بقلم المستشار القانوني:- سلام جبار عطية
سارع علم الجينات في الحقول الطبية الى اثبات بصمة اخرى على صفحة الانسانية من خلال ابتداعه لسبل مختبرية كفيلة بادامة التناسل حتى مع وجود المعوقات التي تمنع الزوجين من الانجاب وفقا للطبيعة, فقد ابدعت علوم الطب في ابتكار البديل لعجز الرحم عن استقبال الجنين او استضافته وولادته حيا من خلال الانتقال بالجنين الى بيئة اخرى اكثر أمانا ومناسبة لاستكمال مراحل التطور الجنيني والولادة للعودة بالولد الى احضان أمه صاحبة البويضة وأبيه الملقح لها خارج رحم الام, فكان الرحم البديل والام البديلة والحمل البديل والذي يتم وفقا لعملية هي قانونية في مراحلها النهائية اطلق عليها إيجار الرحم.
وتتراوح موضوعة إيجار رحم المراة بين القبول والرفض تبعا لتاثير الاحكام الشرعية لاي نظام على الاحكام الوضعية القانونية لذلك النظام. ففي الوقت الذي تسن فيه الكثير من الدول القوانين التي تخدمها فإن دولاً وانظمة اخرى تسن مايوافق من تلك القوانين مع ما يتفق وشريعة ودين ما تؤمن به شعوبها وينطبق ذلك على اصحاب الدين الواحد والمذاهب المتعددة في الدين نسبة الى كون التشريع هو مصدر القانون الاصلي لها, اضافة الى ان التفاوت بين الاعراف للدول والمناطق والانظمة يؤثر ايضا في قبول قوانين استئجار الرحم حيث أن العُرف هو مصدرا اخر من مصادر القانون.
يتم اللجوء الى عملية تاجير الرحم surrogacy كحل بديل للعجز الذي تعانيه النساء غير القادرات على الحمل والإنجاب بسبب مشاكل صحية بالدرجة الاولى وقد تعدت المفاهيم لتشمل تلك النساء اللائي لايملكن الوقت للحمل والانجاب بسبب انشغالهن بالعمل وعدم قدرتهن على مواكبة التطور للعمل اذا ما انعزلن لنفس الغرض, وقد بلغت فانتازيا تاجير الرحم الى بعض النساء ممن يرغبن بالمحافظة على رشاقة اجسادهن كعارضات الازياء او النساء اللائي يمارسن الرياضة الاحترافية وغيرها من فعاليات المجتمع.
ويُسمى تاجير الرحم ايضا بالحمل البديل, ويطلق على صاحبة الرحم المؤجر الام البديلة, ويمكن تعريفه:- بأنه عملية انتزاع بويضة من رحم امراة (الام البايولوجية) وتخصيبها مختبريا بحيامن رجل (زوجها) ثم زرعها في رحم امراة اخرى متطوعة (الام البديلة) لغرض استكمال المراحل الجنينية والولادة وتسليم الولد الى الزوجين مقابل مبلغ متفق عليه من المال.
وعقد الإيجار الذي يعرف في القانون بأنه (تمليك منفعة معلومة بتعويض معلوم لمدة معلومة وبه يلتزم المؤجر ان يمكن المستأجر من الانتفاع بالمأجور) وهو مباح في الأصل الى حد ما في الديانات الثلاث (اليهودية والمسيحية والاسلام) إلاّ أن جميع الكنائس المسيحية حرّمته لتنافيه مع مبدأ الأمومة, وما يزال الفاتيكان يرفضه ويرى فيه عملا غير اخلاقيا وفقا لقراره المرقم (2376) على الرغم من سماح الكنيسة البروتستانتية بالتاجير لغرض الانتفاع المطلوب, اما الفقه الاسلامي فقد حرّم هذا النوع من التاجير وقد اعتبره مجمع الفقه الاسلامي كعادته في التعامل مع بدايات كل ابتكار حراما وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره الثالث سنة 1407هـ بتحريمه أيضاً منظما اليه في التحريم علماء الازهر. وقد كانت ايران الاسلامية استثنائا في تحليل الايجار وتنظيم العقود الخاصة به.
امّا الديانة اليهودية فلم تكتف بالسكوت عن الموضوع بل أقرّته دولتهم وشرعت له قانونا وضعت له القواعد والشروط التي تنظم التزامات اطرافه.
ورغم ان عقد ايجار الرحم بالنسبة للدول التي تقره يمثل معاملة واحدة وصفقة واحدة وفقا للتصور القانوني الا اننا لايمكننا اعتبار هذا النوع من العقود عقود بسيطة, لانه ينطوي على عمليات قانونية متعددة فهو عقد مركب يمكن النظر اليه كعقد ايجار وعقد وديعة ايضا يوجب بذل صاحبة الرحم المستاجرة العناية اللازمة للشخص العادي من اجل الحفاظ على سير مراحل الجنين الى الولادة والتسليم.
ان التطور السريع في النظم والقوانين التي تقر ايجار الرحم لم يعطيها الديناميكية اللازمة لمواجهة الاشكالات التي طافت على سطح الواقع وانسحبت بآثارها حتى على تلك الدول التي حرمت ايجار الرحم واستئجاره ومنعت عقوده. فعلى سبيل المثال, هل يمكن للطرف المستاجر التنازل عن حقه في المولود سواء كان قبل الولادة او بعدها؟ وماذا لو لم يوافق المؤجر على قبول التنازل؟.. وماهو حكم فسخ العقد من طرف واحد او طرفي العقد قبل الولادة, اذا ما كانت مراحل الجنين قد وصلت حد اعتبار اهماله قتل متعمد؟
وبالنسبة للمراة المتزوجة التي تؤجر رحمها, هل يجب عليها اخبار زوجها؟ واذا كان الجواب بنعم فهل يستحق وزجها مبلغا من قيمة الاجارة؟ وكم نسبته في حالة الجواب بالاثبات؟ وهل للزوج حق الفيتو على رحم زوجته, ام ان الفيتو يختص بفرجها في اطار الخيانة؟
ماذا لو كان تلقيح البويضة التي ستزرع في الرحم المستاجر هي من حيامن رجل وبويضة امراة, لكن الولد الناتج عنها سيؤول الى شخصين مثليي الجنس لقح احدهم البويضة او منحت احداهن البويضة بعد ان جمع بينهما زواج قانوني في الدول التي تسمح قوانينها بزواج رجل من رجل وانثى من انثى؟
هل يجوز للمولود من رحم مستاجر وبعد بلوغه سن الرشد القانوني, ان يتقدم بالشكوى على الام البديلة بدعوى تسببها بنقل امراض له من خلال تاثير دمها المرتبط به كجنين على صحتة والتي تحددها التسعة اشهر من الحمل كما هو ثابت علميا؟ وفي الجانب الاخر هل يحق للأم البديلة رفع الشكوى بدعوى الضرر اذا اتضح بان البوضة المخصبة للام البايولوجية وزوجها ملوثة بالايدز؟
ومن حق المتخصص هنا السؤال عن الاختصاص النوعي للمحاكم والاستفهام عن المحاكم التي تختص بفض النزاعات الناتجة عن موضوع البحث, فهل ستكون محكمة الاحوال الشخصية ام محاكم اخرى باعتبار الايجار والوديعة هي عقود؟
ورغم ان الدول الاسلامية عدا ايران كانت قد حرمت ابرام مثل هذه العقود ومنعت على حد تعريفها استباحة الفروج إلاّ الزوجات والمملوكات أي وطئهن بملك اليمين, الا ان الدول التي سمحت به لم تشترط ديانة اطراف العقد وعليه فقد سافر الكثير من مواطني الدول الاسلامية والعربية الى الدول التي تقر عقود ايجار الرحم لابرامها وتحقيق احلامهم في الحصول على الولد. مما اثار مشكلة للمواطنين مع قوانين بلدانهم بشكل اخر لايتضمن العقد نفسه بل بعدم السماح للولد بالدخول للدولة مع والديه, لانه لم يكن له ختم خروج من منافذها الحدودية اصلا ولا يحمل الوثائق الرسمية للبلد.
واما ايران المسلمة والتي اقرت قانونا لاستئجار الرحم منظمة له بمواد وفقرات فقد واجهت الاشكالات المستجدة ايضا على صعيد الشريعة التي تعتمدها. وقد ادى سكوتها عن تحريم استئجار رحم خاص باخت الزوج مثلا او اخت الزوجة المتطوعة, على اعتبار ان نطفة الزوج سترد في حالة الايجار الى رحم اخته مع البويضة المخصبة, او ان نطفة الزوج سترد مع البويضة المخصبة الى الرحم المستاجر لاخت الزوجة. علما ان الحرمة هنا هي من باب (لايجوز الجمع بين الاختين في الزواج) واخت الزوجة ليست من محارم الزوج لكنها من محرماته في التزويج, كذلك ومن وجهة نظر فقهية, يطرح السؤال نفسه حول المسوغ او الضرورة التي يمتنع فيا الرجل الايراني عن الاقتراب جنسيا الى زوجته لان استئجار رحمها قد ادى الى شغل رحمها كامرأة اجنبية بحمل من غير زوجها, وهذا يوجب امتناع زوجها عن ممارسة الجنس معها. فيمتنع زوجها من ذلك حتى تضع حملها!
في جوانبه الانسانية يُعيد ايجار الرحم طبيا الامل للزوجين بحق الوالدية ويمنحهم الزينة المعول عليها في الحياة الدنيا بعيدا عن عمليات التبني الي اخلت نوعا ما في الاحساس بالانتماء من طرف المتبني والمتبنى, ورغم كل ماطرحه الموضوع من اشكاليات منها ما كان موجودا ومنها مااستجد الا ان المذاهب الانسانية تحاول تخفيف آثار الحرمان على الاشخاص والبقاء على ابواب الامل مشرعة وايجاد البدائل الحياتية في حالة العجز او الاصابة بالامراض واحتماليات الخطورة التي قد تصيب النسل الانساني في المستقبل.
676 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع