حكاية حب .... الحلقة الأخيرة

                       

                                 علي الزاغيني


جبهات القتال لا تزال نيرانها متصاعدة ولا تتوقف ولا سيما في القاطع الشمالي حيث يتواجد زيد وكلا الطرفين المتحاربين  يحاول السيطرة على الموقف ويستخدم كافة الأسلحة  حتى المحرمة دوليا من اجل الانتصار والاستحواذ على بضع امتار من الارض و الدماء التي سالت عليها  لا تقدر بثمن

ولكنها الحرب التي تحرق كل شئ امامها برصاص ونيران لا تعرف الرحمة , زيد ومن معه لازالوا صامتون ويقاتلون بما توفر لديهم من اسلحة رغم قساوة الحرب و الطقس البارد الا انها الحرب يجب ان تستمر بكل وسيلة حتى يرضى القادة في كلا الطرفين , لا مجال للتفكير في الحب والطفولة في هذه البقعة المحترقة  بين النار والرصاص لانها تحرق حتى الاحلام  والأمنيات ولم يتبق سوى رائحة الموت وصراخ الجرحى وازيز الرصاص , زيد لم يكن يفكر سوى بعودته الى حبيبته والزواج منها مهما كلف الامرولكنه لا يعلم ما يخبئه له القدر  وهذا ما جعله يكتب كلما توقف صوت الرصاص في  ساحة الحرب , ولكن على ما يبدو ان زيد كان يشعر بان الحرب قد تطول اكثر وانها ربما تلتهمه نيرانها لذا كتب  ما استطاع من رسائل رغم انه لا يوجد ساعي للبريد هذه الايام العسيرة وقد لاتصل رسالته خلال فترة قصيرة , اما لبنى فقد كانت بغاية الخوف  لأنه لم يتصل بها منذ بداية الهجوم ولعلمها بان زيد في ساحة المعركة  يقاتل مع الاخرين وربما يصيبه ما يصيب الاخرين من رصاص وشظايا  قد تؤدي الى موته او جرحه ولكنها تدعوا الله ليعود سالما اليها ولأطفاله .
جلست غادة مع والدتها على انفراد وحاولت ان تأخذ رائيها بما ستقوم به في حياتها وما سيكون جوابها على طلب زيد  للزواج منها وعلى ما يبدو ان والدتها كانت تعلم بما في قلب ابنتها من حديث لذا أغلقت باب الغرفة لتكون بمفردها معها وتتحدث بصراحة وبدون خوف و لا خجل اذا ما دخل احد افراد عائلتها , الحديث عن الحب شئ والحديث عن الزواج امر مختلف جدا وهذا ما يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار من قبل الام قبل ابنتها وهذا ما قد يغير مسار حياة غادة اذا ما تحكمت بعقلها وتركت القلب جانبا , الحب اخذ منها الكثير وسرق شبابها على امل ان القادم افضل ولكن لا تقدم للامام فكلما تقدمت خطوة تراجعت خطوتين وهذا ما جعلها تعود بذاكرتها الى اولى لحظات الحب وكيف كانت سعيدة بالحب وحبيبها وفارس احلامها الذي ضحت من اجله بكل شي  ولكنها لم تحصد سوى الاوهام والخيبات رغم صدقه هذه الايام بالزواج منها وتعهده بشراء منزل لها  ليكون عش الزوجية والسعادة , فاجأت غادة  والدتها بعدم القبول بفكرة الزواج من زيد  وتكون بعيدة كل البعد عنه  وعن حياته وتضحي بحبها من اجل سعادة غيرها فقد علمتها الحياة ان  لا تسرق سعادة الاخرين من اجل سعادتها وهذا قرار نهائي لا يمكن ان اتخلى عنه , كانت تتحدث غادة مع والدتها ولكن دموعها لم تتوقف ابدا وحاولت ان تكون هادئة لكن الانهيار بعد اتخاذ القرار كان واضحا عليها مما جعل والدتها تظمها الى صدرها لتشعرها بالامان وتحاول ان تطمئنها بانها حرة باتخاذ القرار و لا يوجد من يرغمها على الموافقة رغم انها كانت تعلم صعوبة الامر على ابنتها وما تعانيه عند اتخاذها هكذا قرار قد  يكون صائب من جهة وخطأ من ناحية اخرى ولكن كما يقال ان الزواج قسمة ونصيب وكل شئ يمكن ان ينتهي بعد قرار غادة الاخير ويصبح من الماضي رغم الالم الذي  يسببه الفراق ليس لغادة فقط وانما لزيد ايضا الذي انتظر كثيرا رغم انه كان السبب يوما ما بالفراق .
علم والد غادة وجميع افراد عائلتها بخبر عدم موافقة غادة من زيد الا انهم لم يحاولا  التدخل بالتراجع او معرفة الاسباب الا ان والدها اراد ان يتحدث معها على انفراد دون قيود او احراج من اخوتها لذا  طلب منها ان ترافقه في جولة في سيارته , ابتسم والدها وهو  يحدثها ليجعلها تهدا  بعض الشي  وتتحدث بكل صراحة عن ما  اتخذته من عدم المواقفة بالزواج من زيد .
يا ابتي انني لست صغيرة ولست انانية لأسرق سعادة عائلة من اجل سعادتي والتي ربما لا تدوم بسبب الحرب لهذا با ابي يجب  ان اضحي بسعادتي وحبي من اجل الاخرين وهذا ما يجب ان يحصل ولا يمكنني ان اتراجع عن هذا القرار مهما كانت النتائج والمغريات , تعلم يا ابتي ان لبنى زوجته عندما كانت في زيارتها اليك  في البيت كان تقصد بكلامها ان اتنازل عن سعادتي من اجل عائلتها وهذا عين الصواب من امرأة  تحارب من اجل ان تحافظ على عائلتها  وتسعى بكل ما لديها من قوة ان تحافظ على بيتها  , لم يحاول الحاج ابو محمد ان  يغير من موقفها ولكنها كان حائرا بما سيكون جوابه لزيد اذا ما اتصل وما هي اسباب رفض غادة له بعد كل هذه السنوات من الانتظار والحب .
الحرب لا تتوقف والاخبار متضاربة عن مصير زيد ومن معه بسبب انقطاع الاتصالات وهذا ما جعل لبنى في غاية الخوف والقلق عن مصير زيد وحياته , وهل اصابه مكروه او وربما وقع اسيرا او اصابته رصاصة عمياء وعلى ما يبدو انها لا تزال قلقة جدا وهذا ما جعلها تتصل بكل  من يعود  من جبهات القتال لمعرفة الحقيقة ولكن على مايبدو ان الخبر اليقين لم يكن كما توقعت او تسربت الاشاعات عن اسره لدى العدو او تركه مقتولا  في ارض الحرام ولكنه الان في احدى المستشفيات جريحا واصابته بليغة جدا وادخل لصالة العمليات لاجراء عملية طارئة لاخراج عدد من الشظايا والتي استقر عدد منها في ظهره مما جعله يفقد الشعور بساقيه وبانتظار اجراء عملية اخرى ربما هي من تعيده الى حالته الطبيعة وربما لا هذا ما تحدث به الجراح المختص به الى لبنى واذا ما تمت العملية بنجاح سوف يستغرق وقت طويل ربما اكثر من سنة حتى يعود الى حالته الطبيعية  وقد يقضي بقية حياته على كرسي متجرك , رغم ما حصل لزيد الا ان لبنى لم تكن يائسة من رحمة الله وحمدت الله كثيرا لسلامته رغم اصابته .
بكل تاكيد ان خبر اصابة زيد في المعركة انتشر بين الاقرباء والاصدقاء  وذهب الحاج ابو محمد لزيارته والاطمئنان عليه ووجد لبنى وهي منهمكة بالعناية به , رحبت لبنى به وشكرت على زيارته وتحدث مع  زيد وهنائه على سلامته رغم اصابته , ابتسم زيد بهدوء مرحبا به متحدثا اليه عن شراسة المعركة واصابته وكيف فقد الوعي حتى وجد نفسه في المستشفى وانه ارسل عدد من الرسائل ربما لم تصل لحد الان وسأله عن غادة وصحتها فلم يجب  ابو محمد وحاول ان يغير الموضوع لانه ليس الوقت المناسب للحديث واشار الى لبنى انها امرأة مثالية و لا تستحق ان تخذلها فهي ضحت بالكثير من اجلك فلا تفرط بها ولا بسعادتكم فكل شئ قسمة ونصيب , ترك الحاج ابومحمد زيد تحت رعاية الممرضين للعناية به وتضميد جراحه وتحدث مع لبنى وهي يبتسم قائلا يا ابنتي ان غادة تخصك بالسلام وانها قررت عدم الزواج من زيد وتضحي من اجلك واطفالك بسعادتها فلا تكوني في شك من هذا , ابتسمت لبنى وشكرت الحاج ابو محمد وغادة لما قدموه لها من خدمة  لا تقدر بثمن .
بعد ايام طرق باب المنزل ساعي البريد وهو يسال عن الانسة غادة لانه يحمل لها عدد من الرسائل وصلت متاخرة من جبهات القتال , استلم الرسائل ابو محمد وهو في حيرة ماذا يفعل بها وهل يوصلها لغادة ام  يمزقها قبل ان تصل ولكنه قرر ان يوصلها لغادة وهي تقرر ماذا تفعل بها , بعد ساعات عادت غادة من العمل ووجدت عدد من الرسائل وسالت والدتها من ايه هذه الرسائل ولمن ؟
هي لك يا ابنتي ولكن على مايبدو وصلت متاخرة , قرات غادة اسم المرسل وابتسمت بحذر وخوف ولكنها لم تحاول ان قرائها  لانها قررت نسيان الماضي بكل جروحه لذا طلبت من والدتها ان تاتي معها الى حديقة المنزل وتجلب معها علبة الكبريت ووالدها ينظر اليها بحذر ماذا ستفعل وسالها عن سبب ذلك قالت يا بابي سوف احرق هذه الرسائل لانها لم  تعد تعني لي شئ لانها من الماضي وانا تركت الماضي  ولكنها في سرها قالت ان القلب الذي عشق زيد لا يمكن ان يعشق غيره ,وبعد ان خمدت نيران رسائلها ابتسمت وقالت الحمد لله لقد انتهى كل شئ .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

986 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع