عبد الجبار نوري / السويد
كليوباترا الجميلة في مسرحية عملاق الأدب العالمي " شكسبير " في مسرحيته ( أنطونيو وكليوباترا ) 1607 ، والتي تعتبر نادرة بين مسرحياته التي تعطي دور البطولة – ولو مناصفة – لأمرأة ، ويؤكد شكسبير أن من غيّر وجه العالم في ذلك الزمن جمالها الذي أعتبرها تمثّل جمال العالم ولذّة العيش في آنٍ معاً ، لذلك لم يكن غريباً أن يقع قياصرة روما في غرامها ، وأن يتنازعوا عليها ، والتي أوقعت مصر ضحية هذه النزاعات بجرها إلى السطوة الرومانية ويقول شكسبير في النص الأنكليزي :
أنها كانت محضية وملكة مثيرة ورائعة في لونها البرونزي ، ذات نزوات متهكمة ولئيمة وكانت بالنسبة أليه تمثل ( الأنثى الخالدة ) في كل مميزاتها وتناقضاتها في حسناتها وسيئاتها ، ونصبت ظلها في مخيلة هذا الكاتب الرومانسي الولهان ، حين ناداها القيصر ومن خلال اللاوعي في الفصل الأخير من المسرحية : " يا بطلة الحب المجنون " حقاً عرفت كيف تسمو إلى أرقى درجات العلو ، وبصراحة أن المسرحية مع أختلاف رؤى النقاد في أداء السرد الروائي أنّها أجمل سوناتات) هذا الكاتب والشاعر المبدع شكسبير ، وبحسب دارسين شكسبير ---- لم يكن صراعاً عادياً بين قوتين مهمتين طموحتين بل كان – بالأحرى – صراعاً يدور داخل انطونيو " الذي بحسب رؤية الكاتب العبقري شكسبير صراع شخصين يدور في أعماق انطونيو ( القائد العسكري الذي لا يقهر ، والآنسان العاشق الذي أحب ملكة مصر وسحرها من ناحية ثانية ، ويعلل سبب هزيمة أنطونيو لم تكن ألا بسبب " الحب " وظف هذه النزعة البشرية طوال المسرحية بصراعات أنطونيو الداخلية المتأرجحة بين الحب والحرب ، وبين القائد والأنسان ، غير أن هذه الأزدواجية لم تكن الوحيدة في المسرحية بل هناك أزدواجية ثانية هي أزدواجية الشرق والغرب ، ويوصل هذا الكاتب ببراعة سردية موفقة تلك الحقيقة التأريخية هو ان الهيام أنتهى بتدمير أنطونيو ، ويلتفت بسرعة خاطفة إلى بطلة المسرحية كليوباترا ليرد على كتاب التأريخ بأنها أنتحرت حباً وحزنا على عاشقها ، بل الحقيقة الشكسبيرية أنها أنتحرت خوفا من الأسر والأسترقاق ، وهذه الرؤى تجعل المسرحية عملا استثنائيا في مسار صاحب هاملت وعطيل والملك لير ، لآن شكسبير ركز هنا في بناء الشخصيات والتوغل في عواطفها أكثر من التركيز على بناء الفعل المسرحي نفسه ، ومن هذا السرد اللغوي الرصين والممتع أكثر لكونها مسرحية مكتوبة بلغة شعرية والذي يزيدها متعة والبطل يصرخ في وجه المتلقي : أن الحب يهزم بطل الحرب ، وحين تشاهد الرواية على الشاشة البيضاء وتتألق فيها قطة الشاشة الهوليودية الحسناء " أليزابيث تايلر" وهي تبدع وتتألق بغنج ودلع في تجسيد دور العاشقة المجنونة كليوباترا .
ومسرحية أمير الشعراء " أحمد شوقي " الرائعة ( مصرع كليوباترا ) ينحو بها شوقي بأتجاه معاكس عن شكسبير وكل أدباء الغرب الذين أتهموا كليوباترا بميلها للهو والحب وتوظيف نعمة الجمال والغنج الأنثوي في أيقاع أولئك القادة والأباطرة ، فكان راداً عليهم وبأسلوبٍ سرديٍ شعري عبقري أكثر من رائع ، مدافعاً عنها درامياً بأنها لم تشتهر من خلال علاقاتها بكل من يوليوس قيصر و ماركوس أنطونيوس بل حبها وأنتمائها وحرصها الشديد بحفظ وصيانة " أرض الكنانة مصر " ، وتدور زمن الرواية في أواخر عهد الملكة كليوباترا 30 ق م والذي شهد موقعة ( أكتيوم البحرية " والتي حسمت نهاية بطلة الرواية ، أراد شوقي أن ينتصر لها ويضعها في صورة الملكة الوطنية الحريصة على مصلحة شعبها والذي ظلمها المؤرخون الغربيون حين ذكروها كغانية لاهية همها الحب بأستغلال تلك المسحة السحرية السماوية في الجاذبية الجمالية ، ويرد شوقي أنّها لم تكن صارخة الجمال بل أشتهرت بالذكاء والفطنة والحنكة السياسية والحصافة والطموح والوطنية مؤكدا أنها أكتسبت مصريتها من واقع حكم أسرتها لأرض الكنانة ثلاثة قرون هو عمر الدولة ( البطلمية )والتي وفدت أليها من اليونان ، أما شكسبير فيصورها أمرأة مغرورة متصنعة متهالكة لا تعرف الوفاء ولا ترعى العهود فهي تخون أنطونيو في الحب والحرب على السواء ، ولأن شكسبير أعتمد في صياغة مسرحيته على ما كتبه الرومان وخاصة المؤرخ ( بلوتارك ) أبرز فيها " العقلية الشرقية " وسماها ملكة مصر أستنادا إلى قول أنطونيو وهو يحتضر أذ قال : أن هذه المصرية القذرة قد خانتني !.
تظهر المقتربات الأدبية لدى العملاقين في الأداء السردي لمجريات الرواية بالشعر الملحمي وهو الصعب الممتنع ، وكذلك تشابه الأثنان في رسم بونراما النهاية المأساوية لتلك المرأة المحركة الديناميكية للفترة التأريخية 69-30- ق. م بأختياره أبشع طريقة للموت بلدغة صل مصري ، ووصفها الأثنان بالموت الفرح والسعيد ، وأتساءل هل هي توارد خواطر لدى شوقي أم أنه تأثر بمسرحية نظيره الأنكليزي
ولمشاهداتي لهاتين المسرحيتين الفريدتين في الروعة السردية بتصوير شعري بونارامي يأسر المتلقي ليتقمص تلك القيم الروحية ، وعلى العموم وجدت المتلقي في مسرحية شكسبير أكثر أندماجا ولهفا وشوقا للتصوير البونارامي المرئي بتجسيدية سايكولوجية الحب ورومانسية الأحداث المتسارعة تراجيديا للتتمحور حول (المسرحية الفجاعية )أانتزع من الجمهور تصفيق الأعجاب بدموع الفرح ممزوجة بآهات الألم لأختياركليوباترا الحسناء أسوء ميتة في لدغة الصل المصري ، لذا طغى على مسرحية شوقي شخصنة كليوباترا الثقافية والجدية الوطنية محولا مسار عشقها إلى طريق آخر هو الحب للوطن ، وبذلك أفترق العبقريان في تفسير سايكولوجية الحب عند كليوباترا.
هوامش ومراجع:
** صانعو التاريخ – سمير شيخاني / ** ألف شخصية عظيمة – ترجمة د/ مازن طليمات / **ديوان أحمد شوقي
–دار صعب – بيروت . **د/ماهر حسن فهمي- أعلام العرب **بان كوت- البولندي- شكسبير معاصرنا- ترجمة جبرا أبراهيم جبرا
كُتب البحث على شكل المقالة بتاريخ / 26-12-016
987 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع