د. منار الشوربجي
التزامن بين حدثين أميركيين هذا الأسبوع لم يكن مقصوداً ولكنه خلق مفارقة جديرة بالتأمل. الحدث الأول كان الكلمة التي ألقاها أوباما عشية إعلانه عن «توجيهات تنفيذية» في مجال تنظيم حيازة السلاح واستخدامه داخل البلاد، والثاني كان قيام منتمين لحركات الميليشيا المسلحة باحتلال مبنى تابع للحكومة الفيدرالية في ولاية أوريجون.
الإعلام غطى كلمة الرئيس تغطية واسعة لأن دموعه انهمرت وهو يتحدث عن الأطفال الذين ماتوا في أحداث القتل العشوائي، وتحدث الإعلام عن أن دموع أوباما مثلت استثناء نادراً يخرق شعار «لا دراما مع أوباما» الذي رفعته إدارته منذ تسلمه الحكم. فالرئيس جعل السلاح حدثاً درامياً ليس فقط لأنه سلط عليه الأضواء من خلال كلمة تصحب تحركه المنفرد دون الكونجرس.
وإنما لأن دموعه كانت حاضرة في المناسبة، والولايات المتحدة من البلدان التي تعج الملايين من منازلها بأنواع مختلفة من الأسلحة بشكل قانوني، ويحتوي المنزل الواحد فيها أحياناً على عشرات الأسلحة، ويستخدم أنصار حمل السلاح في أميركا التعديل الثاني للدستور الأميركي الذي ينص على أنه «لا يجوز انتهاك حق الشعب في اقتناء السلاح وحمله».
أما واقعة احتلال المبنى الفيدرالي بولاية أوريجون، فقد نفذها حوالي مائة رجل من المنتمين لحركات المليشيا المسلحة الأميركية، وحركات الميليشيا الأميركية عددها يزيد وفق آخر الإحصاءات عن الثلاثمائة وليس معروفاً عدد المنتمين لها..
وهي الأخرى لها سند من الدستور الذي ينص في التعديل الثاني ذاته عليها، فهو حظر على الحكومة منع تشكيلها بعد أن وصفها بأنها «الميليشيات المنظمة، كأساس للمجتمع الحر»، والأصل التاريخي لتلك الميليشيات كان سابقاً على الدستور الأميركي حيث يرجع وجودها لمرحلة الاستيطان من جانب الأوروبيين وكانت تتحرك أساساً ضد السكان الأصليين.
والواضح الوحيد في احتلال المبنى كان السبب المباشر لا الأهداف، أما السبب المباشر لاحتلال المبنى الفيدرالي فكان الحكم الذى صدر على رجل مسن وابنه بالسجن خمسة أعوام عقاباً على إشعالهما عمداً حريقاً في أرض فيدرالية متاخمة لمزرعة الحيوانات التى يملكها، والرجل لم ينكر قيامه بإشعال الحريق ولكنه نفى أن السبب كان التغطية على صيده غير القانوني للغزلان .
وزعم أن هدفه كان إبعاد الكائنات الشاردة عن مزرعته، وقد تزعم واقعة احتلال المبنى أحد رموز حركات الميليشيا وأبناؤه، يدعى كلايفن باندي، من ولاية نيفادا المجاورة، وهو صاحب تاريخ فى المواجهة مع الحكومة الفيدرالية، ورغم أن صاحب مزرعة أوريجون نأى بنفسه عن واقعة الاحتلال التى تمت احتجاجاً على الحكم عليه.
إلا أن هذا لم يمنع الرجال المسلحين الذين احتلوا المبنى من الحديث بلغة مخيفة، فواحد من أبناء باندي دعا الذين يؤمنون بأفكاره أن «يسلحوا أنفسهم ويحضروا لأوريجون» التى أعلن أنهم سيظلون على احتلالهم لمبناها «عدة سنوات»، وأعرب عن استعدادهم «للقتال»، بينما قام عدد من المسلحين بتسجيل شرائط فيديو «وداع» لأهلهم على أساس أنهم قد «يقتلون فى المعركة».
أما أهداف احتلال مبنى ولاية أوريجون فهو ظل يتغير على مدار الساعة. ففي البداية، قال المسلحون إنهم ينوون استخدام المبنى «كموقع» لتجميع كل أفراد حركات الميليشيا من كافة أنحاء البلاد، ثم قالوا أنهم لن يرحلوا إلا بعد إلغاء الحكم على هاموند صاحب مزرعة أوريجون..
ثم قالوا أيضاً أنهم لن يرحلوا إلا بعد أن يتم حل كل المنازعات بين أصحاب مزارع الحيوانات في كل ولايات الغرب والحكومة الفيدرالية عبر منحهم صكوك ملكية للأرض المتنازع عليها، وبعد ستة أيام كاملة من احتلال المبنى كانت لاتزال سلطات المقاطعة، وهي السلطة الوحيدة التي يعترفون بها، تتفاوض معهم على الرحيل دون جدوى.
المفارقة الجديرة بالتأمل في كل ذلك هي أن الإجراءات التنفيذية التى اتخذها الرئيس الأميركي والتي حظيت بتغطية إعلامية واسعة لا يمكنها مطلقاً أن تحل المشكل في أوريجون ولا حتى أن تفعل شيئاً يتعلق بحركات الميليشيا، فقرارات الرئيس لم تذهب لأبعد من توضيح بعض جوانب القوانين القائمة فيما يتعلق بإجراء فحص لسجل الشخص الراغب في شراء السلاح..
وهو أمر لن يغير شيئاً من السلاح الموجود في أيدي جماعات شديدة التطرف والخطورة مثل حركات الميليشيا، أما الكونجرس ومرشحو الرئاسة، فقد نأى أغلبهم، خصوصاً الجمهوريين منهم، عن التعليق على ما فعلته تلك الميليشيات المسلحة.
1088 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع