خالد القشطيني
توفي قبل سنوات قليلة الكاتب والإذاعي والمفكر البريطاني كليمنت فرويد. اشتهر بظرفه بين الجمهور.
بادر أحد أصدقائه لنعيه فقال: «عاش كليمنت ظريفًا ومات ظريفًا». تلقيت دعوة منه في حينه لحضور حفل عيد ميلاده الخامس والثمانين في شهر مارس (آذار). وكانت بطاقة الدعوة مذيلة بهذه الكلمات: «يرجى مراجعة صفحة الوفيات قبل التجشم لحضور الحفلة».
أجاد بمثل ذلك الممثل الكوميدي الإنجليزي إدوارد ويليامز. سألوه عن أول شيء يقوم به نهار كل يوم، فأجاب قائلاً: حالما أستيقظ من نومي أفتح صفحة الوفيات من جريدة «التايمز». وبعدما أتأكد أن اسمي لم يرد فيها، أنهض من الفراش.
هناك درر بلاغية في ظرفها طالما نطق بها الظرفاء في مثل هذه المناسبات، كان من أشهرها ما كتبه الأديب الأميركي توماس بِن من تكذيب. كانت إحدى الصحف الأميركية الكبرى قد نشرت نبأ موته خطأ، وهو كثير ما يحدث عندنا في صحفنا العربية. فبادر إلى تكذيب الخبر بهذه الكلمات: «لقد نشرتم في صحيفتكم نبأ موتي. وأعتقد أن هذا النبأ كان فيه شيء من المبالغة».
الطريف أنني ألاحظ في هذه الأيام أنني كلما التقيت بواحد من أصدقائي المسنين الأوفياء بادرني قائلاً: «والله يا أبو نايل اشقد أنا مسرور بشوفتك». يقولها بلهجة من لم يكن يتوقع رؤيتي على وجه هذه الأرض، وفوجئ بوجودي وما زلت حيًا. وكانت كلمات طيبة منه حقًا، فمعظم المثقفين والصحافيين العرب يشعرون بأسى وانزعاج عندما يرونني ما زلت حيًا أُرزق وأكتب وأنافسهم في مهنتهم.
أجد في هذه الأيام تلك الكلمات تتردد على شفاه المسنين العراقيين بصورة خاصة: «والله اشقد أنا مسرور بشوفتك يا أبو نايل». كل يوم يفوز به المسنون والمعمرون من المغتربين العراقيين يجدونه منحة كبيرة من الله عز وجل. وهو الشعور الذي عبر عنه بالضبط ذلك الكوميدي الإنجليزي إدوارد ويليامز. ونحن العرب نعتز بدورنا ونردد ما أوصى به أبو العلاء المعري بنقش كلماته الشهيرة على شاهد قبره:
هذا جناه أبي عليَّ
وما جنيت على أحد
وماذا قال رائد السخرية والفكاهة جورج برنارد شو عند اقتراب ساعته؟ حملوه إلى غرفة العمليات وقد تجاوز التسعين فقال: «إذا خرجت حيًا من هذه العملية، فسأصبح من المخلدين أبدًا».
بيد أن نعيه لصديقه الثائر الاشتراكي ويليام موريس جاء من أروع ما سمعته أو قرأته من نعي. قال: «هذا رجل لن تفقده عندما يموت هو. وإنما ستفقده أنت عندما تموت».
فأعمال ويليام موريس الأدبية والفنية ما زالت بيننا تسعدنا بجمالها وبلاغتها، كما لو كان ما زال حيًا بيننا. ولكننا سنفقدها عندما نموت نحن.
1245 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع