الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي
1- الانبار: مدينة عربية اصيلة
مدينة الانبار او الرمادي هي ايضا فيروز-شابور في العصر الفارسي-المسيحي(ق4-ق7 ) . كانت قرية زراعية بابلية نشأت على ضفة الفرات من عشرات القرى الزراعية، و سكن فيها ايضاً بعض اليهود الذين آثروا البقاء بعد السبي البابلي .
تقع الانبار على بعد ( 126 كم ) عن بغداد. بناها الملك الساساني شابور ذو الاكتاف بن هرمز في عام ( 350 م ) و اسماها فيروز – شابور تيمنا بأسمه و بصفة فيروز اي المنتصر . يذكر ياقوت الحموى عن نشأة المدينة على لسان ابي علي الصولي :” ان سابور سار يرتاد موضعاً يجعله حصناً و باباً لبلاد السواد ، فأتى شط الفرات ، فرأى موضعاً مستوياً و فيه مساكن للعرب ، فنقلهم الى بلدة قديمة تدعى ( بقة )، ثم بنى ، في ذلك الموضع بلدة حصينة اصبحت مركزاً تابعاً لتحركات الجيوش الفارسية غرباً بعد العاصمة طيسفون و خاصة في حربها ضد الرومان و ضد حلفائهم الغساسنة.،، اعتبرها شابور كورة اي محافظة و ضم اليها ما جاورها من قرى و بلدات الى حدود دجلة ، و كان حدها الى مدينة هيت و عانات غرباً و استعمل على ادارتها حاكماً يدعى ( جلبي ).
يذكر اميانوس مرسلينوس القائد الروماني، انه بعد ان احتل المدينة اطلق عليها ( بيري – سابور ) و وجدها واسعة و مكتظة بالسكان تقع في منطقة حول الفرات اشبه بالجزيرة ، و كانت محاطة بأسوار دفاعية ، و في احدى الليالي من عام ( 363 ) نجح الرومان بقيادة الأمبراطور جوليان من تدمير برج قوي في احد اركان السور مما حمل الأهلين على ترك المدينة و الهرب طلباً للنجاة . و غادر القلعة نحو ( 2500 ) شخص ، اما الباقون فقد نجوا بأنفسهم بواسطة قوارب صغيرة حملتهم الى الضفة الأخرى من النهر.
و في نهاية القرن الرابع ،بدآت تنتشر فيها المسيحية . وقد اتخذ الناسك مار يونان سكناً له في ضواحيها، و لما مات بنيت فوق قبره كنيسة ثم دير. و بعد عدد قليل من الايام تجلى المسيح للقس مار عبده و امره بأن يتلو الصلوات عند قبر مار يونان، و من ثم ان ينقل رفاته الى الكنيسة الرئيسة في مدينة الانبار. و كان دير مار يونان كما يقول ياقوت كبيراً و محصناً تحصيناً قوياً . و حوالي عام ( 540 ) كان عبد المسيح من اهل الحيرة قد طلب اعادة بناء دير القديس يونان بعد تهدمه .
اصبحت فيروز شابور او بيروز شابور مقراً للمطران موشي الذي شارك في عام 486 في المجمع الكنسي النسطوري . و في عام ( 497 ) كان مطران المدينة بدعى شمعون. و في عام ( 530 ) انطلق كسرى الأكبر من طيسفون الى الصحراء قرب مستوطنة دعاها ( ابارون ) اي الانبار على مسافة خمس مراحل من حصن كركسيوم الثغر الروماني حيث قسم جيشه فأرسل القسم الأول بقيادة ادرومانيس الى الاراضي الرومانية و قام بتوجيه القسم الآخر الى نهر ايوراس ( الخابور ) حيث فاجأ الرومان الذين كانوا يحاصرون ( داراس ) ... الخ . و في نهاية عام ( 590 ) مر كسرى الثاني بطريق الانبار و عانات الى كركسيوم و منها طلب حماية الأمبراطور موريس . و في عام ( 576 ) ورد ذكر المطران مرائي، و كان لليعاقبة ايضاً مطران في الانبار و هو (احا) و ذلك في عام ( 629 ) من المنطقة التي كان يخيم فيها عرب ( طياية ) من قبيلة النمر.
كان الجاثليق المسيحي له كرسي في طيسفون منذ القرن السادس للميلاد و يشرف من هناك على اعمال مطارنة في الأنبار و كشكر و الطيرهان و دير هرقل و الحيرة و أليس و عكبرا استناداً الى ما كتبه المطران الياس الدمشقي في العقد الأخير من القرن التاسع .
سميت فيروز – شابور في القرن السابع للميلاد بالأنبار ، لأنها كانت تتكون من انابير الحبوب فكانت تسمى بالاهراء لأن كسرى كان يرزق اصحابه رزقهم منها ، كما يقول الطبري في تاريخه. " سار خالد بن الوليد في عام ( 633 ) الى الانبار للأستيلاء عليها فتحصن اهلها ، ثم اتاه من دله على سوق بغداد، و هي السوق العتيق الذي كان عند قرن الصراة ، فبعث خالد بالمثنى بن حارثة فأغار عليه، و نهب ما فيه فملأ المسلمون ايديهم من الصفراء و البيضاء، و قدموا الى الانبار و خالد فيها فحاصر اهلها، و كانوا في معظمهم من القبائل العربية و كان بينهم عدد لا يستهان به من النصارى ترعاهم كنيسة و ثلاثة اديرة هي دير او ( عمر ) مار يوحنا و دير مار يونان و دير مار سرجيوس وكانوا قد احرقوا احد نواحي المدينة.
فلما رأى اهل الانبار ما نزل بهم اضطروا الى مصالحة خالد على شيئ رضي به فأقرهم " و ذكر انه قد تم عقد معاهدة صلح بين اهل الانبار و جيش المسلمين اثناء حكم الخليفة عمر بن الخطاب ، و قام جرير بن عبد الله بدور الوساطة في ذلك الأمر . اما فبما يخص عبور جيش المسلمين لنهر الفرات ، فقد يكون في قت هجومهم قد، كان من السهل خوض النهر اما فوق الانبار او أسفل منها (1) .
و في عام 752 نزل ابو العباس السفاح الانبار قادماً من الكوفة، و أمر ان يبنى له دار . و في عام 754 توفي ابو العباس اول خليفة عباسي فدفن في داره في الانبار و اتخذ داره مقاما و مزاراً له في قرية العباس . و في هذه البلدة ظل يقيم كثير من اولئك الجنود الذين جلبوا من خراسان. و حينما حل ابو جعفر المنصور الخليفة العباسي الثاني في الانبار ، لم يبق فيها طويلاً لانه اختار ارضاً امام سوق بغداد لتكون عاصمة للخلافة العباسية.
و كان نهر عيسى الذي حفره العباسيون يتيح الوصول مباشرة من الانبار الى بغداد بالقوارب من الفرات و في عام 797 قام هارون الرشيد بزيارة الانبار و اتخذ له مقاماً في قرية او منطقة العباس.
وعندما عاد هارون الرشيد من الحج عام 803 نزل الحيرة فأقام اياماً ثم مضى فنزل بموضع الانبار يقال له ( الحرف ) و بات في دير يسمى العمر .
و اشتهر في تلك الايام الكاتب السرياني ابو نوح الأنباري الذي عاش متعاوناً مع الجاثليق طيمثاوس الأول ( 728- 823 ) حيث كان يعمل ابو نوح كاتماً لسر حاكم الموصل ابو موسى بن مصعب ، و قد خلف ابو نوح كتباً في الثقافة المسيحية و مساجلات بين المسيحيين و المسلمين .وتعددت القبائل العربية التي سكنتها وعرفنا منها قبيلة شمر، وهي اقدم عشيرة عراقية .
تعد الانبار اليوم من اكبر المحافظات العراقية مساحة ، و نفوسها تقارب المليون نسمة و اهم مدنها عدا مركزها الرمادي هي الفلوجة و عانة و هيت و حديثة و راوة و الرطبة و القائم و كانت تسمى قبل عام 1970 لواء الدليم.
2- الفلوجة ( بالوكاتو )
الفلوجة بلدة تاريخية رافدينية عريقة تقع على ضفة الفرات الشرقية قرب الرمادي تبعد عنها حوالي ( 25 كم ) .
في الاصل كانت بلدة اكدية تدعى بالوكاتو Pallugatu .و عاش فيها بعد ذلك الآراميون و أسموها بالوكثا Pallugtha وتعني بيضاء كالثلج ،و لعل السبب يعود الى كثرة وجود حجر الجير الأبيض على ارضها . كان يتفرع من ألفرات عندالفلوجة نهر ملكا ، الوارد ذكره في المصادر البابلية . و ورد ان بلدة بالوكثا تقع شرقي عاقولا او جنوب شرقها . كما ذكر المؤرخ بليني ان هناك قناة بهذا الأسم او بأسم بالوكتاس كانت موجودة قرب المدينة .
سميت بالوكثا في نهاية العصر الفارسي-المسيحي ب ( الفلوجة ) و هي المكان الذي تنفصل فيه مياه الفرات لأرواء الاراضي المجاورة .
كان احد اليهود المهووسين من منطقة بيت اراميا قد ادعى في مواعظه عام 640م ان المسيح قد جاء وحل فيه، فجمع حوله قرابة اربعمائة شخص ، من حاكة و صناع سجاد و قصاري اقمشة الكتان ، و احرقوا ثلاثة كنائس و قتلوا المسؤول عن المنطقة . فأرسل لقمعهم جنوداً من عاقولا ، فقاموا بقتلهم جميعاً و صلبوا زعيمهم في قريته كما ذكر المؤرخ نولدكة في تاريخ السريان و كذلك المؤرخ كويدي ،بحسب ما اورد البحاثة الذي زار العراق: آلوا موسيل في كتابه الشهير ( الفرات الأوسط ) .(2)
كان ابن هبيرة و هو عامل الخليفة الأموي الأخير ، قد اقام بقرب الفلوجة قصراً كبيراً لكنه لم يكمله . و عندما نجحت الثورة العباسية قدم الى البلدة ابو العباس السفاح الخليفة الأول ، فأكمل بناء القصر الذي اسماه بالهاشمية تيمناً بأسم جده هاشم ، فأصبحت تدعى بالهاشمية ثم طغى عليها بلدة القصر ،بين الناس ، اي قصر ابن هبيرة . ثم تركها الخليفة و أنتقل الى مدينة الأنبار التي اصبحت مركزا للعباسيين بعد القضاء على الخلافة الاموية .ثم بعد ذلك سميت بالفلوجة و تعنى الأنفلاج او الانشطار ، و لعل الأسم جاء من موضعها الذي فيه تنفلج ضفة الفرات .(3)
هذا و تبعد الفلوجة عن بغداد زهاء ( 90كم ).وقد اشتهرت الفلوجة في مقاومتها للاحتلال البريطاني للعراق في عام 1941، كما عرفت بمقاومتها العنيدة للاحتلال الامريكي في عام2003
المصادر
1) لسترانج ، غي . بلدان الخلافة الشرقية ترجمة و تحرير بشير فرنسيس و كوركيس عواد . بغداد : مطبعة الرابطة ، 1954 ( ص 91 – 95 ) .
2)موسيل ، ألوا . الفرات الأوسط ، رحلة وصفية و دراسات تاريخية ، ترجمة صدقي حمدي و عبد المطلب عبد الرحمن . بغداد : المجمع العلمي ، 1990 ( ص 468 - 473 ) .
3)قزانجي،فؤاد.اصول الثقافة السريانية.عمان:دار دجلة،2010 . ص 81
843 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع