سلام جبار عطية
من الحقوق المتاصلة في المنظومة الانسانية هو الحق في الحياة, واحتفاظ الانسان بهذا الحق هو الركيزة التي تتفرع منها بقية الحقوق, فالشخص الذي فارق هذا الحق (الميت) باسباب الوفاة الطبيعية يكون قد فارق بقية تفرعاته وإن احتفظ ببعض المراسيم المادية والمعنوية والتي لاتسمى حقوق, كالدفن والذي يعتبر اكرام للميت (إكرام الميت دفنه) وقبل ذلك التشيع ان وجد والغسل والتكفين على اختلاف المشارب والمذاهب والعقائد.
ايضا هناك الترحم والذكر الطيب وتنفيذ الوصية وكل ذلك لايمكن تسميته حقوق للميت بل هي واجبات على الغير فقط او تكريمه من قبل الغير. في الجانب الاخر هناك حق مُدعى للحي يتمثل بتنازله الطوعي عن الحياة او انهاء حياته بشكل قسري بعد الياس من الاحتفاظ بها وهو الحق في الموت, وهو منحى حقوقي شغل الكثير من المباحث الاخلاقية قبل القانونية فاتفق الاصطلاح على تسميته بالموت الرحيم او القتل الرحيم او القتل بدافع الشفقة, وقد بات هذا الحق واحدا من المواضيع الخلافية في العالم من ناحية شرعيته ومحاولة تبريره أخلاقيًا ودينيًا وقانونيًا.
لقد عرّف قاموس أوكسفورد الإنجليزي معني القتل الرحيم(Euthanasia):-"إنه القتل الغير مؤلم لمريض يعاني من مرض مؤلم غير قابل للعلاج " وبتعبير آخر هو انهاء لحياة بعض الناس من المرضى الميؤوس من شفائهم طبيا أو الذين لديهم إعاقة والذين قد يرغبون في انهاء حياتهم لأنهم يعتقدون أنهم عالة على أسرهم وأقرانهم و / أو أنهم يريدون التخلص من الآلام المستمرة والنفقات الباهضة.
ويشمل القتل الرحيم ايضا القتل الغير طوعي اي الذي يتم دون موافقة المريض بسبب عدم قدرة الشخص على الطلب المباشر للقتل الرحيم إما لأن الشخص فاقد الوعي، أو عاجز عقليا أو عاطفيا عن اتخاذ القرار، والذي يتضمن الأطفال. ويرتبط القتل الرحيم بالطبيب المساعدة على الموت بشكل كبير واشتراطي، ويرتبط أيضا بالطبيب المساعد علي الانتحار. وفي بعض الحالات يكون القتل الرحيم بمعنى "المساعدة علي الموت"، ويندرج أيضا تحت ذلك الانتحار بمساعدة الغير. وهناك قوانين اشترطت أن يكون لدي المرضى طبيب نفسي وحضور أخصائي اجتماعي بالإضافة إلى الطبيب المسؤول عن القتل الرحيم. وفي الحقيقة ومهما اختلفت تسمية هذا الشكل من انهاء الحياة, فانها تدل على البواعث الشريفة التي ابتغاها كل من مارس هذا النوع من القتل او ايّد وجوده او طرق تنفيذه التي تمثلت باعطاء المريض جرعة دواء قوية تكون مخففة لآلامه ومن ثم تنهي حياته بلا الم, أو حقن المريض بمادة سامة و مخدرة تدفعه لنفس النتيجة وهناك اطباء يقومون بإيقاف عمل الأجهزة الطبية وأجهزة الإنعاش التي يعيش عليها المريض وكذلك التوقف عن علاج المريض بعد التأكد من عدم جدوى العلاج.
لم يكن القتل الرحيم او القتل بدافع الشفقة وليد القوانين الحديثة بل يصل مفهومه في الجذور الى المصطلحات اليونانية التي عنت الموت الجيد أو الموت اليسير أو الموت الكريم. إذ يقول أفلاطون: «إن على كل مواطن في دولة متدينة، واجباً يجب أن يقوم به، لأنه لا يحق لأحد أن يقضي حياته بين الأمراض والأدوية. وعليك يا غلوكون أن تضع قانونًا واجتهادًا، كما نفهمه نحن، مؤداه وجوب تقديم كل عناية للمواطنين الأصحاء جسمًا وعقلاً، أما الذين تنقصهم سلامة الأجسام فيجب أن يُتركوا للموت» كذلك عنت الشعوب والقبائل البدائية بالموت الرحيم التي كانت تمارسه،قتل كل من يوقف عجلتها الحياتية, فكانت مثلاً تقتل الكسيح لأنه يعيق مسير القبيلة وترحالها حيث مكونات الحياة ,وتدفن أصحاب الامراض المعدية أحياءً لأسباب وقائية. ويشير البعض الى أن مصدر فكرة الموت الرحيم مأخوذة من الطب البيطري (فالحيوانات التي لاتُنتج تُذبح وتقتل). ويرى آخرون أن الفكرة تعود الى الفيلسوف الانكليزي بيكون (Bacon) الذي يرى ان واجب الاطباء الاساسي هو إعادة الصحة للمرضى، وتخفيف آلامهم. ولكن إذا وجدوا أن الشفاء لا أمل فيه بل مستحيل, وجب عليهم أن يهيئوا للمرضى موتاً هادئاً وسهلاً.
وكفعل مثير للجدل الاخلاقي والقانوني اختلف مؤيدوا هذا النوع من الموت في الوقت الحاضر مع معارضيه لاسباب تمثلت ببواعثه واسبابه من جهة والتشريعات الدينية والاجتماعية من جه اخرى, وفيما اكد الفريق المؤيد بان القتل الرحيم هو مظهر من مظاهر الحكم الذاتي الفردي؛ والحق في تقرير المصير على المستوى الشخصي، وهو في جوهره استجابة إنسانية لمعاناة كبيرة وغير قابلة للتحمل لشخص ما يعاني الالم ولا امل له في الشفاء, أو واجبا علميا طبيا لأجراء ماهو افضل لمصلحة المريض، فان الفريق المعارض له ادعى بأن القتل الرحيم هو مجرد كناية عن القتل، وانتهاك حياة الإنسان وتعديا على حق الإنسان في الحياة، ويتعارض مع حرمة عقيدة الحياة ويسهل الإساءة في معاملة الأشخاص المعرضين للخطر.
اننا نفهم توجه الطرفين من خلال المصدر الذي يستسقي منه كل طرف حكمة على الموضوع ولكننا في الوقت نفسه لانفهم اعتماد البعض من المعارضين للقتل الرحيم على للمادة 6 من الأعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 الذي ينص على ان "لكل فرد الحق في الحياة" والذي اعتبر فيه ان القتل الرحيم هو انتهاكا وتعديا على حياة الإنسان. لقد ذكر اللإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948. في ديباجته بأن "أساس الحرية والعدل والسلام في العالم هو "الاعتراف بالكرامة المتأصلة والحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرف لجميع أعضاء الأسرة البشرية". و وضمت المادة 7 من نفس الإعلان بان "كل الناس سواسية أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمتع بحماية القانون". وهي نصوص تشير الى ان ذكر حق الفرد في الحياة متاصل وسكوت الاعلان العالمي لحقوق الانسان عن حق الانسان في الموت الذي ذكرت بواعثه وشروطه في الموت الرحيم لايعني انكاره او على الاقل السماح بملئ فراغه في إثبات حق البشر ايضا في تحديد الطريقة التي يموتون بها وطلب المساعدة المهنية من أجل تخفيف الألم و المعاناة.
ورغم ان المعنى القضائي للقتل يشمل أي تدخل يتم بهدف واضح لإنهاء الحياة والموت الا ان التشريعات لبعض الدول اخذت الجوانب الانسانية في القتل الرحيم وبواعثه في تشريع هذا النوع من الموت واعتبرته حق للانسان يضاهي حقه في الحياة بعد ان وضعت شروط لتنفيذه وفرضت الرقابة التي يستحقها عظم الامر, فالقانون الهولندي سبق قوانين الدول الاخرى في تشريع اباحة القتل بدافع الشفقة في العام 2002 بعد نقاش دام 25 عام في الاوساط الهولندية, فقد نص القانون على إتباع إجراءات محددة ،حيث إبداء المريض رغبة واضحة وأن تكون معاناته كبيرة ولا شفاء منها ،كما يتعين على الطبيب أن يطلب رأي زميل اخر له وذلك حسب نص المادة (10) من القانون الهولندي وتجاوز ذلك بمنح الإجازة للأطفال بالموت الرحيم بعد إعلام ذويهم, اما القانون البريطاني فقد شرع قتل المريض بشروط اتى على ذكرها بالاتي:-
(1- أن يكون الطبيب مؤهلاّ علمياّ ومسجلاّ بنقابة الأطباء،2- أن يكون المرض مستعص ولا أمل في شفاؤه ويسبب الاماّ للمريض،3- أن يكون المريض بالغاّ سن الرشد ،4- أن يقدم المريض تصريحاّ كتابياّ للطبيب بالموافقة على إنهاء حياته ويكون التصريح نافذاّ خلال 30 يوما من إبلاغه للطبيب المسؤول عن تنفيذه 5- على ان يكون تصريح المريض باطلا في حالة رجوعه عنه).
وتقنن بلجيكا ايضا فكرة القتل الرحيم منذ عام 1961, في حين يناقش البرلمان الفرنسي حالياً مشروع قانون يتيح للأطباء أن "يخدروا" الأشخاص الميؤوس من شفائهم بشكل عميق حتى تحين لحظة وفاتهم. وفي الولايات المتحدة الأمريكية لا يزال القتل بدافع الشفقة غير مسموح به قانونا ويعاقب فاعله بتهمة القتل العمد باستثناء ولايتي أوريجون وواشنطن التان سمحتا بالقتل بدافع الشفقة منذ عام 1979 بأن يعطى المريض الميئوس من شفاؤه حقنة قاتلة بناءاّ على طلبه. اما سويسرا فقد اجازت لقوانينها القتل الرحيم إذا ما قام به شخص لا مصلحة له في حالة الوفاة, غير أنه من غير القانوني إعطاء جرعة الدواء القاتلة للشخص الراغب في وضع حد لحياته بدلا من إتاحتها له فقط. وقد ساعد في هذا التقنين سكوت الكنيسة عن تحريمه وظهور مؤسسات غير ربحيىة كمنظمة (إغزيت exit) التي توفر عقاقير قاتلة للمصابين بامراض مستعصية وقد بلغ عدد أعضائها 81015 في الجزء الناطق بالألمانية والإيطالية في سويسرا وساعدت هذه المنظمة 583 شخصا على الموت عام 2014.
وفي بلداننا العربية فان الدساتير التي تحكمها لاتؤمن بهذا الحق نتيجة لوجود مادة تقيد هذا الحق بل وتجرمه وتتمثل هذه المادة بعبارة (الاسلام دين الدولة) ومعلوم ان الاسلام يحصر حق الروح وانهاء الحياة بخالقها (الله) كبقية الديانات بفارق بسيط, وبيقى ان نذكر راينا من خلال معايشة ميدانية ومقارنة محسوسة بين حياة الافراد المرضى والمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة في بلداننا العربية وامثالهام ممن يعيشون في الدول التي شرعت حق الموت الرحيم, ففي الوقت الذي يعيش مرضاهم برفاه نسبي وعناية مقننة بشرف مهنة عالي وحقوق تم تثبيتها في قوانينهم يعيش مرضانا الميؤوس من علاجهم على انهم ان لم يكونو نكرات فانهم مهملات حيوية لايعترف بحقها في اختيار نهايتها ويجب ان تترك للمصير المؤلم بل ان اغلب المرضى والمعاقين لاتفصح العوائل عنهم لاسباب تتعلق بالنظرة الاجتماعية لهم ودونية جدولتهم الانسانية وهو امر لم نجامل فيه كبقية الاقلام التي شاءت ان تمتدح عقائد بالنظريات وتركت التطبيق للالم والبؤس والياس حتى من الحق في الموت.
سلام جبار عطية.
مشاور قانوني وناشط حقوقي/سويسرا
1020 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع