الدكتور طلعت الخضيري
سويسرا كماعرفتها/الحلقه الأولى
ذكريات قديمه أود أن أقدمها للقارء الكريم عن وقت طويل مضى , وقد تكون به فائده لمن سيقرأها كما نال ما كتبته سابقا عن ألبصره كما عرفتها استحسان القراء وتقديرهم لما كتبته بأمانه ، لذا فقد وجدت نفسي أن أكتب من جديد تجربه من الحياه وملاحضاتي عن ذلك البلد في تلك الحقبه من الزمن.
طالب في دمشق
كنت قد أنهيت السنه ألأولى ألتحضيريه في كليه الطب في دمشق سنه الف وتسعمائه وخمسه واربعين,وعلمت أن بعض الطلبه العراقيون قد قدموا طلب ألألتحاق في كليه الطب في لوزان وقبلوا بها ، وكنت أحلم بالعيش في بلد متقدم ، لذا عند رجوعي الى البصره لقضاء العطله الصيفيه توسلت بالوالد أن أكمل دراستي في ذلك البلد ,وقد سبق له في ألعشرينيات من القرن الماضي أن أرسل أخي ألأكبر كاظم للدراسه في أمريكا ، وكان رحمه الله والدا عطوفا يخصني بحب كبير،لذا أستجاب لطلبي،وعند رجوعي إلى دمشق في نهايه سنه 1946 قدمت طلب ألألتحاق بجامعه لوزان ولم أكن أعرف ولا كلمه واحده من اللغه الفرنسيه , وفي إنتظار ألقبول أشتريت كتاب لتعلم أللغه الفرنسيه
بواسطه الشرح ألأنكليزي ولم تكن هناك كاسيتات في وقته أو أفلام فيديو لتعلم ألتلفظ الصحيح ، وأتى ألقبول فاستقليت باخره يونانيه إسمها لا اسبرنسا أي الأمل مع طالب عراقي آخر قبل معي أسمه جميل مطلوب ، وسارت الباخره نحو ميناء الأسكنريه حيث توقفت ليومين ذهبت خلالها مع زميلي إلى القاهره وزرنا بعض معالمها ، ثم توجهت بنا الباخره نحو أليونان وصادفتنا تلك الليله عاصفه قويه مخيفه ,وتوقفت الباخره في ميناء بيريوس وهو ميناء أثينا وسمح فقط لبعضنا بالخروج والتنزه لمشاهده معالم ألمدينه ولم أكن أنا بينهم , ثم توجهت الباخره إلى ميناء مرسيليا ، وشاهدنا من بعيد بركان سترامبولي ألأيطالي والدخان يتصاعد منه ثم مررنا من بعيد أمام ساحل جزيره كورسيكا ألفرنسيه بجبالها المرتفعه المغطاه بالثلوج وكان ذالك في شهر ديسمبر لسنه الف وتسعمائه وسته واربعين ، أي بعد سنه واحده لنهايه الحرب ألعالميه ألثانيه ، وقضينا نهارا كاملا في تلك ألمدينه ،ثم أستقلينا القطار نحو جنيف وكان برفقتنا بعض الطلبه السوريون الذين كانوا يجيدون اللغه الفرنسيه .
ووصلنا صباح اليوم التالي إلى جنيف وفوجئنا بموظف ألكمارك يطلب منا مبلغ كبير عن بعض قناني ألكولونيا الرخيصه التي كانت معنا فرفضنا ذالك وطلبنا منه أن نتركها له وتعجبنا أنه أعطانا وصل بتبرعنا بذالك إلى الصليب ألأحمر وهكذا بدأنا بمعرفه ألدقه والأخلاص والنزاهه في العمل في ذالك البلد.
وبمساعده ألأخوان السوريون أستطعنا ألحصول على غرف سكن , مناسبه مريحه ، وكان سعر تصريف ألدينار ألعراقي أعلى بقليل من سبعه عشر فرنك سويسري!!
فاستطاع ألطلبه ألعراقيون ألعيش برفاهيه في ذالك ألبلد, وأناسكنت في بنسيون حيث كان سكنته يتجمعون حول طاوله واحده لتناول وجبات ألغذاء الثلاثه ، وحصلنا على كوبونات للغذاء لأنها كانت لاتزال تصرف للحصول على الغذاء كما كان ذالك لديهم خلال ألحرب .
كانت ألأيام الأولى صعبه لبروده ألجو، وباشرت بمدرسه لتعلم أللغه الفرنسيه، وساعدني التحدث مع سكنه البنسيون وكانوا في منتهى أللطف ومساعدتي في محاوله تكلم لغتهم ، ثم راجعت ألكليه حيث وجب دراسه ألطب على مرحلتين ألأولى لمده سنتين ندرس بها التشريح والفزيولوجي وعلم ألأنسجه ( الهستولوجي) ولم يكن أحد من ألأساتذه ينطق الفرنسيه بصوره صحيحه فالبروفسور بوبوف كان بلغاري الأصل ولاندو بولوني والبروفسور فلايش من القسم ألألماني في سويسرا فكلهم كانو يتكلمون بلكنه يصعب فهمها وكنت بالبدايه أشبه بالأطرش بالزفه.وأخيرا أستطعت تعلم اللغه الفرنسيه وبعد مراحل صعبه , أنهيت دراستي ثم نلت ألأختصاص بأمراض ألأطفال بعد أن عملت ثلاث سنوات في مستشفى ألأطفال في لوزان برعايه البروفسور جاكوتيه ثم عملت ثلاث سنوات أخرى في فسم الأذن والأنف والحنجره برعايه البروفسور تايان ، ونلت صداقه وتقدير من عملت معهم وهكذا مرت المرحله من حياتي في ذالك البلد والتي دامت حتى سنه ألف وتسعمائه وثلاثه وستين..
وسأشرح في الحلقات القادمه ما شاهدته ومر علي في ذلك البلد.
982 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع