور سرحان هذا النوع من الأختلاف,..وقد سمعه حتى في الشارع العراقي و في البيت العراقي الواحد,..ويقول: هذا ما لمسته في كل مكان أدخله,حتى في (باص) الأمانة والمقاهي تـسمع بمثل هذا السـجال, ليرسـخ كل فرد هويته السياسية!, وهذا شيئ طبيعي في أي قطر يمر بمرحلة التغيير, وأنني أرى التريث وتحليل ما نمر به بدقة وأن نستمع لكل المحطات
الصديقة والمعادية وأن نحللها تحليلاًصادقا ليطلع عليها أبناء الشعب,.. وهم وحدهم سـيقررون الصواب والخطأ, وأن نحترم أي رأي معارض, ونحاوره من دون الأستخفاف برأيه البته!
* وعلى أية حال, فقد تصورت أم رزوقي آراء الدكتور سرحان هو دفاع لوجهة نظرها,..ولذا ترفع صوتها فرحة : تسلم يادكتورسرحان, ليسمع الحاج راضي فهو مغرم بأذاعة لندن, وأبو
ناجي (الأنكليز), ولا يعترف بأية اذاعة أخرى !,..فيرد عليها أبو رزوقي : مو صحيح دكتور:
أنا معجب بأخلاق الأنكليز,..ولكنني ضـد الأستعمار مهما كانت صيغته وألوانه,... فالحكومة شيئ والشعب شيئ آخر, فحرية الفرد عندهم مضمونة, وصحفهم حـُرة وللفرد حرية السفرلأي جهة يرغبها, وليس كما عند الرفاق في الدول الأشتراكية!, فيهاالحزب الشيوعي هوالمهيمن!,
* تستغرب أم رزوقي لما سمعته من الحاج زوجها وتقول مدافعة عن توجهها السياسي:
* والله ما أدري من أين جاء بهذه التهمة ليلصقها بي, فهو يعتقد أنني عضوة في حزب سري!
فالحاج ومن على شاكلته, لهم مبدأ واحد يتلخص : أذا لم تحب أذاعة لندن , فانت شيوعي!,..
ويعقب الدكتور سرحان لتهدأة الوضع ويقول: الحق يا خاله يجب أن نحترمه, فالمفروض أن نصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا .
* شعرت " نسمة " بطول السجال, ونظرت الى " لهيب " وفهمت الأشارة , فهزت لها رأسها مؤيدة فكرتها, فلم يبقى وقت على موعد وصول الدكتوردايخ, ثم سألتهم عن شرب الشاي هنا في بيتها أم في بيت الدكتوردايخ؟,وبنظرة خاطفة جاء الجواب وقالت : طبعاً سنشربه في بيت الدكتوردايخ , فكلنا (دايخين),عسى أن نـَصحصوا, من الدوخة التي نعيش بكنفها !,.. وما أن
يسمع الدكتورسرحان السجال حول مكان شرب الشاي , حتى يضـَمَ صوته لزوجته,... ويدأب الجميع بالتهيأ لمغادرة القصر, مبرراً ذلك بقدرة زميله من تخديرالشاي حتى يعينه على زوال (دوخته) المزمنة !, وطلب من الجميع الأسراع لأن دايخ لا يحب التأخيرفي المواعيد أطلاقاً !
* تؤيد " نسمة " زوجها وتقول: هذا هو عين الصواب,..وسيكون لدينا الوقت اللازم للدردشة وسرد الذكريات,..ثم تلتفت الى " لهيب " لأخذ رأيها, فتفهم القصد من سؤالها, فيحمر وجهها خجلاً, وتؤيد الفكرة فوراً, وتطفح الفرحة على وجهها فيزداد أشراقاً وبهاءاً !
* كان الدكتوردايخ واقفاً أمام باب الحديقة بانتظار ضيوفه, وهو في غاية السرور, فقد تحقق له مالم يحلم به,ويردد بصمت : هل حقاً " صبرية " في بيتنا, فيكتم ضحكته, عندما شاهد الجميع بالقرب منه, فيرحب بهم ويقودهم الى الصالون,.. وما أن يستريح الضيوف وتنتهي المجاملات والمديح لبراعة الدكتوردايخ بتنظيم ديكورات بيته, يبتهج ويشكرضيوفه للأطراء الذي سمعه, ثم يسألهم : عما يَــشربون, شـاي؟, أم عصائرمبردة؟, فتتابين الأجوبة , والدكتوردايخ في غاية السرور, لما لاحظه من فرحة طافحة على وجوههم , ثم تقترب منه " لهيب " وتكلمه وهي في خجل الأنثى الشرقية مع حبيبها, كي لا ينكـشف سـرها ممن لا يعرف علائقهما منذ سنين,.. :
* أنا أعاني من صداع قديم جعلني (دايخه),وقيل لي أنك معلم (بتخديرالشاي),.. فهل يا دكتور ســأشـفى أم سأستمر بنفس الوتيرة ؟,.. فيبحلق الدكتوردايخ بوجهها وكأن أحد ما زرقه بمـُخدر ويعود الى وعيه بعد ثواني وهو لم يستوعب أن ما يسمعه ويشاهده الآن حقيقة أم خيال, ويُعقب على قولها بجـد قائلاً : في الحقيقة والواقع : للصداع عدة أسباب, وما لم يطلع الطبيب المداوي
على تلك الأسباب,.. فمن الصعب علاجه !,..فترصد " نسمة " حديث العتاب قائلة : وجنابكم لحد الآن لم تتكهن بما تعاني منه هذه الغادة التي مرغتها السنين ورمتها بهذه (الدوخة) التي لا تقل ألا بضعة درجات عن دوختك الآن , وأن تـَغييرأسمها من " صبرية " الى " لهيب ", كان ناجماً من نفاذ صبرها, ولتحرق من كان سـبباً في خديعتها (بالزواج السري) , ورماها ليتنعم بمجد الوظيفة وأحضان زوجته المتنفذة أم عزام, فترتبك " لهيب " لصراحة " نسمة " وكشف المستخبي في حياتها, فينظرالدكتوردايخ بأسى الى " لهيب " ويواسيها بصمت راغباً في ضمها لصدرها, ألا أن الجو المحيط به لم يسعفه, فيقرأ كل منهما قصائد الأسى والحزن المطمورة,.. وتمكنت " نسمة " من معرفة معاناة الحبيبان, ولكن ما الفائدة؟ , وما الذي بالأمكان فعله الآن؟!
*** بعد وقت قصيرمن خروج السيدة " لهيب " بصحبة الدكتورســرحان وزوجته " نسمة",..
لزيارة بن خالها الدكتور دايخ, يرن جرس الباب,.. فتهرع الخادمة لفتحه,... ثم تعود مسرعة وتخبر أبا وأم رزوقي, عن وجود رجل يطلب مواجهة ام " نيران ",.. ويقول :
* أنه مبعوث من قبل معالي وزير المعارف!,.. فينهض أبو رزوقي محتداً ومتوعداً لوضع حـَد لهذا الأنسان حتى يكف عن ملاحقتة " لأم نيران ", فتطلب أم رزوقي منه أن لا يتهور, فسابقاً عند مقابلته كان قائمقام,أما الآن فهو وزير!, فهل فهمت ياحاج؟,..فلا يعيرالحاج أهمية لتحذيرأم رزوقي,..وقال لها : على العكس , بأمكاني الكلام معه الآن أكثر من السابق,..فالرجل بهذا المنصب يجب أن يكون أكثر ألتزاماً بالحق وأن يصون سمعته وكرامته, ويبتعد عن ما يسيئ الى مركزه في الدولة!, وعلى أية حال, تأمرأم رزوقي الخادمة نبعة بفتح باب الصالون للزائر
وتقديم القهوة له لحين يستكمل الحاج أبو رزوقي تغيير ملابسه,..وهكذا نفذت الخادمة ما طُلب منها,.. وبعد برهة زمنيه قصيرة يدخل الحاج أبو رزوقي مرحباً بالضيف, طالباً منه أن يعرفه بنفسه,..فيجيب أنني الدكتور عادل وصفي صديق معالي الوزيرأبو عزام,..فيدقق الحاج بوجهه ويبتسم ويقول: جنابك بن سعيد وصفي العلوجي؟,..فيهز الضيف رأسه فرحاً, قائلاً: نعم,..نعم بالضبط, وأنت حتماً,... وقبل أن يكمل حَـدســهُ,.. قال الحاج : نعم أنا أبو رزوقي المختار!,..
فيعانق أبو رزوقي الضيف, ويقبل كل منهما الآخر, ثم يطلب منه أن يجلس بجنبه, وبعد تبادل المجاملات يستفسرالدكتورعادل من المختارعن صلته بالسيدة " لهيب" فيقول له بتحدي :
* أنها بنت أخي!,..فيستغرب الدكتور عادل,..لقد كنا نعرف أنك أخ لسبعة بنات, ولم يكن لك أخ,..وعلى الفور يرد عليه المختار مبتسماً : ألم تســمع بالمثل : رب أخ لم تلده أمك!,..ويؤيد
الضيف قول المختار,.. ويطلب المختار منه أعلامه عن سبب رغبته بمقابلة السيدة " لهيب ",
* في الحقيقة يا حاج, وكما تعلم أن أبغض الحلال عند الله الطلاق,ومعالي الوزيروالد "نيران",
لا يرغب بالطلاق, ويطالب برؤية أبنته في أوقات محددة وفق منهج أعماله في الدولة, كما أنه
لا يستطيع أشهار زواجه بسبب حـَسـاسـية الموقف, وعلى الأقل في الوقت الراهن!, فيطلب أبو
رزوقي منه بضعة دقائق للرد على ما تفضل به,..فيوافق على ذلك مـُشترطاً حضور أم نيران للمشاركة في السجال الدائربينهما,.. َفـيُحرج الحاج أبو رزوقي, لعدم رغبته بأعطاء الضيف أي مجال للشـك في سـلوك " لهيب" وقال: أم" نيران" لا ترغب بمقابلة أحد,لأنهيار صحتها !
* وبكل برود يرد عليه المحامي قائلاً:لا تنسى يا حاج كوني محامي الوزير,وقبل الدخول الى المحاكم أود مشاركتكم بحل الموضوع عائلياً, وبما أنها أبنتك, لذا أعتبرها أبنة عمي!, حيث أنا بن أخيك الحاج سعيد العلوجي, وكن واثقاً سأكون بجانب الحق والعدل ,.. بالرغم من صداقتي الحميمة لمعالي الوزيرأبوعزام , لأني على ثقة تامة من نواياه الصادقة!
* فيجيب أبو رزوقي الضيف بعصبية قائلاً: لقد قابلت زميلك هذا يوم كان قائمقاماً,.. وتمكنت من أيقافه عند حـَده عندما وصل الى علمي تماديه في الأعتداء على حقوق زوجته " لهيب " أم أبنته" نيران ", لأنه يعتبرالمرأة قد خلقها الله لمتعة الرجل فقط !, ولو كان هذا الرأي فيه شيئ من الصواب لما تزوج أي رجل في الدول المتحضرة وفق مفاهيمه !, وكما تعلم,... أنني من
المواضبين على الأستماع الى أذاعة لندن,..وأؤكد لك أنهم يقدسون الحياة الزوجية بالرغم من توفر الفرص العديدة لأقامة علاقات حميمة من دون عقد زواج !, وبنفس الوقت,.. يحتقرون بائعات الهوى والنساء الممتهنات للدعارة !, فيشعر المحامي بغضب أبو رزوقي,.. لذا رغب بكـسرالحاجز الذي انتصب بينهما منذ اللحظة الأولى لمقابلتهما !, وقال له مـُداعـباً : أما زلت تستمع لأذاعة لندن ؟ فيستوعب أبو رزوقي غاية المحامي من الأنحراف عن السجال, ويقول:
* دعك يا أستاذ من لندن ولنتكلم بموضوع صديقك الوزير,ألم تلاحظ عليه الأنانية المفرطة ؟
فدينه المنصب,..وروحه الفلوس, وأرجوك أن لا تزعل, فأنا أتكلم بصراحة منذ أن خلقني الله!
*يعتدل المحامي بجلسته ويركزنظره لكل الجهات متخوفاً من دخول شخص ما من دون رغبته ويحرف السجال القائم بينه وبين أبورزوقي لأيجاد مَخرج لحل مشكلة " لهيب ", مع أبو عزام, ثم يقول: يا حاج,.. لك الحق فيما تقول,..ولكن قبل هذا بودي التكلم عن التغييرالذي طرأ على سلوك معالي الوزير, فقد كان مثالاً, في الخلق والأستقامة,عندما كان طالباً في الجامعة,..وبعد تخرجه لم يترك باباً ألا وطرقها, طلبا لشغل وظيفة ما في مجال تخصصه, ألا أنه فشل في كل محاولاته, ثم فتح مكتب للمحاماة, وكذلك لم يكسب الشهرة وأعتبرنفـسه فاشلاً بسـبب أنحداره من طبقة أجتماعية فقيرة!, وراح يتربص بالفرص التي تتيح دخوله الطريق الموصلة لهدفه,.. والأنسلاخ من طبقته ومـَرت الأيام وحصل على كل ما يتمناه, وبدأ بالأنتقام من أيام الحرمان, وأنغمس في مجونه وأهمل من أوصلته الى المجد,..ألا أن حب زوجته أم عزام أعاد له المجد ثانية بعد ما طرد من الشطرة, ..آملة أن تكسبه وتعيده لجانبها,.. وكما تعلم أنها الآن مريضة وليس لديها من أمل سواه, وما أن تحقق له أكثر مما كان يحلم به,راح يبحث عن " صبرية " أم "نيران" بعد أن عـَثرعليها في أحتفال روضة أبنته,... وهو الآن أكثرأصراراً لترويضها , ولكنه كالغريق الذي يتشبث بقشـة, لذا اطلب مساعدتكم!,..وأذا قلت لي : (ليه)؟, سأقول لك: (من غير ليه!)!
يستوعب الحاج أبو رزوقي قـَصدَ المحامي وتبريرات عيوب صديقه, قائلا : أنك تدافع عن زميلك أبو عزام ,..فدعني أدافع كمحامي عن أبنتي أم " نيران ", بالرغم من أنني لا أحمل شهادة ليسانس بالحقوق , ولا حتى الأبتدائية !, وعلى كل حال , أخبرك :
أذا لم يعترف معاليه بأخطائه معها, ويردُ لها أعتبارها,..فمن المستحيل ان توافق على أي شيئ يقترحه !,..ثم يصمت للحظات وينهض من مكانه, قائلاً: الله معاك من غير مطرود !
يتبع في الحلقة/ 21 ,..مع محبتي
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://www.algardenia.com/maqalat/20804-2015-12-20-23-20-14.html
1565 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع