د. ضرغام الدباغ
حال العراق اليوم يقارب مصطلح في فقه القانون الدولي (No Man,s Land) أرض لا أحد، فكل القوى، والدول العظمى والصغرى تمتلك في العراق شيئاً، أرضاً، جيشاً، ميليشيا، من يمثل مصالحها، نفوذاً وسطوة، إلا الشعب العراقي، فلا يملك من أمره شيئاً، وتحاول المخابرات الأجنبية أن تحفر وتنحت في مخيلة الشعب ثقافة مشوهة لم يعرفها الشعب العراقي يوماً، تخالف المنطق والتاريخ القريب والبعيد مفادها : أنتم لستم شعباً واحداً، بل أنتم عرب سنة وعرب شيعة وأكراد لا سنة ولا شيعة، وليفهم من يفهم، وليبلط البحر من يعجز عن الفهم ...
مثل هذا الوضع يشجع كل من له مصلحة في العراق وما أكثرهم، أن يتفلسف، وأن يرى وأن يرتأي، وينكر ويقر ويقرر، وكل هذه الحفلة تدور تحت شعار تحقيق الديمقراطية ... متى وكيف وأين ... فهذا ما لا يعلمه أحد، وهذه حقيقة، في العراق لا توجد سلطة تمثل مصلحة الشعب العراقي، وآية الشرعية لأي نظام في الحكم بموجب الشريعة والقوانين الوضعية هي أن تكون قادرة عن الدفاع عن مصالح البلاد، وإذا عجزت فهناك كلمة في الفقه القانوني يعبر عنها باللغة الألمانية (Regierung unfähig) وبالإنكليزية (Goverment Incapable)، أي العجز عن الحكم، عجز بلغ أن الحكومة عازمة على بيع أملاك الدولة من العقارات، وهو أمر لم تقدم عليه أي إدارة لا في القريب ولا في التاريخ البعيد، دولة ينخر فيها الفساد طولاً وعرضاً ويعترف قادتها بكل صراحة أن لا وجود لوسيلة لكبح جماح الفساد، أموال البلاد تسرق جهاراً نهاراً، قوى أجنبية تعبث كما تشاء في طول البلاد وعرضها، وغير هذا كثير جداً مما يطول تعداده وشرحه، إلى ماذا يقود مثل هذا الوضع المتهرئ ...! هل من المعقول يقود هذا الوضع إلى تنمية ..! أم يقود ترى إلى وحدة وطنية ..! الحكومة في أحسن حالاتها تمنى النفس بالقضاء بالقوة المسلحة والتدمير، ترى أي غد مشرق يمكن أن يبزغ من هذا الخراب والفساد ..؟
القيادات الكردية حسبت حساباتها، أن هذا اليوم هو أفضل يوم للحصول على مكتسبات، وعلى أكثر ما يمكن من منها، ولكن هناك أسئلة تلوح في الأفق القريب وليس البعيد، أن كياناً سياسياً كردياً سيكون له أرتداداته في المنطقة، وسيخلق ردود أفعال غير سهلة، هذا بالإضافة خطأ المراهنة على الأوضاع الحالية في العراق، ولو كنت في مجال الناصح للقيادة الكردية، ولنا الكثير من الأصدقاء بينهم، ونحترم طموحهم القومي، ولكننا ننصح بعدم المبالغة، وعدم التصرف بما يثير الضغائن حالياً أو مستقبلاً، وحساب دقيق لردود الأفعال، وعدم الأعتماد على تطمينات أجنبية قائمة أساساً على أطماع، يمكن أن تتغير بتغير أتجاه هبوب الرياح ..! ولم نقل العواصف، وأن لا يضعوا مصالح شعبهم في بورصة السياسة، والمصالح المتغيرة، وأن يحافظوا على الصلات الوثيقة والودية مع الشعب العراقي، وليكن هذا هدفاً أستراتيجياً لا تراجع عنه، فستكون له أبعاد كبيرة وحاسمة في المستقبل.
لا يكفي أن تكون لديك قضية عادلة، بل الأهم من ذلك، أن تسلك أساليب صحيحة في الوصول إلى الأهداف، وأن لا يكون هدفك يكتنفه الضباب، والغيوم، وتناقضات حالية، وصراعات محتملة، فذلك يحيل أي نصر إلى شبكة معقدة متداخلة من المشكلات، وهناك دائماً قوى تدفع بهذا الاتجاه، تلعب دور واضعي العصي في طريق السلام والتنمية والأمل والتفاهم. السياسي يبتعد عن أحكام الهوى اللذيذة الجميلة، وبذهب إلى الأحكام البعيدة النظر والحكيمة. قال أحد حكماء السياسة: إذا أشتبه عليك أمران ولم تدر في أيهما الصواب، فأنظر أقربهما إلى هواك فأجتنبه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•الأمين العام للمجلس السياسي العام لثوار العراق
•المقال جزء من مقابلة تلفازية بتاريخ 3 / شباط / 2016
1765 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع