عصام شرتح
- النقد فن من الفنون المؤثرة في كشف الأشياء،والحكم عليها، والناقد المؤثر لابد له من موهبة وخبرة إبداعية ومرجعية ثقافية واسعة بالإضافة إلى عمق الرؤية،وعمق الحساسية الجمالية أو لنقل الخبرة الجمالية؛والنقاد هم الذين يطورون الإبداع،ويرفعون أسهمه الإبداعية بنجاح،ولهذا احتفى به القدماء منذ القدم؛والنقد العربي القديم خير مثال على ذلك، لكن السؤال المطروح أين وصل النقد العربي الحديث،؟ أين موقعه من حركة الإبداع المتسارعة؟ هل واكب النقد الإبداع أم تخلف عنه؟ ومن هم النقاد المؤسسين الذين أغنوا حركة النقد العربي؟ وأسهموا في دفع عجلة النقد إلى الأمام؟!!.
هذه الأسئلة المطروحة تدفعنا طرح كثير من الرؤى النقدية والمفاهيم الرؤيوية وفق ما يلي:
-النقد ممارسة إبداعية وخلقية،وإنصاف،وتصويب،وهداية،وليس غوغائية،وغاية، ومتنفساً ننال من خلاله خصومنا، النقد أكبر من ذلك بكثير، وهو تجرد عن النوازع، والضغائن الشخصية هو كلمة حق يجب أن تقال، وهذه الكلمة مسؤولية أمام الله والوجود والإنسان، وكلما أخلص الناقد لكلمته كلما تركت أثرها وبصمتها في الأذهان، والقلوب...ورسالتي للنقاد الشباب الاجتهاد ثم الاجتهاد، وعدم الركون للموهبة وحدها، فالموهبة وحدها لا تصنع ناقدا حقيقاً مؤثراً في تطوير عجلة النقد. والموهبة وحدها لا تؤسس لما هو خالد وأبدي في الحياة فلابد من الاجتهاد والمطالعة، والمتابعة الحثيثة لكل ما هو جديد، ومواكب في كل المراحل؛ حتى يترك الناقد بصمته النقدية الحقيقية التي تؤثر وتغير.. وتؤكد استمراريتها على الدوام في مواجهة الزمن، والتقادم، والاندثار.
-النقد استدلال، وبحث دؤوب عن جوهر الإبداع في النصوص المنقودة؛ ولا يمكن أن يستمر النقد كوثيقة إبداعية مؤثرة إلا عندما يكتشف جوهر الإبداع في النص المنقود،ولا أبالغ في قولي: إن القلة القليلة من النقاد من يتحثثون الجوهر في دراساتهم النقدية التي أغلبها يقع تحت وطأة المدارس النقدية الغربية، أو الحدوس النقدية الانطباعية المباشرة؛ وهذه لن تستمر وتخلد كخلود النصوص الإبداعية الحقيقية ذاتها التي تجذرت في حقل الإبداع الحقيقي.
-النقد مشروع تطوري، أو متطور دائماً؛وهذا المشروع بقدر ما ترفده الموهبة، وعمق التجربة، والعين اللاقطة لجوهر الأشياء من الصميم، بقدر ما تسمو الممارسة النقدية لتصل مرتبة الإبداع ذاته،وقد تفوقه أحياناً،وترتقي فوقه درجات، ولهذا، نعود ونكرر إن النقد بناء، وتأسيس، وإحياء،وليكون النقد كذلك يجب أن يتنفس الناقد روح النص، وطقوسه، وأحاسيسه، ورؤاه، ليعيش معه، بروح الإبداع ذاته، لا إسقاطاته الحدسية المباشرة.
-النقد روح جمالية،وهذه الروح تنبض بالحياة،وتتدفق بينابيع المعرفة، وبقدر ما تسمو الحساسية الجمالية في تلقي النص الشعري، بقدر ما تسمو رؤية النص،و تثمر تلكم الدراسات،وتحقق منتوجها الحقيقي.
-النقد سباق معرفي محموم، صوب التجديد والتطوير والتحديث، لا يقف النقد على أسس ثابتة ومعايير مقاسة على كل النصوص ، فلكل نص وجهته النقدية ،وأسلوبه القرائي أو التأويلي الخاص به؛ وهنا تكمن صعوبة النقد،وصعوبة المشتغلين المبدعين في حقله الإجرائي؛أو التجريبي.
-النقد ثورة معرفية ،واكتشاف إبداعي مثمر؛ ولا يمكن أن يركن النقد الإبداعي الحقيقي للثوابت ؛ فهو دائم الحركة،والتطور،والتغير؛ ويخطئ الناقد حين يركن إلى القمة ؛ فلا قمة في النقد . القمة دائماً للمجتهد والمتغير،والمتابع لمستجدات الرؤى والإفرازات الإبداعية المتطورة؛ ولهذا فالحقول المعرفية التي يخوضها الناقد المبدع تبقى في جريان وتدفق دائمين ، وبقدر ما ينوع الناقد في قراءاته بقدر ما تزداد خبرته المعرفية وتثمر فواعله النقدية،وأدواته الإجرائية وأحكامه النقدية المستنبطة.
-النقد مغامرة في حيز الإبداع أو في تقييم الإبداع،ولا يمكن لهذه المغامرة أن تنجح إلا بفضل الاجتهاد، والمثابرة، وتطوير الذات، وامتلاك القوة الفوقية الجامحة التي تكشف خفايا النص المنقود ليكون النص بكليته في حدقة الناقد وعينه الساحرة التي تشف ما خفي وتلتقط ما تلاشى هنا وهناك؛ ولهذا يطلق على الناقد المبدع الرائي أو اللاقط الذي يستشف الأمور من العمق ،ويكشف الدقائق الخفية في النص المنقود؛ ومن هنا سمي الناقد ناقداً لأنه يرى ما لا يراه الآخرون ،وينفد برؤيته إلى الأعماق.
-النقد شعور حر، وانفتاح رؤيوي، وتألق معرفي،وتحليق في فضاء الحرية؛ أن تكون ناقداً حقيقياً يعني أن تتنفس روح النقد البناء؛ وليس النقد الهدام أو المدمر، كما لاحظناه عند بعض النقاد المهزوزين أو النقاد الذين طغت عليهم الأنانية المفرطة، وحب الذات إلى درجة النرجسية ولاشيء سواها، ونعتذر عن ذكر الأسماء لئلا نجرح أحداً، ونمس بهالتهم القدسية المبهرجة، فالكثير من الأوساط الثقافية تعرفهم وتمجهم،لدرجة لا مثيل لها ؛ ولهذا سنهملهم عند تعداد النقاد المبدعين الحقيقيين الذين أسهموا في دفع عجلة النقد إلى الأمام، وبتقديرنا: ينبغي على الناقد المبدع الحقيقي أن يبتهج عندما يجد من يتجاوزه،أو عندما يجد من هم أكفأ منه،ومن هم أعمق وأبرع رؤية في الكشف النقدي؛ فالثمرة والنفع سيعودان على الجميع لا محالة؛ وفي هذا المقام لابد أن نذكر بعض النقاد الذين أسسوا وأبدعوا ونالوا شرف العظمة والخلق القويم ؛ والاجتهاد، والإنجاز المثمر،فلهم منا كامل الشكر والتقدير على إنجازاتهم القيمة وذخيرتهم الإبداعية الخلاقة،ومرجعياتهم الثقافية المتنوعة، ؛نذكر منهم:( أدونيس؛ صلاح فضل، عبد الملك المرتاض، محمد العبد، عز الدين إسماعيل، شكري عياد، لطفي عبد البديع، حسين خمري، عبد القادر الرباعي، عبد الله الغذامي، محمد عزام، فائز العراقي، محمد الماكري،ومحمد الصفراني، وليد منير، سعيد الغانمي، واعتدال عثمان،أحمد زياد محبك، محمد عبد المطلب؛ رجاء عيد، كمال أبو ديب، عبد اللطيف محمد حماسة، جابر عصفور؛ ياسين الأيوبي، عبد الله أبوهيف، عبد السلام المساوي، أسيمة درويش ، خيرة حمر العين،علي جعفر العلاق، عز الدين المناصرة، يمنى العيد، خليل الموسى، حسين جمعة، فؤاد المرعي، عبد السلام المسدي، مصطفى الكيلاني، حاتم الصكر؛ فاروق إسماعيل، محمد رضوان الداية، مصطفى السعدني؛ نعيم اليافي، فايز الداية، نذير العظمة، عبد الكريم اليافي،وليد مشوح،وعبد المجيد زراقط، وغسان غنيم، ومحمد صابر عبيد، ومحمد لطفي اليوسفي،وبشرى البستاني،وغيرهم ولابد من الإشادة بمنجزات النقاد الشباب الواعدين أمثال: قصي حسين، ؛ محمود الضبع،والناقدة المميزة خلود ترمانيني، وهايل الطالب، ومحمد كنوني، وغيرهم.
وبهذا التصور،يبقى النقد التأسيسي المبدع نادراً؛ كما هو حال النقاد المبدعين المؤسسين، ولهذا يعاني النقد في زماننا؛ ليس من قلة البحوت النقدية، أو الدراسات الجادة رغم قلتها؛ ولكنه يعاني من عقم النقد المؤسس، أو النقد البناء المنتج للإبداع والرافد الحقيقي له؛وبتصوري إن النقد ليس تفسيراَ للنص، وإنما إحياء لبذرة الجمال، وروح الإبداع فيه،وكشف عن جوهر هذه الروح،وشرارتها المتقدة في أوج الروح،وعندما يلامس الناقد هذه الشرارة،بمبضع لغوي محكم فإنه لاشك سيكون نقده مؤسساً؛وليس هداماً؛ وثمة فرق واضح بين النقد المؤسس الذي يبقى ويستمر،وبين النقد الهدام الذي يذوي ويتلاشى ويندثر كما باقي الأشياء التي لا قيمة لها.
وأخيراً، نقول: إن أزمة النقد تكمن في النقد ذاته والممارسين له، فالنقد إما أن يكون تأسيسياُ بناءًا،وإما أن يكون غوغائياً هداماُ؛ وهذا يتبع الموقف النقدي والحساسية النقدية والموهبة الفذة والإخلاص لها؛وهذا ما لم يستطعه إلا القلة القلائل من نقادنا العرب المعاصرين.
1001 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع