المدرسة الأولى .. الحي الأول

                                     

                       عائشة سلطان


كم منزل في الأرض يألفه الفتى

وحنينه أبداً لأول منزل

البيت للشاعر أبي تمام والمقصود هو الحب الأول، ويمكن أن ينطبق على الحي الأول، والمنزل الأول والحب الأول الذي غالباً ما نحِنُّ إليه ونعاود تذكره مراراً بحنين يظل يلازمنا كل العمر، كما يمكن أن يقصد به الشاعر منزل الحبيبة التي فارقها مضطراً ففارق المنزل والحي، معتبراً أنه غادر منزل قلبه بحسب قانون الهوى وأحوال القلب والمحبين !.

بالنسبة لي فإنها الصدفة وحدها التي قادتني إلى ذلك الحي القديم من أحياء ديرة ،الزحام الشديد، وعدم تركيز السائق، وضجيج المكان، جعلنا نعلق في الشوارع الداخلية لتلك المنطقة التجارية المواجهة لفندق (حياة ريجنسي) المطل على الخليج والقريب من سوق السمك الكبير !.

لأول مرة ومنذ سنوات طويلة تتجاوز العشرين عاماً ربما أجد نفسي هناك، وفي مواجهة مبنى يعود لشركة كهرباء ومياه دبي مكتوب على مدخله: مكتب خدمة المتعاملين- حي عيال ناصر، يا الله!! هكذا صرخت، فهنا ولدت وعشت سنوات طفولتي الأولى.

ولولا هذا المبنى الذي حمل اسم الحي ما كنت لأعرف أنني أسير في مكان لطالما حمل وقع أقدامي في أزقته، وبصمات يداي على جدران بيوته وأصداء صوتي وأصوات أطفال كثر ونساء ورجال عاشوا هنا لسنوات وسنوات، اليوم هذا الحي لا يشبهني ولا يعنيه اسمي أو حتى مروري أو حنيني !.

حضرت مدرسة الخنساء الابتدائية للبنات أمام عيني، إنها واحدة من بصمات طفولتي، هذا الحضور الكامل للمدرسة الأولى ذكرني ببيت الشعر ذاك، فهذه المدرسة، التي لم يعد لها أي أثر الآن، مازالت تحتل جزءاً واسعاً من حجم الذاكرة.

لأننا ندين للمدرسة الأولى بأساسيات تكويننا وشخصيتنا وأفكارنا الأولية التي كونَّاها عن كل شيء، لقد تفتح وعينا على كل ذلك في أبسط صوره عبر كتب المدرسة ودروس المعلمات وعلاقات الزميلات، منها عرفنا وتعرفنا واكتشفنا معارف تفاخرنا بها ، وأسراراً خبأناها لأنفسنا !!.

هذه المدرسة بالنسبة لي كانت تفصيلاً في غاية الأهمية وساطعاً في حياتي، كنت أحبها وأحب التعلم فيها، ثم اكتشفت أنني أحبها لأجل القراءة والزميلات الجميلات والمعلمات اللواتي تركن أثراً نبيلاً في عقلي، لذا ظلت راسخة في تلافيف عقلي بكثير من المبالغة.

وهي مبالغة تبدو أمراً متوقعاً لطفلة في السادسة من عمرها لم تكن قد شاهدت بوابة أكبر من بوابة المدرسة في حياتها، أو نساء يسرن بلا أغطية رأس وبملابس قصيرة، أو بحكايات ملونة لأمراء وأميرات جميلات سأحملها فيما بعد لأقرأها لوالدتي فتبتسم فرحاً !.

لقد بقيت معتقدة ولزمن طويل أن تلك البوابة تتسع لجيوش من الطالبات يدخلنها دفعة واحدة في الصباح بسبب كبر حجمها وكأنها بوابة قصر السلطان سليمان في اسطنبول.

 

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

993 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع