وداعاً عام "كُلُّش زين"

                                                    

                                محمد عارف*

«نورٌ على نور. فأُمُّ الطاقة هي الشمس، وليست طاقة الفحم والنفط في الحقيقة سوى كائنات عضوية متحجرة تمثّلَت الطاقة الشمسية وطبختها في أعماق الأرض ملايين السنين». ذكرتُ ذلك في مقالة هنا أول يوم من العام الحالي، وعنوانها «2015.. عام ابن الهيثم».

ومنذ الشهر الأول لهذا العام المنصرم فرضت أحداث أوروبا نفسها في مقالات عدة، عنوان أولاها «لا.. لن تصبح فرنسا شارلي»، استَّهَلتها عبارة «إذا كان صحيحاً ما قاله الفيلسوف الفرنسي سارتر من أن الكلمات مسدسات محشوة، فإن رسوم الصحيفة الفرنسية شارلي إبدو مفخخات». ولم تفعل أحداث العام سوى تعزيز اعتقادي بأن «أبسط معرفة بعلوم النفس والسياسة، تدرك أن العرب والمسلمين تستفزهم الإهانة أكثر من أتباع غيرهم من الأديان الأخرى، لأنهم يعانون منذ قرون أوضاعاً مهينة. فأيُّ دين قتل المستعمرون الفرنسيون مليوناً من أتباعه في الجزائر؟ ومنح البريطانيون بلد معتنقيه المقدس لمستعمرين صهاينة؟ وأيُّ دين يستمرُ تشريد وقتل ملايين من أتباعه في القرن الحادي والعشرين؟ هذه الأسئلة المخنوقة في القلوب والعقول قنابل موقوتة».
و«نصيحة السومريين لليونانيين» عنوان مقالة دعت اليونانيين إلى أن «يتحلّلوا من الديون». فقد كان أجدادنا يعرفون قبل أربعة آلاف عام أن الديون ينبغي أن تُعفى دورياً، لأن حجم الديون يتجاوز حجم الاقتصاد الحقيقي. وكان الفكر الاقتصادي لبلاد ما بين النهرين قائماً على أساس رياضي أكثر واقعية من الفكر الاقتصادي الحالي. فالديون تنمو في جميع البلدان عبر التاريخ بشكل أسيّ (متضاعف)، فيما بقية الاقتصاد، أو «الاقتصاد الحقيقي»، ينمو بشكل لولبي. وأدرك البابليون، الذين أسّسوا علم الرياضيات، كيف تجعل الفوائد المركبة الديون غير قابلة للسداد في نهاية المطاف، مهما كان معدل الفائدة.
ولولا «كُلُّش زين»، التي يدمج بها العراقيون كلمات «كل شيء على ما يرام»، ما كتبتُ في العام المنصرم أكثر من أربعين مقالة ما تزال نكاتها تضحكني، كالنكتة السورية عن «حمصي» سأل «حموياً» ما إذا كان قد رأى مبعوث الأمم المتحدة «دميستورا»، فأجاب الحموي: «مَرْ شي من ساعتين». سأل الحمصي: «هل كنت أنا معه؟».
و«كلش زين» في الكتابة عن العالم، الذي فيه من الخيال أكثر مما فيه من الأحلام، وإلاّ فمن يتخيل تسابق أعرق الدول الرأسمالية، مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، للانضمام إلى «البنك الآسيوي للهياكل الارتكازية» الذي خصَّصت له الصين الشيوعية خمسين مليار دولار؟ ومن يتوقع أن تخصص الصين غير المسلمة 40 مليار دولار لإحياء «طريق الحرير» الذي شهد العصور الذهبية للإسلام؟
لم يردد أحدٌ عبارة «كُلُّش زين» كصهري العميد أرشد عبدالرزاق، فهي جوابه الدائم والفوري عندما تسأله عن الحال، خلال وبعد خدمته العسكرية أربعين عاماً، في حروب فعلية. وحرب عام 1967، الوحيدة التي لم يشارك فيها، كان يقول عنها مازحاً: «لذلك انتكست». وسبب عدم مشاركته في تلك الحرب شَحنَهُ في «قطار الموت» الشهير، الذي حشرت فيه سلطات انقلاب عام 1963 معتقلين سياسيين في عربات مغلقة من السجن العسكري في بغداد إلى سجن «نقرة السلمان» الصحراوي. وعلاقة صهري الوحيدة بالسياسة شقيقه نوري عبدالرزاق، رئيس «الاتحاد العالمي للطلاب» آنذاك، وحالياً أمين عام «منظمة التضامن الأفروآسيوية» في القاهرة.
وحتى عندما لم يعد العميد أرشد يستطيع قبيل وفاته بالسرطان نهاية أكتوبر الماضي، أن يحرك سوى إصبعين، كان يرفعهما بعلامة النصر! أحرجني أن لا أتذكره إلاّ بالمرح والسرور عندما ووري جثمانه التراب في مقبرة بعَمَّان. تصورته يرفع إصبعيه بعلامة النصر. ولعينيه أرفع علامة النصر في وداع «كلش زين» عام 2015، واستقبال «كُلُّش زين» عام 2016.
*مستشار في العلوم والتكنولوجيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1079 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع