د.عبدالقادر القيسي
المحامي المنتدب نموذجا لذلك
المحاماة مهنة علمية فكرية حرة مهمتها تحقيق العدالة والدفاع عن حقوق الموكلين وحرياتهم ويمارسها المحامون وحدهم في استقلال لا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وحكم القانون،
والرسالة المهنية تحتم على المحام أن يقوم بعمله بإخلاص نحو موكله ونحو المحكمة والهيئة ألاجتماعية كلها، لكن هناك بعض المحامين المنتدبين (الذين تنسبهم المحكمة للدفاع عن المتهمين الذين لا يستطيعون توكيل محامي وهي من تدفع اجورهم) يقومون بإفساد جو محاكم العدالة ويخلون بواجباتهم.
إن ضمانات المتهم تعد من أهم الموضوعات الإجرائية، بالتالي حضور الاستجواب مع المتهم من قبل المحامي يجعله رقيباً على منع تقييد حرية المتهم خوفاً من أن ينتهك حقه، ويتعرض شخصه لإكراه، لذا وجود المحامي مع موكله (المتهم) يجعله ضمانة من ضمانات عدم المساس بحريته وحقوقه، والمحامي المنتدب وكيل عليه التزامات لا تقل عن التزامات المحامي الأصيل، وبالتالي يجب على المحامي المنتدب ان لا يكون خصم لموكله(المتهم) ويعطي مشروعية لتحقيق لم يكن حاضر استجواب المتهم فيه من خلال القيام بتوقيع إفادات المتهمين المعترفين بارتكابهم جرائم، والتوقيع يتم، خارج غرف التحقيق ويدون اسمه المحامي المنتدب في اسفل الاعتراف بانه المحامي المنتدب فلان الفلاني وكيل عن المتهم المعترف وهو أصلا لا يعرف حتى اسمه، فأين هي مبادئ الشرف والاستقامة والنزاهة التي يجب على المحامي أن يتقيد بها والتي نصت عليها م (39) من قانون المحاماة إذا كان يوقع على إفادات مليئة بالاعترافات وعلى تحقيق لا يعرف كيف تم اخذ هذه الإفادات من موكله، الا يعد هذا العمل إخلالا بسير العدالة وبنص المادة (50) من قانون المحاماة؟ الا ينطبق عليه وصف جريمة خيانة عظمى لأصول وقواعد مهنة المحاماة رسالة العدل وملاذ المظلوم؟ الا يعتبر ذلك جريمة خيانة عظمى لميثاق شرف المهنة؟ اليست هذه الممارسة جريمة خيانة عظمى لحقوق موكله المتهم؟ الا يعد توقيع المحامي المنتدب للإفادات بدون حضور الاستجواب تجعله مرتكبا لجريمة الخيانة العظمى بركنيها المادي، كونها تشكل اساءة للمهنة بشكل تجعل المحامي مرتبته دنيا بنظر السلطة القضائية والتحقيقية، والقصد الجرمي متحقق مع سبق الإصرار والترصد من المحامي المنتدب، لمعرفته المسبقة والتامة بان توقيعه مخالف لنصوص القانون ومضامين العدالة، ويعرف ان بتوقيعه للإفادة المعترف بها موكله قد هيئ الأرضية المريحة لصدور حكم الإدانة القاسي؟ الم تكن هذه الممارسة خيانة عظمى للمبدأ الدستوري (حق الدفاع مقدس)؟ بخاصة، ان المحامي يسمع صوت موكله للعدالة وممثليها ويرعى شؤون المتهم القانونية ويقوي حجج موكله ويدافع عنها، والمحامين بتوقيعهم الإفادات بدون حضور التحقيق يجعل مهنة المحاماة وبالا على العدالة وخصما لئيما للمتهم، فالمحامي خادم للعدالة وهو مطالب بان يحسن سلوكه مراعياً كرامة وعزة المهنة التي يمارسها لان التزامه مقدس.
إن المحاماة هي دفع الأذى والإنسان مفطور بطبيعته على دفع الأذى عن نفسه، ولكنه قد يعجز عن ذلك لأسباب شتى حينئذٍ تقضي المروءة على كل إنسان قادر أن يهب للدفاع عن ذلك العاجز، لا ان يسقط موكله المتهم الذي غالبا ما يكون معدم الحال، بالقاضية من خلال توقيع افاداته بالاعتراف، وهو يجهل كيف تم انتزاع الاعتراف.
وعندما كنت اعمل رئيس غرفة المحامين في المحكمة الجنائية المركزية كانت اعاني كثيرا، من المحامين والمحاميات المنتدبين؛ وكانت هناك ممارسات سيئة تصدر من قسم منهم تسيء لهيبة ووقار شخص المحامي، وكانت المشاكل بينهم تكاد تكون يومية وبذرائع ليس لها ادنى ما يزكيها من الوجهة الشرعية والمهنية واقل ما يصدقها من الوجهة القانونية، وكانت المحكمة ساحة لمساجلات ونقاشات عقيمة بينهم كانت اكثرها تترجم الى قذف وصوت عالي ومشاهد حية للناضرين، وبعض الأحيان تتطور الى سب وشتم، وكنت أحاول ان اجعلهم يلجؤون لكتابة شكاوى تحريرية لوقف المشاهد اليومية الحقيقية من مسلسل اسمه المحامي المنتدب وامام الجميع وكان الكادر القضائي يعاتبني كثيرا على سلوكيات بعض المحامين المنتدبين وبخاصة منهم بعض المحاميات، وعملت كثيرا لوقف كثير من الممارسات غير اللائقة التي تصدر من بعض المحامين المنتدبين، خصوصا توقيع الافادات بدون حضور الاستجواب التي كانت تشكل ممارسة تعسفية صارخة كانت تؤلمني بخاصة عندما كانت تردني شكاوى عديدة من ذوي معتقلين يؤكدون ان معتقلهم لم يشاهد او يلمس هناك محامي معه عند استجوابه، وكانت الشكاوى مركزة على مجموعة من المحامين والمحاميات، وطالما نبهتهم من هذه الممارسات ومن خلال كتب وإعلانات وتبليغات شفوية يرافقها تحذيرات؛ بسبب التفسيرات السلبية على المهنة من جراء ذلك، يصاحبها تأويلات مغرضة ومؤذية، لما أنتجته هذه التوقيعات من أحكام قاسية وهدر لحقوق المتهم الضعيف الذي يتأمل من المحام أن يكون له ظهير قوي في توفير الضمانات القانونية والدستورية له، لكنه يصبح في ساعة، ولإرضاء بعض عناصر السلطة القضائية والتحقيقية بطل في إضفاء المشروعية على هذه الإفادات القسرية، ولغرض استجداء الرضا في دعاوى أخرى، وأؤكد عليهم، بان المحامي المنتدب وبخاصة المقيم في مقر المحكمة هو كالطبيب المقيم في المستشفى فالمحامي يعالج الحقوق كما أن المستشفى تعالج الأمراض، ومتى كان المحامي مقيمًا سهل اتصال أرباب القضايا به، واستفتاؤهم له في شؤونهم القانونية والقضائية، وبهذا الاتصال الجدي المباشر في العمل يلمسون ما يكون في المحامي من المزايا، وحينئذٍ تؤتى هذه المزايا ثمارها الطبية المباركة، وبذلك يشعرون المحامين بلذة الثقة ولذة العمل والكسب ولذة احقاق العدل، لكني مع الأسف لم القى من البعض الا التهديد المبطن والكلام الباطل والشوشرة المغرضة بحقي لدى القائمين بالتحقيق بطريقة أدت بعدها الى استهدافي، وكانت جزء من الشهادات المؤداة ضدي في المحكمة ومن نفس المحامين المنتدبين الذين يمارسون تلك الممارسة التعسفية،باني امنع توقيع المحامين على إفادات لإرهابين، واني أعرقل حضور المحامين الى مقرات الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتناسوا ان تلك الأمور كانت قرارات قد صدرت من النقابة وانا رئيس غرفة علي تبليغها للمحامين ومتابعة تنفيذها، وبذلك انحرفوا عن قيم المهنة وركبوا موجة الاختلالات والانحرافات لأجل تحقيق المال والشهرة، ومن هؤلاء المحامين من كانت عليهم شكاوى عديدة في نقابة المحامين وتم معاقبتهم ومنهم من قدم اكثر من (50) محامي شكوى بحقهم؛ لان موكليهم قد تم توقيع افاداتهم بالاعتراف بدون حضور المحامي المنتدب وهم معذبين، وبمساعدة وعلم بعض القضاة والقائمين بالتحقيق لأجل أعطاء شرعية لهذا الاعترافات والتحقيقات، وبعض المحامين المنتدبين يوقعون على إفادات المتهمين بدون حتى معرفة أسم المتهم الذي وقع على أفادته حيث كانوا متفقين مع بعض القائمين بالتحقيق بالحضور والتوقيع بواسطة الهاتف وحتى ليلا ومنهم من يشارك القائمين بالتحقيق بمعاملة المتهم معاملة تعسفية لا تنسجم وعمله كمحامي فقط لإرضاء القائمين بالتحقيق وتحقيقا لبوابة التوكل في دعاوى اخرى، ورفعت المطالعة الموقعة من (50) محامي لنقابة المحامين والتي طالبوا فيها باتخاذ أقسى الإجراءات التأديبية، لأنها إساءة لمهنة المحاماة، والكل يعلم مدى حجية الإفادة القضائية في تعزيز وتحقيق الاتهام ومن ثم إصدار الحكم، وكان المحامين المشتكين يبحثون عن دليل لأجل دحض اعترافات موكليهم التي اخذت بالإكراه، ومعاقبة المحامين مهنيا كانت في اعتقادهم تشكل دليل من الأدلة التي يقدموها لمحكمة الموضوع عند المحاكمة، لكن ومع الأسف، لم يتم معاقبة المحامين المقصرين وبتقاعس واضح في وقتها من النقابة وكان فيه محاباة لأجل أرضاء أطراف ما، وغلقت لجنة السلوك المهني الشكوى وبقرار بعيد عن ابجديات ونصوص مهنة المحاماة واعتبرت الانتداب باب من أبواب الخبرة وان كانت هناك إساءة او تقصير من المحامي فان المحكمة هي المعنية بذلك التقصير ونست لجنة السلوك المهني ان بعض القضاة والمحققين هم متهمين أصلا بالاتفاق مع بعض المحامين بالتوقيع على تلك الافادات فكيف لهم ان يحاسبوا المحامي المنتدب وهم من يطلبون منه توقيع الافادات، ان هذا القرار كان سابقة خطيرة ويسيئ لنقابة المحامين، وسجلت اعتراضي عليه في احدى لقاءات النقابة بالهيئة العامة وامام جمع غفير من المحامين والسيد النقيب الحالي كان من يراس الجلسة واكد ان ذلك القرار كان خاطئا.
ان غلق الشكوى وفق ما سبق وصفه، جعل وضع النقابة ككيان قانوني مهني، ينال كلام من بعض المحامين، وكان على مجلس النقابة الذي صادق على قرار لجنة السلوك المهني ان يضع في حسبانه، بأن المحامي عون للعدالة وليس وبالا عليها، وبالتالي من واجب النقابة أن تجعل المحامي خادم للعدالة وأن تطالبه بان يحسن سلوكه مراعيا كرامة وعزة المهنة؛ لا ان يقوم بتوقيع إفادات لمتهمين معترفين لأجل إرضاء لبعض عناصر المنظومة القضائية؛ لأنه بهذه الممارسة، كالطبيب الذي يعالج المريض بالمعدة بقلع عينيه، وقرار النقابة بغلق الشكوى ولد حالة من عدم الثقة بالنقابة في تصديها للانتهاكات مما يخلق أجواء اجتماعية تعزز من النظرة المتوافرة الان عن المحامي في ذهنية عامة الناس أنه شخص يمارس أساليب ملتوية لأجل تحقيق المنافع المادية فقط، وهذا القرار فتح الباب واسعا لتجاوزات وممارسات قد عمقت وجذرت انتهاكات حقوق الإنسان والتي يجب أن تكون النقابة متصدية لذلك، لا ان تشارك ضمنا في مؤامرة قانونية يشترك بها بعض المحامين واخرين من المنظومة القضائية؛ لإصدار إحكام قاسية على المتهمين 0
ان الاجتهاد الذي توصلت له النقابة في قرارها بغلق الشكوى واعتبار الانتداب باب من أبواب الخبرة والمحكمة معنية بتصويب عمل المحامي المنتدب، انقض على كل قاعدة من قواعد السلوك المهني، وأسس لسابقة خطيرة بشرعية توقيع المحامي على الإفادات بدون حضور الاستجواب، وأسقط نصوص إنسانية ومهنية وردت في قانون المحاماة، تلزم المحامي بالدفاع عن موكله بكل نزاهة وإخلاص، وأجهز على ضمانات المتهم التي يجب أن تكون النقابة حريصة على فعاليتها وتكون سباقة في عدم مغادرتها.
ان بعض المحامين المنتدبين بممارساتهم هذه قد ((قلبوا الظلم عدلاً، والكذب صدقاً، والزور صحة)).
1358 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع