د.منار الشوربجي
الحوار الذي أجراه الرئيس الأميركى باراك أوباما مع الإذاعة العامة في بلاده يستحق الاستماع له أو قراءته، فهو يكشف عن الثابت والمتغير في الثقافة السياسية الأميركية، فالثابت ظهر مرة في أسئلة المحاور، وأخرى في إجابات الرئيس، أما المتغير فقد عكسته الصراحة التي تحدث بها أوباما عن الانتخابات الرئاسية، وعن المسألة العرقية.
السؤال الأول الذي وجهه المحاور يجسد الثقافة السياسية الأميركية بامتياز. المحاور ستيف إنسكيب سأل أوباما عن الهجوم الموجه له، بشأن تعامل إدارته مع داعش، والسؤال جاء على شكل مقارنة بالرئيس أيزنهاور، حين فشل في إقناع الأميركيين بوجهة نظره بخصوص الاتحاد السوفييتى، ورغم أن المراقب العادي قد يستغرب، مثلي، تلك المقارنة، إلا أنها تجسد ولع الأميركيين بالقياس على أحداث تاريخية.
المحاور قال للرئيس إن أيزنهاور «اجتمع بوزرائه في الغرفة نفسها التي نجلس فيها الآن، والاتحاد السوفييتي كان قد برز كونه تهديداً نووياً، معتبراً أن الأمة كانت شديدة القلق في ذلك الوقت من الخمسينيات، لكن أيزنهاور كان مؤمناً بأنهم «الروس» ليسوا بتلك القوة.
وأن الولايات المتحدة أقوى وستفوز إذا ما تجنبت خوض حرباً كبرى»، وقد حاول أيزنهاور «إقناع الأميركيين بذلك، ففشل واتهم بالضعف وانخفضت شعبيته، ثم وجه إنسكيب سؤاله لأوباما قائلاً: هل تشعر أنك تمر بالخبرة ذاتها؟ ورغم وجود أوجه شبه إلا أن الاختلاف بين الحالتين واضح، لكن ولع الأميركيين بالقياس يؤدي بهم في أحيان كثيرة، كونهم سياسيين ومثقفين، للتوصل لتقديرات خاطئة أو لنتائج مبالغة في التبسيط أو التعميم.
إجابة الرئيس عن سؤال آخر كانت هي الأخرى نموذجاً للثابت في الثقافة الأميركية، فحين سأله المحاور عما يجهله الناس عن استراتيجية إدارته تجاه داعش، تحدث أوباما مطولاً عن عدد الضربات الجوية ضد التنظيم الإرهابي، ولكنه أعرب عن اعتقاده أن هناك الكثير من «النقد المشروع» لما تفعله إدارته «على أساس أننا لم نقم بشكل دوري بشرح كل ما قمنا به على مدار أكثر من عام لهزيمة داعش».
وتلك الإجابة تأتي من عمق الثقافة الأميركية، فهي تقوم على فكرة مؤداها أن المشكلة تكمن في جهل الناس بالحقيقة، وأنهم إذا عرفوها سيحبونها بالتأكيد، فالأميركيون يعتقدون مثلاً أن الانتقادات الموجهة لبلادهم مصدرها أن الآخرين لا يعرفون حقيقة أميركا «الخيرة التي تريد السلام للعالم»، ومن ثم فإن الحل عندهم بسيط للغاية، وهو إنفاق الملايين على ما يسمى الدبلوماسية العامة أي تعريف العالم«بحقيقة أميركا!».
لكن الرئيس الأميركي كشف في حواره عن أمرين على جانب كبير من الأهمية حدث بهما تحول في الثقافة الأميركية، أولهما يتعلق بعلل النظام الانتخابي في الولايات المتحدة الأميركية والثاني عن المسألة العرقية، فأوباما انتقد من يتحدث «بالصوت العالي أو يسعى ليبدو أكثر صلابة».
وتلك بالفعل أحد علل النظام الانتخابي الأميركي، إذ يسعى المرشح للمزايدة على الآخرين عبر الحديث عن «قصف» هذا أو ذاك دون أن يكون لما يقوله معنى محدد أو دون أن يحتاج أن يشرح تفصيلاً ما يعني بما يقوله.
أوباما شرح ذلك بقوله: حين تستمع لهم تسأل نفسك ما الذي يتحدثون عنه بالضبط؟ مثلاً يقول هذا سنقصف بدرجة أعنف، حسناً من بالضبط الذي ستقصفه وأين بالتحديد ستقصف، وما الذي تعنيه بالضبط. وتلك مشكلة حقيقية في الانتخابات الجارية، فحين سئل المرشح الجمهورى تيد كروز، الذي يتحدث فعلاً بمثل تلك اللغة، عن تفاصيل ما يقصد بالضبط، اتضح أنه يعتقد أن داعش تقع في مكان ما «بعيد عن المدن»، واتضح أن دونالد ترامب يتصور أن الإنترنت ملك لأميركا وأنه بإمكانه «إغلاقها» على داعش.
أما الأمر المتغير الثاني، فتعلق بالمسألة العرقية. لعلها المرة الأولى التي يتحدث فيها رئيس أميركي بذلك الوضوح عن التمييز الذي وقع ضد أقليات عدة في تاريخ بلاده باعتباره «أمراً مركزياً في الخبرة الأميركية»، إذ قال إن الجدل حول الهوية الأميركية «موجود طوال الوقت».
ثم ذكر صراحة أن مثل ذلك الجدل كان حاضراً وقت أن كانت هناك لافتات تقول، محظور على الأيرلنديين (التقدم للوظائف)، وأثناء وضع اليابانيين في مراكز اعتقال في الحرب العالمية الثانية، وكان بالتأكيد موجوداً في الجنوب طوال أغلب فترات تاريخنا، بل دلف أوباما إلى ما يخصه شخصياً قائلاً إن الكثير مما تعرض له، ولم يتعرض له غيره من الرؤساء السابقين، مثل التشكيك في أحقيته بالرئاسة، وفى شهادة ميلاده حدث «لأنه أول رئيس من أصول أفريقية».
808 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع