عدنان حسين
القاصي والداني في العراق وخارجه يدرك أنّ الحال التي عليها العراق والشعب العراقي منذ 2003 حتى اليوم، وهي حال في منتهى السوء، يتحمّل المسؤولية الرئيسة عنها القوى والأحزاب المتنفّذة في السلطة، وهي في الغالب أحزاب الإسلام السياسي، الشيعية والسنّية.
الأحزاب الكردستانية، وبخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، لا يمكنها بالطبع إعفاء نفسها من هذه المسؤولية، بوصفها شريكة الأحزاب الإسلامية في العملية السياسية.
لكن مسؤولية هذه الأحزاب مجتمعة لا تعادل مسؤولية ثلاثة أطراف أخرى، أولها الولايات المتحدة التي قادت عملية إسقاط النظام السابق بعملية عسكرية كبرى مهدت لها قبل سنوات عدة بوضعها خطة تحرير العراق في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون. وإلى جانبها تقف بريطانيا شريكة الولايات المتحدة في العملية برمّتها. أما الطرف الثالث فهو المرجعية الدينية العليا في النجف.
الأحزاب المتنفذة في العملية السياسية أساءت استخدام السلطة على نحو مروّع. والحقيقة أنها تبدّت عن مجموعات من شبكات للسرقة ونهب المال العام والخاص، وهو ما جعل العراق مجرد شبح دولة تسرح فيها وتمرح الميليشيات المسلحة ومافيات الفساد الإداري والمالي وعصابات الجريمة المنظّمة، بعناية ورعاية من أحزاب السلطة نفسها.
أما الولايات المتحدة وبريطانيا فهما اللتان جاءتا بهذه المجموعات إلى الحكم ومكّنتاها من إقامة سلطتها غير الديمقراطية. عدا عن هذا فان هاتين الدولتين لم تتما مهمتهما في العراق. هما برّرتا عملية إسقاط نظام صدام بإقامة نظام ديمقراطي يضع حداً لدكتاتورية صدام المتوحشة وسياساتها العدوانية، لكنّ الولايات المتحدة وبريطانيا أنهتا مهمتهما بتحويل بلادنا إلى دكتاتورية متعددة الأحزاب والميليشيات والعصابات، فيما كنا نواجه دكتاتورية شخص واحد وحزب واحد. وعلى كل سوئها فان دكتاتورية صدام لم تسرق مال الشعب على هذا النحو السافر الذي اختصت به أحزاب العملية السياسية.
مرجعية النجف من جانبها مسؤولة عن الإلحاف في سرعة كتابة دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ومحلية، فيما لم تكن الظروف مهيأة لهذا، فالدستور كُتب ناقصاً ومشوّهاً، وحافلاً بالألغام على حد اعتراف أحد قادة الأحزاب الحاكمة، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. والانتخابات لم تكن في أي مرة قد توفرت فيها شروط الحرية والنزاهة والشفافية، فهي جميعاً كانت مزوّرة. أكثر من هذا فإن المرجعية حثّت صراحة على التصويت على وفق الهوية الطائفية وانتخاب تحالف قوى الإسلام السياسي الشيعي التي تنتقدها المرجعية اليوم أشدّ الانتقاد وتشكوها مرّ الشكوى.
الأسوأ من حيث النتائج المتوقعة، أن المرجعية أعلنت أخيراً عن أنها ستكفّ عن إشهار الانتقاد ورفع الشكوى. وبغضّ النظر عن الأسباب والدوافع الكامنة وراء هذا القرار الذي ستهلل له وترقص من أجله الأحزاب الحاكمة، شيعية وسنية وكردية سواء بسواء، فان قرار المرجعية ستفهمه هذه الأحزاب على أنه انتصار لها في مواجهة الشعب والمرجعية، فهي راهنت على الوقت، ولابدّ أنها تفكّر الآن بأنها قد كسبت الرهان.
مهما يكن من أمر فان الولايات المتحدة وبريطانيا ومرجعية النجف ستظل تتحمل المسؤولية أمام التاريخ وأمام الشعب. الولايات المتحدة وبريطانيا يُمكنها عمل الكثير لتعديل الاتجاه الخاطئ للعملية السياسية التي أطلقتاها بعد 2003، ومرجعية النجف في مقدورها فعل ما هو أكبر وأهم، فهي عندما أعلنت تأييدها لتظاهرات الصيف الماضي امتلأت الشوارع بالمتظاهرين فارتعبت قيادات الأحزاب الحاكمة قاطبة .. وهي (المرجعية) يُمكنها أن تفعل الشيء نفسه في أي وقت تشاء.
1070 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع